كشفت دراسة مؤخرا عن ارتفاع بنسبة العنف العائلي خلال فترة الكورونا حيث اشارت الدراسة الى ان من اكثر المتضررين هم شريحة اولاد المدارس حتى 18 عاما لاسباب عديدة اجتماعية واقتصادية. حيث شهدت البلاد حوادث قتل وطعن لفتيان بهذه الاجيال مؤخرا.

د. هند اسماعيل محاضرة ومعالجة نفسية علاجية ومرشدة علاجية قالت لـ "بكرا": سنة ضائقة، حملت معها الكثير من التحديات واهمها التحديّ الاسري، حالات متزايدة من العنف الاسري تصل كل يوم الى مراكز العلاج، الوان من العنف أكثر حدة من ذي قبل سمعنا بها هذه السنة في المجتمع الاسرائيلي عامة. العنف الاسري ليس قصرا على المجتمع العربي، بل ظاهرة آخذة في التزايد في المجتمع اليهودي ايضا، ما يثبت ذلك مضاعفة التوجهات لمجلس أمان الطفل في السنة الأخيرة.

عاتق الاهل 

وتابعت: موت الفتى في كريات جت على يد ابيه زعزع اوساط المعالجين والقائمين على سلامة الطفل، موت الطفل على يد حاميه وراعيه هي ظاهرة لا يقبلها العقل والمنطق ولا الفطرة البشرية..فما الذي حصل مؤخرا كي يتفاقم العنف حدّ قتل الاب ابنَه؟ سنة صعبة مرت على العالم اجمعين، سنة فيها اضطر الاهل التعامل مع اطفالهم في كل احتياجاتهم، البدنية والنفسية والاجتماعية والتعليمية. بعد ان كانت المدارس ، والاطر الاجتماعية والحي شركاء -في الظروف الاعتيادية - في التربية، اصبحت كل المسؤوليات الآن على عاتق الأهل، في ظروف غير اعتيادية.

وتابعت مفسرة: اطفال كانوا يقضون جل اوقاتهم خارج البيت، كانت العودة الى البيت للراحة وقضاء قليل من الوقت مع الأسرة ثم النوم، لم يروا البيت مكانهم الاول او الوحيد، نقلوا اليوم كل عالمهم الى البيت: انشغالاتهم، علاقاتهم، تعليمهم، لعبهم، وكل حاجاتهم النفسية، بما في ذلك المخاوف مما يحدث والملل الذي طال الجميع. اهالي كانوا يعملون في خارج بيوتهم، ومنهم من قصر دوره الوالدي في مهام ضيقة تتلخص بتزويد الامان المادي والجسدي، وجدوا انفسهم هذه السنة أمام مهام والدية مركبة لم يعتادوها اذ كان لهم شركاء بها، ومنهم من لم يملك اصلا القدرة على اداء هذه المهام.

الاسباب

واضافت: سنة الكورونا كشفت النقاب عن قدرة الاسرة على بناء جزيرة آمنة وسط الامواج: قدرة الاهل على التدبر في حالات اقتصادية صعبة، وفي نفس الوقت التعاطي مع احتياجات اطفالهم، وتعلم مهارات جديدة من اجل التعاطي مع هذه الاحتياجات، وأهم هذه المهارات القدرة على خلق مساحة حوار آمنة مع الاطفال، والقدرة على الضبط الذاتي أمام واقع لا يتماشى واحتياجاتهم. والقدرة على متابعة تعليمهم عن كثب واخذ كامل المسؤولية عن هذا الجانب. ساعات الجلوس المتواصلة امام الشاشات، ونقص في مساحات اللعب والتفاعل الاجتماعي خلقت لدى طفل هذه السنة حالة من التوتر والاحباط، على الاهل تفهمها واستيعابها واحتواء هذه الحاجة، اضف الى مهمة ايجاد البديل، مما صعّب على بعض الأهل مهمتهم الوالدية. والاصعب حين نتحدث عن طفل مع صعوبات تعليمية او سلوكية.

