تقرير: موقع " شومريم"- المركز للإعلام والديمقراطية- ترجمة موقع بُـكرا

بعد يوم من المظاهرة الصاخبة أمام مقر رئيس الحكومة في القدس، وقبل يوم من إعلان رئيس الحكومة الخطة الاقتصادية التي أثارت الخلافات لكونها تتعلق بتخصيص المنح المالية لكافة مواطني الدولة- نشرت البروفيسور ثمار هيرمان استطلاعًا أظهرت نتائجه الاستعجال الذي بدر عن بنيامين نتنياهو.

ليس واضحًا إن كان نتنياهو قد اطّلع على الاستطلاع، أو إن كان قد اطلع على نتائج مشابهة مستمدة من استطلاعات بادر هو نفسه لإجرائها، لكن ليس من الممكن التغاضي عن المؤشرات الدراماتيكية الظاهرة من الاستطلاع.

أظهر الاستطلاع الذي أجراه مركز غوطمان لأبحاث الرأي العام والسياسات التابع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية في 12.07.2020- أن نسبة غير مسبوقة من الإسرائيليين قد أعربوا عن قلقهم من مستقبلهم الاقتصادي (61% مقابل 54% في منتصف يونيو حزيران و52% في منتصف مايو أيار ). وفي المحصلة طرأ تراجع دراماتيكي على منسوب الثقة التي يشعر بها الجمهور تجاه أداء رئيس الحكومة خلال أزمة الكورونا.

انعدام الثقة لا ينحصر في مكتب رئيس الحكومة

وهنا أيضًا تكمن المشكلة الرئيسية لرئيس الحكومة: فعند اندلاع أزمة الكورونا حظي نتنياهو بثقة غالبية الجمهور الإسرائيلي بخصوص معالجة الأزمة (54%- 57,5%). وفي شهريّ مايو أيار ويونيو حزيران طرأ تراجع معين بالثقة به (44%-48%) لكن مؤخرًا حصل الانهيار: إذ تراجعت نسبة ثقة الجمهور برئيس الحكومة من ناحية معالجة الأزمة إلى ما دون 30%.

ويبدو التراجع في الثقة برئيس الحكومة من ناحية التعاطي مع أزمة الكورونا أشد حدة في أوساط اليهود خاصة (من 51% إلى 32%) فتقول البروفيسور هيرمان أن تصنيف هذا الجمهور حسب التوقع الذاتي على الطيف الممتد ما بين الحريديم وحتى العلمانيين- يُظهر أن الحريديم هم المجموعة الوحيدة التي تضم أغلبية لمانحي الثقة لنتنياهو (60%). وفي أوساط المتدينين فإن نصفهم يعلنون عن ثقفتهم به (50%) وفي سائر المجموعات يتعلق الأمر بأقلية ( متدينون تقليديون- 34,5%، وتقليديون غير متدينين- 37%، والعلمانيون – 17,5%.

تُظهر المقارنة بين مقياس شهر حزيران والمقياس الحالي أن منسوب الثقة بنتنياهو قد تراجع في أوساط المصوتين لجميع الأحزاب، لكن يجدر بكم أن تنتبهوا إلى أن تراجع الأشد حدة منسوب الثقة بنتنياهو قد لوحظ بالذات في أوساط المصوتين لحزب الليكود ( من 83% إلى 55%)، وتراجع أوساط المصوتين لحزب " يهدوت هتوراه " من 74% إلى 49%، وفي أوساط المصوتين لحزب " يمينا "- من 64% إلى 43%.

خيبة أمل وغضب ونفور واغتراب...

ولا يتوقف انعدام الثقة عند مكتب رئيس الحكومة، إذ أن الثقة بوزير الصحة، يولي أدلشتاين، ما زالت متدنية (27% حاليًا- مقابل 31% عند تسلّمه لمنصبه)، غير أن المشكلة تبدو أكثر حدة: فللمرة الأولى منذ اندلاع جائحة الكورونا يزيد معدل أولئك الذين ليست لديهم ثقة بالمرة أو أن لديهم ثقة ضئيلة فقط بالجهات المهنية داخل الحكومة في مجال الطب (55,5%) عن معدل أولئك الذين لديهم ثقة بهذه الجهات (40,5%)، ما يعني تراجعًا بنسبة تقارب 20% في منسوب الثقة في غضون شعر واحد.

