بداية أؤكد أنني أكتب هذه الرسالة إلى أهلي في الخليل وأنا أعتبر نفسي (خليليا) جسدا وروحا وقلبا وعاطفة، كيف لا وقد عشت في مدينتي الخليل أربع سنوات تنقلت فيها بين كل مساجدها وحاراتها، وزرت فيها المئات من البيوت وأكرمني الله تعالى بالأكل من طعامها الفوّاح بكرم الضيافة، وبالشرب من مائها وشايها وقهوتها التي كانت ولا تزال تحمل آثار بركة الأنبياء فيها والصديقين والشهداء والصالحين، ولا أبالغ إذا قلت إن ميلادي الأول كان في مدينتي أم الفحم، وأمّا ميلادي الثاني فكان في مدينتي الخليل، ففيها وجدت نفسي، وفيها عرفت من أنا، وفيها جددت العهد مع انتمائي الإسلامي العروبي الفلسطيني، وفيها ازداد حبي للغة العربية، وتعصبي لها، ولا أخفي ذلك.

وفي مدينتي الخليل عشت سنتي الأولى في حارة (أبو سنينة) وصليت في مسجدها، وتعرفت على أهلها، وأكلت من عنبها، وتجولت في ربوع حواكيرها وتلالها الخلابة. وفي مدينتي الخليل واصلت الصلاة في المسجد الإبراهيمي وجددت عهد الرباط ووشيجة القربى الإيمانية مع أنبياء الله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، فهم أنبيائي الذين أحمل رسالتهم الإسلامية التي توّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام الخاتمة. وفي مدينتي الخليل ثابرت على زيارة مكتبة دنديس التي بنيت من كتبها مكتبتي الخاصة في بيتي، وجزى الله خيرا أصحاب هذه المكتبة لأنها أحيت في داخلي الحب للفكر الإسلامي والفقه الإسلامي والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية والأدب العربي القديم والمعاصر.

وأخيرا وليس آخرا، في مدينتي الخليل عشت مرحلة سعيدة من أسعد مراحل عمري في كلية الشريعة فيها، وتلقيت فيها ما فتح الله تعالى عليّ فيها من علم وسلوك أساتذتها جزاهم الله تعالى كل خير. لكل ذلك أحب مدينتي الخليل، وأحب أهلي فيها بكل حمائلهم وحاراتهم وبيوتهم، وأحب لهم الخير كما أحب لنفسي وأحرص على كل أسرة وبيت فيهم كما أحرص على أسرتي وبيتي.

مدينتي الخليل قادتني برفق للتواصل المتين مع أمتي الإسلامية وعالمي العربي وشعبي الفلسطيني

وكيف لي أن أنسى أن مدينتي الخليل قادتني برفق للتواصل المتين مع أمتي الإسلامية وعالمي العربي وشعبي الفلسطيني، وزرعت في داخلي الرحمة الإسلامية الإنسانية بكل مسلم وعربي وفلسطيني، بل بكل إنسان في كل العالم تحت مظلة قول الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وكيف لي أن أنسى أن مدينتي الخليل ظلّت ترسم أمام ناظري مشهد الصفاء الخليلي والإخاء الخليلي والوفاء الخليلي والبركة الخليلية والهمة الخليلية والروحانية الخليلية. ثمّ عشت ثلاث سنوات أخرى في رحاب مسجد الحرس الذي كان قريبا من مبنى كلية الشريعة في مدينتي الخليل، وفي ذاك المسجد تعرفت على أهله الذين كانوا نموذجا حيّا لقول الله تعالى: (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى).

