نشرت قناة الشرق السعودية، تقريرا صحفيا حول موقف رئيسة الحكومة البريطانية من القضية الفلسطينية.

وجاء في التقرير المنشور يوم الأربعاء، لا يبدو أن الأمر كان مجرد دعاية انتخابية رافقت حملة ترشح رئيسة الوزراء الجديدة ليز ترَاس لرئاسة حزب المحافظين والحكومة البريطانية، لتعود الأخيرة مجدداً وتؤكد نواياها بنقل سفارة بلادها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.


بهذه الخطوة، تحذو ترَاس حذو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي كان أول زعيم يخرج عن الإجماع الدولي بشأن تقاسم القدس نحو تطبيق حل الدولتين وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 

ترَس كشفت أن نقل السفارة "محط دراسة" فعلاً من قبل الحكومة، وأنها زفت الخبر لنظيرها الإسرائيلي يائير لابيد عندما التقته في لندن أخيراً.

القرار الذي تحدثت عنه رئيسة الوزراء البريطانية، لم يجرؤ على تنفيذه أي من زعماء المحافظين من قبل، رغم أنهم كانوا يتسابقون إلى خطب ود تل أبيب وساستها. فالجميع يعرف أن الخطوة تنطوي على تداعيات سلبية كثيرة، خصوصاً أن بريطانيا تحمل وزر "وعد بلفور" الذي يعتبر أصل المشكلة.

"صهيونية كبيرة"

في كلمة ألقتها خلال حفل أقيم الأحد، لمجموعة تُدعى "أصدقاء إسرائيل المحافظون"، وهي مجموعة برلمانية تابعة لحزب المحافظين البريطاني (خلال المؤتمر السنوي للحزب في برمنجهام)، جددت رئيسة الوزراء البريطانية التأكيد دعمها لإسرائيل.

وقالت ترَس: "أنا صهيونية كبيرة. أنا داعمة شديدة لإسرائيل. وأعلم أننا نستطيع تقوية العلاقات البريطانية الإسرائيلية".

وعدُ ترَس بدراسة نقل السفارة، أثار غضب الفلسطينيين في المملكة المتحدة، واستدعى الحديث مجدداً عن كل الضرر الذي لحق بإعلان الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالمية الأولى ودعمها لتأسيس وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين.

وبحسب مسؤولين في الحكومة البريطانية، صرحوا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تدرك ترَس خطورة الأمر، ولكنها ماضية في دراسته من دون أن تحدد موعداً لإعلان نتائج دراستها.

مخاوف داخلية

أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة أكسفورد" ومؤلف كتاب "الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي"، آفي شلايم، يقول إن "نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس سيكون أمراً لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً ومشكوك فيه قانونياً ومضر سياسياً".

واعتبر شلايم أن "هذه الخطوة، إن تمت ستكون بمثابة واحدة من أقوى الضربات البريطانية لمشروع الدولة الفلسطينية منذ وعد بلفور"، لافتاً إلى أنها "ستشجع إسرائيل على مواصلة العنصرية وغطرسة القوة ضد الفلسطينيين". 


وفي مقالة نشرها أخيراً في موقع "MEE"، يلفت شلايم إلى أن إسرائيل وأصدقاءها في بريطانيا سيرحبون بنقل السفارة رغم إضراره بمكانة المملكة المتحدة.

ونوه إلى أن هذا الدعم "غير الطبيعي" لإسرائيل، يذكر بما فعله رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عام 2021، عندما عارض تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في احتمالات ارتكاب الإسرائيليين لجرائم حرب في الأراضي المحتلة. 

وكتب دونالد ماكنتاير مؤلف كتاب "غزة: الاستعداد للفجر"، أن دور بريطانيا التاريخي في منطقة الشرق الأوسط، وعضويتها الدائمة بمجلس الأمن، يفرضان عليها التزاماً بالسعي الحثيث لتحقيق العدالة للفلسطينيين الذين يلقون باللوم على وعد بلفور في مأساتهم المستمرة منذ عقود.

