تشهد الضفة الغربية منذ أيام، سلسلة أحداث متوترة، في أعقاب قيام عناصر الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية باغتيال الناشط المعارض نزار بنات في بلدة دورا بالخليل، صباح يوم الخميس الماضي، بعد اعتقاله وضربه بشكل عنيف أدى إلى وفاته.

وكان نزار بنات معارضًا شرسًا للسلطة الفلسطينية وقضايا الفساد بشكل خاص، واقتصر نشاطه على منشورات وفيديوهات في صفحته بالفيسبوك، التي حظيت بمتابعات كثيرة، وقبل اعتقاله الأخيرة مقتله، تعرض بنات لعدة اعتقالات واعتداءات وتهديدات من قبل السلطة الفلسطينية.

وفجّر اغتيال نزار بنات الشارع الفلسطيني بشكل غير مسبوق، إذ خرجت مظاهرات منددة بهذه العملية في عدة مدن، بينما رام الله والخليل، وفي المظاهرات اطلقت هتافات عديدة بينها التي طالبت بإسقاط النظام وبرحيل الرئيس محمود عباس وسط تحميله المسؤولية بشكل شخصي، وعبر المتظاهرون عن رفضهم لمسألة تعيين لجنة تحقيق بهذا الاغتيال بحجة أن اللجنة لا يمكن أن تكون موضوعية، وأن الجهة التي أمرت بقتل نزار بنات هي نفسها الجهة التي تأمر بتعيين لجنة تحقيق- على حد قولهم.

وجاء الرد على هذه المظاهرات، كما كانت التوقعات تمامًا، بالقمع وباعتقال المتظاهرين وبضرب بعضهم وبتحطيم كاميرات البعض الآخر وكاميرات الصحافيين، والاعتداء أيضًا على الصحافيين، ناهيك عن موجة تهديدات كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي ضد كل من يشارك في هذه المظاهرات، وفي المقابل نشر ناشطون فلسطينيون يعيشون في الخارج صورًا لعناصر الأمن الذي قمعوا المتظاهرين.

سقف المظاهرات 

حول سقف هذه المطالب والهتافات وسبب خروج الناس بهذا الكم من الغضب، والتوقعات للأيام القادمة، قال مدير مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الانسان وممثل مجلس منظمات حقوق الإنسان، شعوان جبارين: : لطالما عملت حق كالطائر بجناحين، جناح يغطي ما يحصل داخليًا من انتهاكات، في الضفة وفي غزة، وجناح يغطي انتهاكات الاحتلال الكثيرة والمتواصلة، ومؤخرًا نحن نتابع بقلق ما يحصل في الضفة الغربية، خصوصًا بعد اغتيال الناشط والمعارض نزار بنات، ففي شوارع الضفة رأينا أن الناس قد ملّت وأن الضغط والقهر وصلا لدرجات مرتفعة جدًا، خصوصًا بين الشباب، والفجوة بين هذه الشريحة وبين السلطة كبيرة، كبيرة جدًا، ومن يرى غير ذلك إما أعمى أن السياسة أعمته، هنالك جيل فلسطيني كامل تعرض للإقصاء وهو اليوم يقود الشارع، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، بأن لدينا مشكلة أجيال، بالإضافة إلى الانقسام والاحتلال وكل المشاكل الأخرى، لدينا فجوة كبيرة بين الاجيال وجيل الشباب الذي يقود الشارع اليوم هو جيل تعرض للاقصاء.

ويستبعد شعوان أن تكون هدف المظاهرات اليوم هو اسقاط السلطة الفلسطينية، مؤكدًا أن هدف هذه المظاهرات هو توسيع هامش الحريات والحقوق، وقال: هؤلاء الشبان ينادون ويطالبون بوجود سلطة حقيقية قوية تمثل إدارة الشعب، تقوم بمساءلة لمن يخطئ، وتحمي حقوق الشعب. ينادون بجهاز أمنية عقيدته قائمة على قاعدة حقوق الانسان، هي مطالب محقة وصحيحة، وتلبية هذه المطالب لن يضعف السلطة، بل سيقويها.

وأضاف: انا في غاية القلق على مشروعنا الوطني، وهنالك من يحاول زج الأمور إلى الخلف وعدم الاعتراف بجوهر المشكلة، فإلقاء التهم ومحاولة الصاقها بأسماء معينة دون أخرى، هذا لا يحصل المشكلة بشكل جذري، فالحل يكون بدمج هذا الجيل ودعمهن وفي نفس الوقت بتجديد الدماء في المؤسسات، وفصل للسلطات، لا يتعقب أن تكون السلطة القضائية هي نفسها التنفيذية ونفسها التشريعية، هذا أمر لا يسمح بوجود حكم ديمقراطي. لا يعقل أن تكون تحت احتلال، وتقمع بهذا الشكل.

وفيما يتعلق بالانتهاكات الممارسة ضد المواطنين، كشف جبارين أن الاعتقال السياسي التعسفي أكثر أشكال الانتهاكات انتشارا في الضفة وغزة، رغم نفي طرفي الانقسام هذا الأمر، لكنها الحقيقة.

وأكد أن الحقوق والحريات مكفولة بالدستور والاتفاقيات التي وقعت عليها فلسطين، وفلسطين ملزمة أمام العالم أجمع بفتح جميع الأبواب الموصدة أمام الحريات العامة.

وقال جبارين " حان الوقت لمراجعة شاملة للمنظومة على قاعدة احترام كرامة الناس وحقوقها وحرياتها، هذه الطريقة الوحيدة التي تجنبنا شلال دم داخلي، مع إعادة توجيه البوصلة الى مواجهة الاحتلال."