واسترسلت حول الاسباب: هنالك قسم من الاهالي عانوا من التوتر بعد ان فقدوا مصدر الامان الاقتصادي، مما صعّب عليهم القدرة على اداء باقي المهام الوالدية، اذ استولى القلق المادي على نفسيتهم مما مس بقدرتهم على الاستيعاب والاحتواء العاطفي. العنف الاسري لم يدر فقط في محور الابناء، بل طال العلاقات الزوجية، وهذا احد اهم الاسباب للعنف باتجاه الاطفال.

ورأت د. اسماعيل ان جائحة الكورونا بما حملته من تحديات نفسية ومادية، تركت بصمة سلبية على بعض العلاقات الزوجية، مما حدّ من قدرة الزوج في ضائقة على التعاطي مع احتياجات الاطفال، فبالاضافة الى التزايد في حالات العنف زادت حالات الطلاق، وهذا تحد آخر.

واشارت الى ان احد التحديات الصعبة في هذه السنة كان غياب عناوين علاجية بسبب الاغلاق وتعذّر الوصول الى العائلات، خاصة العائلات التي لا تعرف التوجه لعناوين رغم البعد، غياب عنوان علاجي زاد الوضع سوءا.

اليات ونصائح

واوضحت: ففي الاوضاع الطبيعية قسم كبير من حالات العنف يتم التبليغ عنها من قبل المدرسة سواء أكان من قبل المربي او المستشار او المعالج النفسي، في هذه السنة صعوبة رؤية طفل من وراء الشاشة صعبت على البالغين خارج المنزل التقاط ازمته والتعاطي معها بالتوجيه والعلاج والمساعدة.

لذا ننصح بما يلي:

- على المدرسة تطوير آليات ملائمة للتواصل الشخصي مع الاطفال خاصة الأطفال في ضائقة من أجل الاطمئنان على سلامتهم والتدخل السريع ان احتاج الامر.
- الحرص على اجراء زيارات بيتية من قبل العاملين الاجتماعيين وربما الطواقم العلاجية في المدرسة بما يتيح لهم دورهم، لتوجيه الاهل ومرافقتهم في مهامهم المركبة بعد الاطلاع على وضع الأسرة.
- تشغيل خطوط دعم نفسي واستشاري للطفل مع توعيتهم لاهمية التوجه وآليته.
- تفعيل مراكز توجيه اسري ووالدي، لمرافقة الاهالي وتدريبهم على مهارات والدية في ظروف اعتيادية وغير اعتيادية.
- بناء برامج ترفيه وتدرب عن بعد بمراقبة ومرافقة طواقم تربوية.
- تكثيف الابحاث حول الاداء الاسري والنفسي في هذه السنة من اجل استخلاص العبر وبناء برامج ملائمة.

وختاما قالت: من الجدير بالذكر ان سنة الجائحة وان حملت في طياتها خطورة وتهديد لبعض الاجواء الأسرية، الا انها اتاحات مساحات جيدة، نجحت الكثير من الأسر استغلالها وتوظيفها من اجل التماسك الاسري، والحصانة العائلية.

كثير من الآباء والامهات استغلوا الاوقات المتاحة لقضاء وقت اكبر مع ابنائهم، للاطلاع عن كثب على حاجاتهم، صعوباتهم، والتعاطي معها بشكل افضل.

كثير من الابناء تدربوا على مهارات الاستقلالية وادارة الوقت والمسؤولية، فكانوا شركاء مع الاهل في التأقلم مع تحديات السنة الماضية. كثير من الأهل استغلوا الفترة في تدريب ابناءهم على مهارات حياتية ما كان بالامكان الوصول اليها في الاوقات الاعتيادية بسبب الانشغال خارج المنزل.

حصانة عائلية 

واكدت الى ان سنة الجائحة كانت تحدياً للاسرة، كشفت اي الاسر تتمتع بحصانة عائلية تؤهلها للتأقلم في حالات الطوارئ، لا بل والتماسك اكثر رغم الظروف الضاغطة، اكتشاف فرص جيدة واستغلالها.

وأي الأسر في خطر زادتها الازمة خطورة. مما يتستدعي الاطر العلاجية لتطوير آليات كشف عن اطفال وعائلات في ضائقة، ومحاولة تقديم الدعم الملائم، من تمكين اسري ودعم مادي ونفسي كي نمنع الضحية القادمة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]