ونوه ماكنتاير في مقالة نشرتها صحيفة "ذا جارديان"، إلى أن نقل السفارة البريطانية بعد الأميركية، "يدفن فكرة تقاسم القدس بين إسرائيل وفلسطين، ويشجع اليمين الإسرائيلي على توسيع رقعة المستوطنات".

ويأمل ماكنتاير أن يكون إعلان ترَس بمثابة "دعاية انتخابية" تستخدمها اليوم لدعم لابيد في انتخابات الكنيست المقبلة، كما استعملتها خلال منافستها على زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية مؤخراً.

وشدد على أن الضرر الذي طال بريطانيا عبر هذا الإعلان، لن يزول إلا بتصريحات بريطانية رسمية، تؤكد أن هذا الأمر لن يتحقق أبداً في الظروف الحالية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

صمت المعارضة 

في المقابل، وبعيداً عن المفكرين والصحف، لم يصدر أي موقف واضح من البرلمان أو المعارضة السياسية لموقف ترَس.

وعادة ما تلتزم الأحزاب البريطانية الصمت عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. وحتى حزب العمال الذي عرف دائماً بمواقفه المؤيدة للفلسطينيين لم يخرج ببيان رسمي يعترض فيه على نوايا نقل السفارة.

وعلى الرغم من أن وزير خارجية حكومة الظل ديفيد لومي، جدد خلال المؤتمر السنوي للحزب قبل أيام دعم "العمال" لحل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل، إلا أنه لم يتطرق إلى إعلان رئيسة الوزراء وتداعياته. 

وربما يكون "العمال" ترك مهمة انتقاد رئيسة الوزراء، لسفير فلسطين في بريطانيا حسام زملط، الذي تحدث أمام المؤتمر السنوي لأكبر أحزاب المعارضة وقال عبر تويتر، إن "مراجعة موقع السفارة البريطانية في إسرائيل يعد انتهاكاً للقانون الدولي".


ودعا السفير الفلسطيني لدى لندن حزب العمال إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، طالما أن الحزب يؤيد حل الدولتين، ويراه الحل الوحيد للصراع الأقدم في الشرق الأوسط. 

وثمة رسالة اعتراض وجهتها النائبة العمالية ناز شاه بشأن نقل السفارة البريطانية في إسرائيل إلى القدس. لكن الباحث في الشأن البريطاني رياض مطر يعتقد أن حزب العمال لن يٌكثر الحديث عن الأمر خشية عودة أزمة "معاداة السامية" إلى صفوفه، إذ بذل زعيم الحزب كير ستارمر طوال عامين ونصف العام، جهوداً كبيراً لتجاوز الأزمة التي رافقت مرحلة الرئيس السابق جيرمي كوربين، وتخللتها معارك داخلية وانقسامات بين القيادات والأعضاء.  

وفي حديث مع "الشرق" يوضح مطر، أن هناك وثائقاً مرتبطة بمرحلة كوربين خرجت أخيراً، وأظهرت مدى فاعلية "أصدقاء إسرائيل" في الضغط على "العمال".

وبالتالي، قد لا يظهر الحزب موقفاً واضحاً حيال نوايا نقل السفارة، إلا إذا تحولت دراسة ترَس إلى قرار رسمي. فحينها فقط يتطلب الأمر موقفا واضحاً. ولكن، هل سترفض الأحزاب، أو يعطل البرلمان نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس؟ 

الاقتداء بترامب  


من وجهة نظر الخبير في العلاقات البريطانية الشرق أوسطية جون ماكهوجو، فإن ترَس تبدي "تطرفاً" في تأييدها لإسرائيل كجزء من الدعاية السياسية التي احتاجتها لخوض سباق زعامة حزب المحافظين قبل بضعة أشهر، وستحتاجها خلال الانتخابات العامة المقبلة في عام 2024.

