برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة لم تأخذ حيزًا كبيرًا من الاهتمام المجتمعي في بدايتها الا انها اليوم وفي ظل سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، الانستغرام خصوصًا، على عقول الشبيبة، باتت تؤثر بشكل كبير، والحديث يدور عن ظاهرة شخصيات مواقع التواصل الاجتماعي، من عارضات أزياء الى مختصات مكياج إلى عارضي أزياء و "فنانين" أو حتى شخصيات بلا مضمون حقيقي، تجمع آلاف المتابعين بمنشورات وفيديوهات سخيفة.

وأثيرت الضجة بشكل ملفت بعد سفر عدد من هؤلاء الأشخاص إلى دبي، حيث اتهم ناشطون هؤلاء "المؤثرين" بالترويج للتطبيع وبأن هذه الرحلات ممولة من جهات حكومية إسرائيلية أو إماراتية هدفها الترويج الممنهج للتطبيع، الأمر الذي أنكره الذين كانوا في دبي وأكدوا أن الرحلات على حسابهم الخاص أو بتمويل من شركات سياحة للترويج للسياحة، وزادت حدة الاتهامات بسبب ردود فعل بعض هؤلاء "المؤثرين والمؤثرات"، حيث كانت الردود عبارة عن اتهام الفلسطينيين في الضفة بالحقد لأنهم انتقدوا التطبيع، أو عن توضيح غير صحيح لمعنى التطبيع ومقارنة الذهاب إلى دبي بالذهاب إلى الأردن ومصر.

جائحة التطبيع تمر علينا ومن فوقنا ومن تحتنا على انها مجرد خبر في الاعلام

د. نهاد علي رئيس مركز التعددية الحضارية في أكاديمية الجليل الغربي وجامعة حيفا ورئيس قسم المجتمع العربي بشموئيل نئمان في التخنيون تطرق الى الظاهرة وقال: تعتبر ظاهرة التطبيع مع العالم العربي والإسلامي قضية شائكة ومركبة وخاصة في ظل عدم التنسيق للمطبعين مع القيادة التمثيلية للشعب الفلسطيني فمن ناحية حقنا الطبيعي كجزء لا يتجزأ من العالم العربي ان نتواصل مع الدفيئة الجغرافية والثقافية والإقليمية والدينية التي ننتمي لها، بل هناك من يعتبر ان عدم تواصلنا مع محيطنا العربي والإسلامي به ظلم كبير لنا كأبناء للشعب العربي حرمتنا منه الدولة العبرية ولكن من الناحية الأخرى هذا التطبيع يأتي على حسابنا كجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وعليه فان عاصفة التطبيع التي ضربت احلامنا في امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة تعتبر إنجازا بالأساس لمن يتنكرون لحقوقنا المشروعة والتي تتلخص بشخصية الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي العنصري والمتنكر لحقوقنا نتنياهو.

وتابع: انما يؤرقني بشكل خاص في هذه الظاهرة هي مجموعة من القضايا أولا جائحة التطبيع تمر علينا ومن فوقنا ومن تحتنا على انها مجرد خبر في الاعلام بدون ردة فعل جدية عربية او فلسطينية او حتى على مستوى قيادتنا الداخلية فلا لجنة المتابعة ولا المشتركة ولا القطرية أصدرت بيان او موقف من زيارات أبناء مجتمعنا او شعبنا لهذه الأقطار غير الشقيقة ولهذا انا لا الوم من يزور قطرا عربيا بل يؤرقني الطريقة التي يقومون بها.

هؤلاء بما يصورونه وينشرونه يخدمون اجندة واضحة

وتابع: كما ان ظاهرة الانبطاح لهذه الدول وتوصيفها وكأن تصالحها مع إسرائيل هو حلم قد تحقق، ثالثا زيارات بعض ذوي الشأن الاماراتيين والبحرينيين الى إسرائيل معبرين عن فرحتهم بالتطبيع وحتى زيارتهم لحائط المبكى الذي نعتبره حقا عربيا واسلاميا، هؤلاء وكما هو واضح جهلة بالتاريخ والجغرافيا والقومية والوطنية، رابعا ان بعض ما يسمى بالمؤثرين من فلسطينيي الداخل واحتفالهم واحتفاءهم بالتطبيع بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي ناسين او متناسين بان هذا التطبيع على حسابنا وعلى حساب قضيتنا.

