في السنوات الأخيرة، بدأ عيد الميلاد بتجاوز كونه عيدًا دينيًا للمسيحيين فقط في البلاد، فتحوّل شيئًا فشيئًا إلى عيد شعبي وجماهيري في البلاد، تحتفل فيه مناطق عديدة في المجتمع العربي وفئات سكانية مختلفة، وليس فقط المسيحيين. وهذا أمر بالإمكان رؤيته خلال التجول في البلدات العربية، في الشمال خصوصًا في هذه الفترة من السنة، من بداية شهر 12 وثم عيد الميلاد للطوائف التي تحتفل حسب التقويم الغربي يوم 25.12 حتى مساء الأمس، يوم 6.1 وهو تاريخ عيد الميلاد للطوائف المحتفلة وفق التقويم الشرقي.

ورغم أن الطوائف المسيحية تمثل أقلية دينية في البلاد، في الداخل وفي الضفة وغزة، بجانب الأكثرية المسلمة، فإن احتفالات الميلاد في البلاد، يبلغ حجمها ووهجها أكبر من احتفال ديني لأقلية داخل أقلية.

وبين فكرة أن السبب هو وطني بامتياز، وهي فكرة يروج ويتحدث عنها البعض مؤخرًا، كون المسيح ولد في هذه البلاد، وأن العالم كله يحتفل بميلاد شخص من الناصرة وولد في بيت لحم، هو أمر كبير وله دلالة هامة، وفكرة أن الاحتفالات بهذا العيد جميلة وعالمية وتجذب الناس بمختلف أديانهم، وفكرة أن هنالك تضامن وتكافل شعبي واجتماعي داخل المجتمع العربي، فيحتفل المسلمون مع المسيحيين في عيد الميلاد، ويشارك المسيحيون المسلمين في أجواء شهر رمضان، بين هذه الأفكار التي لا تنفي الواحدة منها الأخرى، وفكرة أن ثقافة الكريسمس ماركت تعتبر ثقافة حديثة في بلادنا، وصارت تقام في عدة بلدات، وعلى غرارها أيضًا تقام "ليالي رمضان" في بعض البلدات، يقول رئيس مجلس الطائفة الأرثوذكسية في الناصرة، المحامي بسيم عصفور والذي يترأس المجلس منذ عامين: "قبل عام 2010 كانت احتفالات الميلاد تقتصر على احتفال في قاعة الكنيسة وتبادل للتهاني، وفي ذلك العام تم نصب أكبر شجرة ميلاد في الشرق الأوسط، في ساحة البشارة بمدينة الناصرة ووقتها تخلل الأمر احتفالات كبيرة، وفقرات فنية وكريسمس ماركت هو الأول من نوعه في بلادنا آنذاك، وهذه ظاهرة موجودة في الغرب منذ سنوات، وشيئا فشيئا بتنا نشعر أن العيد تحول إلى عيد جماهيري وهو أمر مفرح، فتاريخيًا هذا العيد يعني بفرح بالأطفال وبالتجدد والميلاد والتفاؤل والسلام وحتى لو لم يكن الأمر ظاهرًا، لكن مثلا في الناصرة، في كل البيوت من كافة الطوائف كان بالإمكان رؤية بهجة الميلاد وليس المسيحيين فقط، فما يرمز له الميلاد من قيم محبة وتآخي وسلام هي أمور هامة بالنسبة لشعبنا، هذا بجانب رموز أخرى يحبها الأطفال بمختلف أديانهم مثل بابا نويل (سانتا كلوز).

ولم ينكر عصفور وجود الجانب الوطني والتاريخي الهام لهذا العيد، إذ قال: "هنالك جانب وطني تاريخي هام يحافظ على بقائنا ووجودنا ومجرد فكرة أن الناصرة هي مركز الحدث في عيد الميلاد، فالبشارة التي كانت في الناصرة هي بداية المسيحية، هذا يضيف للعيد الطابع الوطني ليحتفل فيه كل الناس بكل مكان وهذا أحد الأسباب لتزايد اهتمام الناس به مع رفع الوعي ومشاركة هذه الأفكار في وسائل التواصل الاجتماعي، ونأمل أن تبقى رسالة العيد تبقى في عقول وقلوب الناس، رسالة التسامح والمحبة والسلام والتآخي".

"أوروبا دون حاجة للطيران" هو مصطلح تردد كثيرًا في الاعلام العبري هذا العام وفي الأعوام الأخيرة، حول هذا يقول بسيم عصفور "صحيح، عشرات الآلاف زاروا الناصرة في هذه الفترة، من اليهود والعرب وذلك رغم اغلاق المطار والكورونا، والناصرة مستعدة دائمًا لاستقبال الزوار ونحن في مجلس الطائفة الأرثوذكسية ننسق مع بلدية الناصرة لتقديم أفضل خدمة ممكنة للزوار، وبلا شك شاركنا في مسيرة الميلاد يوم الجمعة 24.12 رغم أن طائفتنا تحتفل بالعيد في تاريخ 6.1 ولكن هذه هي مسيرة الناصرة، نشارك بها ونقيم مسيرة أخرى في عيدنا، تكون مصغرة وقصيرة".

بعض البلدات في الشمال، وحدت أعيادها، فتحتفل الطوائف الشرقية والغربية بعيد الميلاد وبعيد الفصح في نفس التواريخ، وهنالك مطالبات دائمة في الناصرة وبلدات أخرى لأن يتم توحيد الأعياد فيها، حول هذا الموضوع يقول عصفور "هذا الأمر مطروح بين الناس وأفهمه لكن مرتبط بالرئاسة الروحية للكنيسة وليس بنا، والمشكلة في الناصرة وبيت لحم والقدس، أن هذه المدن بالذات يصعب توحيد الأعياد فيها لأن فيها أعياد تخصها، وبالتالي يزورها حجاج من كل العالم، منهم من يصلوا في فترة الأعياد وفق التقويم الشرقي ومنهم من يأتوا في فترة الأعياد وفق التقويم الغربي، كلّ حسب الكنيسة التي يتبع لها، ولا يمكن أن يأتي السائح ويجد أن الكنيسة مغلقة أو لا تحتفل بالعيد، باعتقادي الحل يكون بتوحيد الأعياد في كل العالم، أي باتفاق بين رؤساء الكنائس الشرقية والغربية".

هذا العام، كان الدخول لاحتفالات الكريسمس ماركت في الناصرة مقابل دفع مبلغ، وهذا أثار استياء من قبل بعض الجهات، مثلًا الكريسمس ماركت الذي أقامته طائفة اللاتين الكاثوليك، كان الدخول إليه مقابل 40 شيكل للفرد، والذي أقامته طائفة الروم الأرثوذكس كان بمقابل 25 شيكل والذي تخلل برامجًا فنية أيَضًا إضافة للكشكات وبيع المأكولات والأغراض، يقول بسيم عصفور حول هذا "هنالك جانبين لهذا الأمر، الأول أن الشرطة وبسبب الكورونا وبسبب ما حصل في ميرون، تتعامل بحذر مع أعداد الناس، فحتى في إضاءة الشجرة التي شارك بها الآلاف، كانت للشرطة تحفظات، والسبب الثاني هو مادي، فنحن كجمعيات تأثرنا كثيرًا خلال أزمة الكورونا مثل كافة الجمعيات في البلاد، وهذه الاحتفالات مكلفة بشكل كبير، لذلك فإن جباية رسوم دخول ساهمت بتخفيف جزء من التكاليف، رغم أنها لم تغطها كلها ونحن نفهم المصاعب التي يواجهها الناس ولكن رسوم الدخول لم تكن كبيرة".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]