من تابع صفحات الفيسبوك، أو حاور الناس في الشارع خلال فترة هروب الأسرى الستة من سجن الجلبوع، إلى يوم اعتقالهم جميعًا، سيعرف مدى التعاطف الذي تلقاه هؤلاء الأسرى وقضيتهم في مدن وقرى الداخل.

نعم، على عكس ما صوّره الإعلام الإسرائيلي، وتصريحات وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، بأن أشخاص من المجتمع العربي رفضوا مساعدة الأسرى وقاموا بالتبليغ عنهم. وهذا التصوّر وصفته جهات فلسطينية عديدة بأنه محاولة لإحداث شرخ وفتنة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي الداخل، لا سيما وأنه لم يتم نشر المحادثة الهاتفية التي أجراها "العربي" في الناصرة أو في أم الغنم مع الشرطة ليبلغ عن الأسرى، بينما المحادثة بين سائق سيارة الأجرة الذي أبلغ الشرطة عن رؤيته لأشخاص يركضون في الحقول بجانب سجن الجلبوع، تم نشرها. وحتى لو كان صحيحًا، فإن الحديث يدور عن حالات فردية لا تمثل المجتمع بشكل عام.

وتتعزز نظرية محاولة جهات إسرائيلية احداث فتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الضفة، بأنها تأتي بعد شهور قليلة من أحداث شهر أيار الأخير والذي توحدت فيه الاحتجاجات من أجل القدس والمسجد الأقصى، في الداخل والضفة وغزة، تحت شعار واحد.

اذا سألت مواطنًا عربيًا عن ما الذي يمكن أن يفعله إذا قابل أحد الأسرى الهاربين، في غالب الأحيان سيقول لك أنه سيساعدهم، وإذا لم يساعدهم بسبب خوفه من تبعات هذا الأمر واتهامه بالخيانة، سيقول على الأقل أنه لن يشي بهم، هذا ما يقوله أغلب الناس في الشارع.

وتعود هذه الأزمة كل مرة مع حصول أي حرب أو مواجهة أمنية بين إسرائيل وأي جهة عربية، منذ أيام الزعيم المصري جمال عبد الناصر وتعلق الناس به، مرورًا بالانتفاضتين وبحرب 2006 ضد لبنان والحروب على غزة وغيرها من الأحداث، دائمًا كانت مشاعر المواطن العربين أو الأغلبية من المواطنين العرب، مع شعبهم وأبناء جلدتهم، وهو شعور طبيعي بالانتماء يمكن لأي انسان أن يشعر به وينتمي لشعبه. ولكن من جهة أخرى يصعب الإعلان عن هذا لأنه يعتبر في عدة مواقف، مخالفة للقانون الإسرائيلي تصل إلى حد الخيانة، أو على الأقل قد يجد نفسه عرضة للخطر بالفصل من مكان عمله مثلًا، كما حصل في احداث أيار الأخيرة، أو عرضة للتحريض في مواقع التواصل كما حدث أيضًا عدة مرات، وهذا ينبع من عدم فهم المجتمع الإسرائيلي لحقيقة أن المواطن العربي في إسرائيل، مهما كان محافظًا على القوانين وملتزمًا به، هو جزء من شعب آخر، تحاربه إسرائيل، وبينما يريد الإسرائيلي التعاطف مع كل يهودي أو إسرائيلي في العالم، عليه أن يفهم أن العربي داخل إسرائيل هو فلسطيني، ومن الطبيعي أن يتعاطف مع شعبه أينما حل.

هل كل من قتل بريئًا هو مخرب بنظر إسرائيل؟

تقول الشابة (أ.أ) وقد رفضت أن نكتب اسمها للأسباب التي ذكرناها أعلاه: "هنالك نهج غريب في إسرائيل، في الإعلام وفي السياسة وفي كل مكان، يريدون من العربي أن يحاول اثبات الولاء دائمًا، حتى لو كان هذا على حساب تنكره لشعبه وأبناء جلدته، يريدون للعربي أن يقول عن الأسرى الفلسطينية انهم مخربين، لماذا؟ لأنهم ناضلوا ضد الاحتلال؟ ألا يحق لكل شعب في العالم أن يناضل ضد من يحاول أن يحتل بلده ويتوسع بها. ويقولون أن مشكلتهم مع هؤلاء الأسرى بأنهم قتلوا أبرياء ولذلك يجب أن يصفهم العربي بالمخربين، قتل الأبرياء مرفوض وهذا مفهوم ضمنًا، لا نؤيده ولن نؤيده، ولكن هل هذا قانون يسري على الجميع؟ هل كل من قتل بريئًا هو مخرب بنظر إسرائيل؟ حسنًا، من قتل أكثر أبرياء من أطفال ونساء وعجزة، الجيش الإسرائيلي أم الفلسطينيين الذين يواجهون الاحتلال؟ وأتحدث عن أرقام.

"التعاطف مع الأسرى كان شعورًا طبيعيًا وأي شعب مكان شعبنا كان سيتعاطف بهذا الشكل" هذا ما قالته الشابة الناشطة، وأضافت: "الشعور بالسعادة كان يمكن أن تراه على كل شخص تحدثه في البلدات العربية، لكن الحقيقة أن هذا لا يعني أن الناس كانوا على استعداد لاحتضان الأسرى ومساعدتهم، لأن هذا الأمر يعني مخالفة قانونية أمنية خطيرة، واعتقد أن معظم الناس يفضلون تجنب مثل هذا الأمر، واعتقد أيضًا أن الأسرى أنفسهم يعرفون هذا الأمر ولم يريدوا أن يثقلوا على الناس، وإلّا لدخلوا البلدات بشكل أكثر خلال الأيام التي كانوا بها خارج السجن، وهذا كان ممكنًا من الناحية التقنية، لكنهم لم يخاطروا.