ونوه: باعتقادي ان هؤلاء بما يصورونه وينشرونه يخدمون اجندة واضحة، للأسف يمكن ان يكون لهؤلاء تأثير تطبيعي على كثيرين من الشبان بحيث يضعون صورهم امام الأبراج وناطحات السحاب والسيارات الفارهة قد تدفع آخرين بحذو حذوهم.

وأضاف قائلا: من حق كل فرد او عائلة ان يسافر لهذه الدول والتعرف على العالم العربي والإسلامي او حتى لمجرد السياحة، ولكن ان يقوموا بذلك تحت اجندة تطبيعيه فهذا امر جلل او كمأجورين لأجندة فهذا امر خطير، واختتم بمقولة ابن خلدون "يحتاج الانسان الى حماية نفسه من اخوته ولتأمين هذه الحماية لا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض" والسؤال هنا هو هل بقي لدينا هذا الوازع.

تسونامي بلوغريم

ووصفت العاملة الاجتماعية والمربية تغريد ذيبة ما يحدث ب تسونامي من " التواصل الاجتماعي والمؤثرين" يغزوا بيوتنا من خلال الفضاء الإلكتروني ويهدد مستقبل شبابنا وضياع هويتنا، لا يخفى على أحد أن مجتمعنا العربي يمر بمرحلة انتقالية وتأرجح بين الموجود والمنشود وبين هذا وذاك ثغره كبيره يتم استغلالها بشكلٍ رهيب من قِبل شخصيات تدعي "الشهرة" مدعومة من قبل شخصيات ومؤسسات مشبوهة بهدف القضاء على ما تبقى لنا من القيم والحضارة والموروثات الأصيلة.

وتابعت ذيبة: واحده من هذه الظواهر الدخيلة هو استغلال " التواصل الاجتماعي والمؤثرين" لتسويق ونشر مضامين دخيله على مجتمعنا ومنافيه لعادتنا وفي بعض الحالات تخدش الحياء وتعمل على ترويج الشذوذ بحجة حرية التعبير عن الرأي. تزخر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها المختلفة والمستحدثة مثل الإنستغرام والتيك توك بالكم الهائل من المؤثرين الذين يتهافتون ويتنافسون على جذب الأنظار وجني الأرباح وترويج نرجسيتهم وشهرتهم وعرض تفاصيل حياتهم الشخصية "المثالية المزعومة" والافتراضية على الملأ.

واكدت ان الأبحاث أشارت الى أن النساء والمراهقين هم الفئات الأكثر عرضةً وتأثراً بالمضامين التي تعرض ب "التواصل الاجتماعي" حيث يسعون جاهدين ويطمحون للتشبه بهذه الشخصيات ما يسبب الكثير من حالات الإحباط والقلق والاكتئاب والتمرد خاصةً في أوساط المراهقين ونرى ذلك من خلال تأثرهم السريع بكل ما هو مختلف وغريب وهذا أحد مميزات جيل المراهقة، تأثرهم ب "التواصل الاجتماعي والمؤثرين" يظهر جلياً بطريقة لبسهم ومظهرهم الخارجي وسلوكهم.

تأثير مزيف وعلى الاهل ان يأخذوا دورهم

وأضافت قائلة: تعج وسائل الأعلام وشبكات التواصل الاجتماعي مؤخراً بالكم الهائل من المؤثرين ب "التواصل الاجتماعي" ومعظمهم من أوساط الفن والتجميل والأزياء وغيرهم بنشر صورهم من خلال اجتياحهم العاصمة دبي، أعتقد أن وراء الأكمة ما وراءها والمخفي أعظم وأن هنالك استغلال لهذه الفئات تحديداً لتأثيرها المزيف على قضية التطبيع وصناعة الفكر المناهض لكل ما هو راسخاً وقيمياً وتوجيهه أفكارنا وأحلامنا وآمالنا نحو الأمور السطحية والتافهة وضياع هويتنا السياسية الثقافية والاجتماعية.

وختاما وجهت رسالة للأهل وقالت: عليكم مراقبة وتحديد اهتمامات اولادكم ب "السوشيال ميديا"، وفحص المضامين والرسائل العلنية والخفية، لا تتركوا زمام الأمور، خذوا دوركم الحقيقي والفعال وكونوا انتم المؤثرين على أولادكم وافتحوا معهم الحوار البناء والنقاش حول المضامين التي تبثها شخصيات مواقع التواصل الاجتماعي والشخصيات المشهورة، ولا تتركوا هذه المضامين تغزو أفكارهم كونوا انتم القدوة.

في حال وصول أي تعقيب من أي طرف من الأطراف المذكورة في التقرير، سينتشر فورًا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]