لن يكون نزار بنات ثاني 

الصحافي والناشط السياسي علاء الريماوي، الذي صرّح قبل أيام أنه قد يكون نزار بنات الثاني، في أعقاب التهديدات التي تصله من جهات مقربة من السلطة الفلسطينية، وهو الذي خرج مؤخرًا من السجن الإسرائيلي بعد اعتقال إداري أضرب خلاله عن الطعام، قال عن الحراك الفلسطيني: الحراك اليوم وصل إلى أعلى مرحلة في ناحية سقف الشعارات والمطالب وحتى الشخصيات، فبينما كانت الحديث في الماضي عن الفساد فقط وكان يتم ذكر رؤساء الحكومة والوزراء، اليوم وصلت الهتافات إلى حد أبو مازن، وهذا لم يحدث سابقًا.

وتابع: باعتقادي في هذا الحراك تم كسر قواعد الخوف، وهذا رغم التهديدات اليومية، رصدنا أكثر من 150 تهديد لفئات شبابية وأشخاص وصحافيين ضمن التعقيبات في وسائل التواصل، ناهيك عن الرسائل، هنالك أكثر من 30 صحفيًا تعرضوا لاعتداءات غير التهديدات، عدد الإصابات فاق الـ170 والانتهاكات في مواقع التواصل الاجتماعي فاقت الـ2000، وهذا كلّه يعبر عن نهج هدفه ترويع الناس، ولكن ما نراه أن الشباب أبعد ما يكون من أن يتراجعوا.

وتابع: يجب أن نفرق بين فكر المطالبة وميكانيكية المطالبة، أما الفكر، فهو واضح، بأن هذا النظام لم يعد مناسبًا لحكم الشعب، وعليه أن يستبدل وكل المحاولات لم تعد مقنعة، أما ميكانيكية هذه المطالب، فهي تتعلق بالتراكم وبالأحداث التي ستحصل، وما أتمناه هو أن لا تتراكم الانتهاكات وأن يستفيق هذا النظام ويعيد برنامجه ونهجه، والبداية تكون من الوحدة، يجب إعادة هيكلة الأمور والتوصل إلى المصالحة وترتيب أوراق منظمة التحرير الفلسطينية، وما لم يحدث ذلك سنرى جوانب أخرى، فهذه السلطة لم تعد تقنع حتى أبناء فتح، رغم صمت بعضهم، هي تستجلب كافة مساوئ العالم العربي، تتصرف بمنظومة عصابة، وتستخدم الشبيحة والزعران وتقمع المواطنين، ووصل بها الحد إلى محاولات تشويه سمعة بعض الناشطات بتركيب صور وفيديوهات، هذه ممارسات عصابة.

وعن اغتيال نزار بنات، قال الريماوي: الاحتلال شريك باغتيال نزار بنات، هو من سهل للقوى الأمنية الفلسطينية الوصول إلى مكان تواجد نزار، وقد لها الامكانية بذلك، فهذا الاحتلال من مصلحته أن يستمر بشرعنة الاستبداد. والرد على ذلك يأتي ضمن مطالب الحراك، المطالب الوطنية التي تتركز على أهمية التعامل بندية أمام هذه الاحتلال وتغيير نهج وخطاب السلطة أمامه، من التنسيق الأمني وغيره، وقد سمعنا هذا بالهتافات أيضًا.

الإعتداء على الصحافيين

من أبرز ما يميّز هذه الاحداث، هو الاعتداء بشكل واضح على الصحافيين، ومنع الناشطين من توثيق عمليات القمع، مع الذكر أن القضية من أساسها بدأت بموضوع حرية التعبير، فنزار بنات قُتل بسبب ما كان يقوله وينشره فقط، لم يحمل السلاح ولم يفعل أي شيء، تقول الصحافية نائلة خليل: الاعتداءات، وبينها الاعتداءات على الصحافيين، ليس جديدة، فقد كانت في الماضي محاولات من الضرب والسحل ومنع التصوير، في محاكمة باسل الأعرج وفي أحداث أخرى، ولكن هذه المرة هذه الاعتداءات أصبحت مكثفة وأكثر عنفًا، وضد الصحافيين رأينا تجييشًا من قبل السلطة الفلسطينية، وتهديدات من قبل ناشطين، والصراحة لا استغرب أن يشعر بعض الصحفيين بأن حياتهم مهددة، فالتهديدات التي كانت تصل نزار بنات، حتى في أسوأ كوابيسنا لم نتوقع أن تصل إلى قتل، لكنها وصلت، لذلك كل صحافي وكل ناشط اليوم أصبح يعرف أنه لا يوجد حدود، وأن هذه التهديدات قد تكون جدية وأثر.

وتابعت : محاولات منع الصحافيين من نقل الصورة عبر خطف الكاميرات وتحطيمها، والأمور لا تقتصر على الصحافة المحلية فحسب، بل على طواقم صحافة عالمية أيضًا، هي محاولات خطيرة جدًا وتؤكد أن نهج القمع الذي تم ممارسته ضد نزار بنات، باعتقاله ومنعه من الكتابة وثم قلته، هو نهج يمكن أن يشمل الجميع، مجرد التفكير بما حصل عندما وقف عناصر الأمن كحاجز بشري لمنع الصحافيين من التصوير، أمر لا يمكن تقبله، عناصر أمن بملابس مدنية يمنعون الصحافيين من تصوير مظاهرات، هذا لا يحدث في أي مكان بالعالم، وهنالك من يقول أن بعض العناصر الذين منعوا الصحافيين كانوا عناصر فتح، وأنا أتمنى أن يقوم تنظيم فتح بنفي هذا الادعاء، لأنه إذا كان صحيحًا فإن الأمر سيء ومؤسف جدًا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]