أما الوضع في المجال الاقتصادي فلا يبدو أفضل. ففي حين أنه منذ بداية الأزمات كانت الثقة بالجهات المهنية داخل الحكومة في المجال الاقتصادي والمالي متدنية نسبيًا (48%)، لكن مع استمرار الأزمة طرأ تراجع معتدل، لكن مستمر، في منسوب الثقة التي يوليها الجمهور لهذه الجها (39% في حزيران). إلا أن الثقة تبدو حاليًا أدنى بكثير، ذلك أن 23% فقط من الإسرائيليين صرّحوا بأن لديهم ثقة بالجهات المهنية داخل الحكومة في المجال الاقتصادي والمالي.

تقول البروفيسور تمار هيرمان: " صحيح أننا نلاحظ في الشهور الثلاثة الأخيرة تراجعًا إلى النصيف في منسوب الثقة بنتنياهو من ناحية تعاطيه مع أزمة الكورونا- لكن لو أنني طرحت سؤالاً عن الثقة به بخصوص قضايا الأمن والخارجية لوجدناه في مكانة أفضل.

ولو أن الانتخابات ستجري غدًا فإنني لست متأكدة من أنه سيخسرها، وذلك لأنه لا توجد حاليًا شخصية أخرى تُعتبر أفضل منه".
تبين لمعدّي الاستطلاع أيضًا أن نسبة أولئك الذين أبدوا مشاعر سلبية تجاه الحكومة وأدائها (74,5%) تزيد كثيرًا عن نسبة أولئك الذين أبدوا مشاعر إيجابية تجاهها (15%). وتبيّن أن الشعور بالرضى (7%)، الشعور بالثقة (7%)، الشعور بالاعتزاز والفخر (1% فقط). ولم تظهر فوارق ملحوظ بين مشاعر مواطني الدولة اليهود والعرب تجاه الحكومة.

وضع في غاية الخطورة
ما مغزى التراجع في ثقة الجمهور بممثليه الذين انتخبهم؟
تقول البروفيسور هيرمان ( وهي عضو بارز في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية وعضو في الطاقم الأكاديمي لقسم علم الاجتماع والعلوم السياسية والإعلام في الجامعة المفتوحة): " المواطنون يسلّمون قادتهم جزءًا من استقلالهم الذاتي لكي يتخذوا قرارات تخص الجميع، انطلاقًا من الثقة بأن القادة أو الممثلين المنتجين سيتخذون قرارات بأن القادة أو الممثلين المنتجين سيتخذون قرارات تهدف إلى خدمة الصالح العام، بينما انعدام الثقة يعني عمليًا أن الجمهور كائن في وضعية تجعله يعتقد بأن جزءًا من حقوقه موجود بين أيدي أشخاص لا يثق ولا يصدق أنهم يتصرفون باسم المصلحة العامة والصالح العام".

وتضيف: " هذا الوضع في غاية الخطورة. ففي الأنظمة الشمولية، تنبع طاعة الجماهير من الخوف، بينما هي تنبع في الأنظمة الديمقراطية من التوافق المتبادل. وإذا لم يتصرف ممثلو ومنتخبو الجمهور باسم هذا الجمهور ومن أجله ولصالحه، فيمكن استبدالهم كل بضع سنوات.
وعندما يحصل انعدام متواصل للثقة، بحيث يشمل عددًا كبيرًا من مؤسسات الدولة، فإننا ندرك أنه توجد هنا مشكلة أكثر صعوبة، لأنه لو افترضنا أنه ليست لدينا ثقة الشرطة، بينما لدينا ثقة بالمحكمة العليا أو برئيس الحكومة أو بالكنيست- فعندها تكون المشكلة موضعية".
وتنهي البروفيسور هيرمان حديثها هنا بالقول: " الوضع في إسرائيل مختلف، حيث أننا نلاحظ تآكلاً وانحسارًا للثقة بجميع المؤسسات، وخاصة بالمؤسسات الديمقراطية الرئيسية: الكنيست، الحكومة، والأحزاب، وكما هو حاصل الآن فإننا نلاحظ تراجعًا ملموسًا في الثقة برئيس الحكومة فيما يتعلق بأزمة الكورونا".

