اتسعت رقعة التنافس والتباهي والتفاخر بالأضاحي بين فئات المجتمع المغربي، وصار التسابق سمة تطبع مناسبة عيد الأضحى؛ وهو ما أفقد المناسبة الدينية الغاية والمقصد منها، لتتحول رويدا رويدا من شعيرة دينية إلى عادة اجتماعية.

نقاش متجدد في أوساط المجتمع المغربي بخصوص شراء خروف العيد من قبل من لهم الاستطاعة وجواز ترك هذه الشعيرة والسنة بالنسبة للفقراء والمساكين.

تكلف وتنافس
يونس كركري، إطار بالموارد البشرية، قال إن المغاربة يقدسون “عيد اللحم” إلى درجة الهوس ويضعونه في مرتبة الفرض، مشيرا إلى فئات تكابد شظف العيش للتقرب إلى الله وإدخال الفرحة والبهجة والسرور على قلوب الأطفال والصغار وفئة أخرى تختار السفر لقضاء عطلة العيد بفندق مصنف إلى درجة أضحى هذا التوجه يعرف رواجا كبيرا وسط أفراد المجتمع المغربي.


ويرى المدافعون عن سنة الأضحية، وفق المتحدث ذاته، أن التوجه الأخير يعد خروجا عن مقصد الشريعة بالنسبة إلى الذين يملكون الإمكانات المادية، خاصة أن المجتمع طالما نظر إلى الدين كرافد من روافده الرئيسية التي تشكل فسيفساءه.

وأضاف كركري أن مناسبة “العيد الكبير” هذه السنة تحل في ظروف استثنائية موسومة بموجة غلاء في الأسعار طالت غالبية المنتجات واللوازم؛ بدءا من النعناع إلى الشواية والمجمر، وصولا إلى كبش الأضحية الذي صار الحصول عليه في بعض المدن كمن يبحث عن إبرة وسط كومة قش بسبب المضاربات، إلا أن ذلك لم يثن المواطنين من سلك مختلف السبل للظفر بـ”حولي بكرونو” رافعين شعار “منو نخلاق”.

وأورد الإطار ذاته: “إن مظاهر العيد الكبير اليوم تغيرت بالمقارنة مع سنوات خلت، وصارت غاية الحصول على كبش مليح وسمين المقصد الأهم وعادة اجتماعية موسومة بالتباهي والتكلف”.

بين العبادة والعادة
محسن اليرماني، باحث في علم مقارنة الأديان، قال لهسبريس إن الله تعالى شرع لعباده ألوانا من العبادات والطاعات التي يتقربون بها إليه، مبرزا أن ذبح الأضحية في عيد الأضحى المبارك يعد لونا من ألوان الطاعات والعبادات المتعددة في الإسلام، مصداقا لقوله الله تعالى: ” لكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة”.

أضاف الباحث ذاته أن المعنى المستشف من هذه الآية الكريمة أن كل أمة من الأمم التي بعث الله تعالى فيها الأنبياء عليهم السلام جعل لها ذبائح تتقرب بها إلى الله، لقوله عز وجل: “ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام”.

وأوضح المتحدث نفسه أن المقاصد المتوخاة من ذبح أضحية العيد من جملتها “تحقيق المعنى الحقيقي للتوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة، وشكره على ما أنعم به على عباده من النعم، وذكر الله تعالى، فأيام العيد هي أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، وإدخال السرور والسعادة على الأطفال وتحقيق التضامن والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع”.

وتابع محسن اليرماني مستدركا: “بيد أن تلك المقاصد السامية بدأت تتلاشى وتتراجع في أيامنا، فالكثير من الناس تغيب عن أذهانهم المقاصد الروحية والتعبدية والتربوية والاجتماعية التي تتحقق من خلال شراء أضحية العيد وذبحها، واستفحلت جرائم العنف والسرقة والاحتيال في شراء وبيع الأضحية، والتفكك الأسري والمشاكل بين الزوجين وحصول الطلاق بسبب الاختلاف حول شراء أضحية العيد”.

وأشار الباحث المتخصص في علم مقارنة الأديان إلى أن من الأمور التي تفقد تلك الشعيرة بريقها ورونقها وسموها في تزكية النفس بالإيمان وتقوى الله تعالى مظاهر التفاخر والتباهي؛ وهو ما يولد آفات اجتماعية خطيرة، من أهمها تغذية الأحقاد بين طبقات المجتمع المختلفة.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]