أمّا عيشة كلاب!!؟؟:
بالإضافة الى حدائق الحيوانات التي شاهدنا منها الكثير في أوروبا، فإنّ أوروبا نفسها تكاد تكون كلّها حديقة حيوانات للكلاب والقطط. والكلب والقطّ يحتلّان مركزاً مرموقاً يكاد يضاهي ويزيد أهميّة عن أهميّة الإنسان العربي أو الافريقي أو ابن العالم الثالث. إنّ طريقة التّعامل مع الكلاب والقطط وإطعامها وإلباسها وتكريس الوقت من أجلها رُبّما يعبّر عن واحد من أربعة:
1- استقرارهم المادّي 2- العزلة والانفراديّة 3- إنسانيَّة فائقة 4- ثلاثتهم معاً.
فـــ"سوسو" مثلاً لديها قطتان سمينتان جِدّاً ونظيفتان يكاد الإنسان منّا يحسدهما على التّرف والنّعيم الذي تعيشان فيه.
و"مونيكا" العجوز لا تستطيع أنْ تسافر وتتجوّل للمتعة، خاصّة إذا احتاج السّفر الى قطار أو طائرة، لأنّها لا تستطيع أنْ تترك كلبتها في البيت وحدها أو تأخذها معها، لذلك فهي مرغمة أو حريصة على قضاء حياتها في البيت حتى تستطيع أنْ تؤمّن السّعادة لكلبتها، وهي تقضي باقي وقتها بتجميع الطّوابع البريديّة وعَدّ ما تبقّى لها من أيّام في هذه الحياة بيأس وحسرة.
وأمّا الكلب الذي قابلناه في محطّة الجمارك البوليسيّة في مدينة "مالمو" فهو روعة العصر في أوروبا، لأنّه حقّاً يقوم بمهمّة لا يقدر عليها الإنسان، فهو يبحث عن المخدِّرات في جيوب وسيّارات السّياح، وعمله صعب جِدّاً لأنّ المخدّرات كثيرة والتّهريب مستمرّ.
كذلك فإنّه بين مدينة وأخرى فإنّك تشاهد قطعة أرض واسعة جِدّاً خُصِّصت للكلاب، فكل من لديه كلب يستطيع أنْ يأتي به الى هذه الحديقة لكي يفسّحه ويدّربه ويعلّمه من خلال بعض الدّورات المخصّصة من قبل مدرّبين رسميّين بارعين ومحترمين، وما "صحّ" لهؤلاء الكلاب لم "يصحّ" للبشر.
وفي دول أوروبا تجد أنّ الاهتمام بالنّظافة أمر ملحوظ للغاية، فإنّك تُخَالَف إذا رميت وَرقة أو قاذورة في الشّارع، ولكن ما يبعث للدَّهشة أنّك غالباً ما تدوس برجلك على رَوَث وخراج كلاب، لأنّ الكلاب وحدها هي البشر الوحيدة التي يُسمح لها بأنْ "تخرا" في الشّوارع وتوسّخها، وهذا حقّ شرعي فرضته الكلاب على مالكيها الأوروبيّين.
وأمّا في نيويورك فالأمر مختلف والتّطور أكثر عصريّة، فقد فرضت البلدبة عقوبات شديدة على أصحاب الكلاب وعلى كلابهم التي تخرأ في الشّوارع، ممّا اضطّر أصحاب الكلاب أنْ يجرّوا الكلب بيد وبِحَمْل مجرفة ومكنسة باليد الأخرى ليكنسوا بها خراء كلابهم لكي يحافظوا على نظافة المدينة ويوفّروا على أنفسهم غرامات البلدية.
أمّا المستودعات التّجارية الكبيرة، فَغَالباً ما تجد أنّ نصف بضائعها هي من احتياجات الكلاب والقطط، وغالباً ما يُكتب على هذه البضاعة بأنّها نوعيّة جيّدة تجعل كلبك سعيداً ومتفائلاً في حياته.
كم نودّ نحن أغلبيّة أبناء "العالم الثّالث"، وفقراء النُّظُم الرأسماليّة المتغوّلة أنْ نحظى بجزء من هذا التّرف والاهتمام الكبير الذي تحظى به الكلاب الغربيّة، ونحصل على المكيِّفات التي يحصل عليها كلاب وقطط أوروبّا وسائر حيواناتها الأليفة. آه.. متى يأتي الوقت الذي تحظى به الكلاب العربيّة برفاهية الكلاب الغربيّة؟
****
هاجس مسرحيّ: راضي شحادة
هاجس كاريكاتيريّ: خليل أبو عرفة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]