اختلالات في اتخاذ القرارات

توجّه معدو هذا التقرير إلى عدد لا بأس به من وزراء الحكومة لمعرفة آرائهم حول سبب التراجع والتدني الهائل في الثقة بهم، وحول كيفية إصلاح وتقويم هذا التراجع- ولم يكن مفاجئًا أن وزيرًا واحدًا فقط ( وهو وزير بارز ينتمي إلى حزب " كاحول لافان") قد وافق على الحديث عن هذا الموضوع، وقد استهل شروحاته وتقييماته بالقول أن رئيس الحكومة يعاني من انعدام متأصل للثقة، وقد تعاظم ذلك بسبب لوائح الاتهام التي يواجهها. ثم انتقل هذا الوزير إلى الادعاء بأن نواب اليسار والوسط الذين قرروا خرق وعودهم الانتخابية الرئيسية فلجأوا إلى الالتحاق بالحكومة تحت رئاسة نتنياهو. وأنهى الوزير تعليلاته بالإشارة إلى أن الجهود الأهم حاليًا موجهة ضدّ عدوّ غامض مجهول ليس بالإمكان التكتل والتكاتف لمقاومته".

ويواصل الوزير حديثه فيقول: " في هذه المسألة لا يوجد " رجل شرير "، ولذا تصبح الحكومة " رجلاً شريرًا". وعندما يجري صراع من النوع المعتاد، فإن المعارضة تبدي دعمها من الخارج ويتكاتف الجميع. وهذه المرة نحن في صراع نعاني خلاله طوال الوقت طعنات وضربات: نفتالي بينت يطعن من اليمين، ويئير لبيد يطعن من اليسار".

وبعد المقدمة عن الأسباب التي تبدو فرضيًا غير منوطة بصنّاع القرار، يقول الوزير: " لو كانت الأمور تدار بشكل سليم، فمن المؤكد أن معظم المواطنين كانوا سيبدون الثقة بالسُلطات رغم ما قلته حتى الآن. المشكلة تكمن في أن اتخاذ القرارات كان حتى الآن مختلاً وغير ثابت، وغير معمق، ومنقطعًا عاطفيًا عن الاحتياجات الاقتصادية للمواطنين. موظفو المالية لم يفهموا أن هنالك مواطنين لا يستطيعون الصمود مدة شهرين دون رواتب، فينهارون، كما أن هؤلاء الموظفين لم يبتكروا بعد موجة الكورونا الأولى أدوات وآليات لتوزيع الأموال على المواطنين.
الفشل الاقتصادي هو الفشل المركزي الناجم عن الكورونا، ومن أجل التستر عليه يجري اتخاذ قرارات طبية لا تستند إلى معطيات. إذا ما قال لك وزير إنه لا توجد مشكلة جوع، وأن كل ما يشاع هو " خرطة"، فهذا أيضًا يعني تآكلاً وانحسارًا في الثقة. كلما جرى الانشغال بمسألة لا تتعلق بالكورونا- مثل قضية ضم مناطق من الضفة الغربية- فإن ذلك يسبب قطيعة وانقطاعًا وأزمة ثقة".

س: وبالنسبة لكاحول لافان- ألم يكن لهذا الحزب إسهام ودور في كل الأمور التي ذكرتها بسبب دخوله إلى حكومة مضخمة، ومبذرة، وغير ناجعة، وخلافًا لوعوده الانتخابية؟

ج: " طبعًا كان لنا إسهام، لأننا كنا السبب في تشكيل هذه الحكومة. لا أعتقد أننا نقوم حتى الآن بعمل من شأنه أن يمنحنا علامة عالية، بل أعتقد أننا جزء من المشكلة، عندنا في الحزب أيضًا خيار التركيز على الأمور الضرورية كثيرًا ما يكون منقطعًا عن الاحتياجات اليومية للشعب ومع ذلك فإنني سعيد بمشاركتنا في حكومة وحدة وليس في حكومة انتقالية، لهذا السبب لا يجري الضّمّ، ولهذا السبب تستمر محاكمة نتنياهو، ولهذا السبب تبقى وزارة القضاء ووزارة الاتصالات ووزارة الثقافة تحت الحماية".
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]