وها أنذا أكتب هذه الرسالة بمداد من الحزن والألم والهمّ، بعد أن عصفت فتنة عمياء في مدينتي الخليل بين أهلي من آل الجعبري وأهلي من آل عويوي، نعم كلاهما أهلي، وكل حمائل الخليل أهلي، وكل حمائل ضواحي مدينتي الخليل أهلي، وقلبي على الجميع كبارا وصغارا ورجالا ونساء، وها أنذا أختم رسالتي هذه بهذه الملاحظات القائمة على خطاب قلبي لكل قلوب أهلنا في مدينتي الخليل:

1- إعلموا يا أهلي في مدينتي الخليل أن الله تعالى قد شرفكم واختار لكم أن يكون المسجد الإبراهيمي أمانة في أعناقكم، وكلي يقين أنكم أهل لهذه الأمانة، ولا شكّ أنّ وحدة صفكم، وأنّ اعتصامكم بحبل الله تعالى المتين، وأن وأد هذه الفتنة العمياء، ووأد أية فتنة أخرى سيؤهلكم لحفظ هذه الأمانة إلى أن يشاء الله تعالى.
 

إعلموا يا أهلي في مدينتي الخليل أن الله تعالى قد أكرمكم بطيب أرضكم 

2- إعلموا يا أهلي في مدينتي الخليل أن الله تعالى قد أكرمكم بطيب أرضكم، وطيب سواقيها، وطيب عنبها، وطيب سائر فواكهها وخضرها. وفوق ذلك أكرمكم بجامعة الخليل التي باتت أمانة في أعناقكم، والتي باتت صرحا علميا سامقا يصنع من أجيالنا مستقبلا كريما واعدا لكل شعبنا الفلسطيني، فما أثقل هذه الأمانة، وكم نحن مطالبون بحفظها وحملها ونقلها من جيل إلى جيل كالمحجة البيضاء.

3- إعلموا يا أهلي في مدينتي الخليل أن الله تعالى قد أكرمكم بصفوة من رجال إصلاح ذات البين منذ عقود وعقود، وباتت الخليل منبعا دافقا يفشي السلام والأمن والأمان والصفح والتسامح في مسيرة كل أسرة وكل بيت وكل جارين وكل حارة وكل بلدة في مسيرة شعبنا الفلسطيني، وأصبح رجال الإصلاح هؤلاء أساتذة الإصلاح في كل الأرض، فيا أساتذة الإصلاح في مدينتي الخليل، توكلوا على الله تعالى، وسارعوا لعقد راية الصلح والوفق والوفاق بين أهلنا من آلـ الجعبري وآلـ العويوي، فأنتم الحكماء الذين يدركون قيمة قول الحكيم: داو جرحك قبل أن يتسع، ولا تيأسوا لو فشلتم في المرة الأولى والثانية والثالثة، أو أكثر من ذلك، فأهلي في الخليل أهل صدور طاهرة وقلوب سليمة، كانت ولا تزال تجنح إلى السلم فيما بينها، حتى لو عصفت بها وساوس شيطانية، أو وساوس نفس أمارة بالسوء.

4- أنا وعشرات الآلاف من شعبنا الفلسطيني لا يزالون يتمنون على السلطة الفلسطينية أن تأخذ دورها الراشد والصافي في إرساء السلم الأهلي في مدينتي الخليل، لأن السلطة الفلسطينية بيدها سيادة الحاكم وسلطان الحاكم المُطالب بإرساء السلم الأهلي في كل حدود سيادته وسلطانه، وما أعظم أن تجتمع جهود أساتذة الإصلاح في مدينتي الخليل مع جهود السلطة الفلسطينية طمعا بمرضاة الله تعالى أولا، ثم إعادة السكينة والطمأنية إلى كل بيت وشارع وحارة في مدينتي الخليل.
 

يا أهلي في مدينتي الخليل، كنتم ولا زلتم تضربون المثل الأعلى لكل حر وحرة

5- يا أهلي في مدينتي الخليل، كنتم ولا زلتم تضربون المثل الأعلى لكل حر وحرة في كل الأرض في صمودكم في أرضكم وبيوتكم ومقدساتكم، وها أنتم الآن في موقف نتمنى فيه عليكم أن تضربوا المثل السامي في عفوكم وتآخيكم بعد نزغة شيطان وهوى نفوس.

6- يا أهلي في مدينتي الخليل، تذكروا قول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم).

7- يا أهلي في مدينتي الخليل، تذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]