وقال ماكهوجو لقناة "الشرق"، إن رئيسة الوزراء البريطانية تعرف تداعيات نقل السفارة داخلياً وخارجياً. ورغم ذلك لا توجد أي ضمانات بعدم مضيها نحو هذه الخطوة، ومخالفة نهج سارت عليه بريطانيا لعقود عدة في هذا الشأن. 

وأوضح ماجهوجو أن الاقتداء بترامب في نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، لن يقود حتى إلى تعزيز العلاقات البريطانية الأميركية. فإدارة البيت الأبيض لا تؤيد ما فعله ترامب عام 2018، رغم أنها لم تتراجع عنه بعدما وصل جو بايدن إلى السلطة مطلع 2021.

وأشار إلى أن الرئيس بايدن لا يفضل الضغط على الفلسطينيين بذات الطريقة التي مارسها سلفه، وإنما يشجع الحوار بينهم وبين الإسرائيليين. وهذا ما بدا واضحاً من خلال إشادته بخطاب لابيد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً. 

وبحسب المؤرخ البريطاني، ربما تظن رئيسة الوزراء أن نقل السفارة بات ممكناً بعد "استقلال" المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.


وربما أيضاً يكون الهدف منه الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين بريطانيا وإسرائيل إلى مستويات مميزة اقتصادياً وسياسياً.

ولكن الخطوة ستحمل آثاراً سلبية على مكانة بريطانيا عالمياً، وسيشار بالبنان إلى مدى التزام لندن بالقرارات الدولية الصادرة بشأن حل صراع ممتد على مدار عقود طويلة، ويوجه اللوم في جذوره إلى "وعد بلفور" في عام 1917.

"بين وعدين"

الحكومات البريطانية المتعاقبة، تمسكت بموقف واحد من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ عقود طويلة، يتلخص بتأييد حل الدولتين وفق القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية.

وانتقدت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي في 2018، قرار ترامب بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. رغم أنها كانت من الزعماء المحافظين المؤيدين بشدة لإسرائيل، وقد وصفتها ذات يوم بـ"البلد المثير للإعجاب، فهي تنطوي على ديمقراطية مزدهرة، ونموذج للتسامح، ومحرك للتجارة والأعمال، ومثال يقتدى به في أنحاء العالم".

والواقع، أن التمسك بحل الدولتين لم يمنع بريطانيا من دعم إسرائيل. وما بين وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ووعد ترَس بدراسة نقل سفارة بلادها إلى القدس، سجل طويل للزعماء المحافظين في تأييد تل أبيب، بدءاً من ونستون تشرشل الذي وقع "الكتاب الأبيض" لدعم إسرائيل عندما كان وزيرا للمستعمرات في عام 1922، مروراً بأنطوني إيدن الذي شارك تل أبيب في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم مارجريت تاتشر التي كانت أول رئيس حكومة بريطانية يزور إسرائيل، وكانت عضواً مؤسساً لـ"أصدقاء إسرائيل" في حزب المحافظين.

وفي الألفية الثالثة، عرفت بريطانيا 3 رؤساء حكومات من المحافظين قبل ترَس. وجميعهم كانوا مؤيدين بشدة لإسرائيل. أولهم ديفيد كاميرون الذي قاد الحكومة بين 2010 و2016، ووصل التعاون العسكري والاستخباري بين بريطانيا وإسرائيل أثناء ولايته إلى ذروة غير مسبوقة، كما أنه تجاهل تصويتاً برلمانياً يطالب بالاعتراف بدولة فلسطين.

ثم جاءت تيريزا ماي التي تبنت المفاهيم الجديدة لمعاداة السامية عام 2018، وحاربت حملات مقاطعة إسرائيل في بريطانيا. تلاها بوريس جونسون الذي أعلن من تل أبيب في عام 2015، وكان عمدة لندن حينها، أن وعد بلفور "إنجاز عظيم" للمملكة المتحدة.

وعندما تولى الحكومة في عام 2019، انتقد جونسون محاولات المحكمة الجنائية الدولية إجراء تحقيقات بشأن جرائم حرب محتملة ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]