انجاز كبير

"أكبر انجاز بما حصل، هو إعادة قضية الأسرى إلى مكانتها الطبيعية" يقول الناشط السياسي لؤي خطيب، ويتابع: "هذه القضية تم تغييبها لسنوات طويلة، لكنها تعود وتفتح الباب على مصراعية وتصبح قضية مركزية، عملية الهروب من الأسر والقاء القبض على هؤلاء المناضلين، صحيح كانت لدينا آمال بأن ينجحوا بالوصول إلى أماكن آمنة، إلا أن مجرد إعادة القضية إلى مكانتها هو أمر مهم جدًا، والتضامن الشعبي للفلسطينيين داخل الخط الأخضر كان في غاية الوضوح، رأيناه فيم واقع التواصل وفي كل مكان، شعبنا كان مستعد لحماية هؤلاء الأسرى، مثلًا في الناصرة، رأينا لافتات كتب عليها ((لو عرفنا أنكم وصلت الناصرة لفرشنا لكم الأرض بالورود))، لكن الأسرى نفسهم ربما خافوا أن يورطوا الناس معهم أو ترددوا أو حاولوا التخفي من التواجد المكثف لقوى الأمن الإسرائيلية".

ويؤكد خطيب أن الشعب الفلسطيني بأكمله رأى بهؤلاء الأسرى أبطالًا، ويقول : "شعبنا يبحث دائمًا عن الابطال، ورأى بهؤلاء الأسرى أبطال، هذا كنا نسمعه في كل مقهى وفي كل مكان، الشعور بالفرح والفخر كنا نراه على الجميع، والشعور بخيبة الأمل مع اعتقالهم رأيناه أيضًا، قليل هو عدد الأشخاص الذين من الممكن أن يشوا بهؤلاء الأسرى، ونسبة الأشخاص من هذه النوعية موجودة في كل شعب وليس بيننا فقط، بينما معظم الناس كانوا على استعداد لاحتضانهم أو على الأقل لتركهم بسلام، وذلك رغم محاولات الترهيب التي قامت بها الشرطة في قرية الناعورة والقرى التي اشتبهت بأن الأسرى مروا منها، ببساطة، اذا كانت إسرائيل تعتقد أن الفلسطينيين في الداخل لا يشكلوا حاضنة للأسرى، لماذا تنقلهم إلى المستشفيات بشكل متخفي؟ لأنها تعرف أنها في حال نقلتهم علنًا لأي مستشفى سيكون هنالك المئات أو الآلاف من فلسطينيي الداخل لدعمهم والتظاهر من أجلهم، كما حصل امام محكمة الناصرة.

واستبعد خطيب قيام إسرائيل بخطوات أكثر شدة، مثل التسبب بوفاة أحد الأسرى كونه سيصبح ايقونة وقد تشعل وفاته انتفاضة، أو اقتحام مخيم جنين مثلًا للبحث عن أحد الاسرى معللًا ذلك بوحدة الصف الفلسطينية التي حصلت في أعقاب هذا الحدث، وكيف استطاعت قضية الاسرى توحيد الفصائل كلها عليها في الخارج وتوحيد الأسرى انفسهم في الداخل".

تسويق رواية العربي الجيد

"العملية لم تعد قضية الأسرى إلى مركز الحدث فحسب، بل أعادت القضية الفلسطينية إلى مركز الحدث" يقول الناشط السياسي الشاب حسين مريسات: " اللهفة والتضامن العام مع الاسرى من قبل شعبنا في الداخل كانت مهيمنة على المشهد وهذا يؤكد العلاقة التاريخية والذهنية والعاطفية في الوعي واللاوعي بين أطراف الشعب الفلسطيني.

وانتقد مريسات طريقة عمل الاعلام الإسرائيلي بقوله: " الإعلام الإسرائيلي وبعد اقل من ربع ساعة من القبض على الاسرى (وحتى قبل التحقيق)، كان يصدر اخبار سخيفة حول تعاون ما يسميهن "عرب اسرائيل"، مع قوات الشاباك والشرطة بالقبض على الأسرى، وبرفض تقديمهم الطعام لهم... هذه الرواية هدفت لمداراة أجهزة الأمن بموضوع هروب الأسرى، ومداراة فشل الدولة منذ قيامها بسلخ عرب الداخل عن هويتهم الفلسطينية، ومحاولة زرع بذور الفتنه بين الشعب الواحد. حاول الإعلام الإسرائيلي بمثابرة تسويق رواية "العربي الجيد" المتعاون مع أجندات الحكومة وتوصيفه كأنه "بطل"، وكأن الطبيعي والبديهي ان يقف هذا العربي ضد حرية شعبه المشروعة ومع "دولته اليهودية" التي تقمعه وتقمع شعبه(يا للسخافة).

وأضاف: في النهاية، العملية النوعية الاخيرة للأسرى قرّبت العرب الفلسطينيين في الداخل من هويتهم الحقيقية، ومن التحامهم مع قضايا شعبهم. ومن جهة أخرى أكد الإعلام الإسرائيلي كما دومًا، انه جزء من منظومة عنصرية، تحريضيّة، يُضلل الرأي العام اليهودي، قبل العربي".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]