احتفت مدينة الطيبة بذكرى القائد والمناضل الأستاذ شاكر قاسم جبارة (أبو عمار)، بأمسيةٍ أقيمت في بلدية الطيبة، بحضور الأصدقاء، ورفاق الدرب، وطلابه وعائلته. حيث أعلنت عائلته التبرع بمنحة دراسية على اسمه على مدى عشر سنوات في جامعة فلسطين التقنية - خضوري.
وبدئ الحفل بآيات من الذكر الحكيم تبعها النشيد الوطني الفلسطيني فالفاتحة على شهداء الوطن. وتولى عرافة الأمسية المربي والشاعر حسين جبارة، لتكون الكلمة الأولى لرئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركة والأخيرة لرئيس حزب التجمع سامي أبو شحادة. وصل بينهما كلمات الأصدقاء ورفاق درب النضال، المناضلة ايمان عودة، المحامي شحدة بين بري، المناضل حسن جبارين، الشاعر عبد الناصر صالح، د ضرار عليان، وعن العائلة عضو البلدية المازة جبارة. رافق الكلمات عزف عود وأغان للفنان عادل مسيس.
أشاد المشاركون في الأمسية بدور المرحوم القيادي والنضالي منوهين بأهمية إحياء ذكراه كتقليد سنوي وتخليد سيرته، كما تمنوا ان تسير الحركة الوطنية على نهجه وتقديم العمل الوطني الجماعي على حساب الانتماءات الحزبية أو الحركية، وبث روح التطوع التي سادت في كل مراحل حياته.
"حملَ الشمسَ سراجًا فأضاءَ دروبَ الأحرار" هذا البيت الأول من القصيدة التي كتبها عريف الحفل الأستاذ حسين جبارة، الذي آثر أن يربط بين المتحدثين بأبيات شعرية يرثي بها صديقه. رحب رئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركة بالحضور، خاصة بالأخوة من الضفة الغربية الذين أتو ليقدموا واجب الوفاء لأخ ومناضل عزيز، وأضاف" أتقدم بواجب العزاء من عائلة الفقيد شاكر قاسم جبارة الذي رحل عنا وترك فراغا وبصمة. أبو عمار كان مربيا متفانيا أحبه تلاميذه وكان صديقا لهم، لم يكن مناضل صالونات ونوافذ عالية انما كان مناضلا ميدانيا ومثقفا عضويا، أذكر له دوره الطلائعي في يوم الأرض عام 76، حيث كان في ساحات النضال الى جانب أبناء شعبه من الصغار والكبار، وكان شهيد يوم الأرض ابن مخيم طولكرم الذي كان على مسافة لا تذكر منه عند استشهاده على أرض الطيبة، ونذكر له كيف حمى قرار لجنة الدفاع عن الأراضي بالإضراب، حين حاول أغلبية رؤساء المجالس إلغاء هذا الاضراب، عمد راحلنا هذا القرار بالعمل اليومي بين الناس لينجح هذا الاضراب الذي كان يوما مشهودا من أجل البقاء والهوية".
كانت كلمة مؤثرة لأحد طلابه المحامي شحده بن بري الذي تحدث وهو منفعل جدا عن استاذه قائلا "الأستاذ شاكر بدأ مسيرته في النقب وأنتم لا تدرون ما كان في النقب في الستينيات، لقد كانت مدرستنا بعيدة عن التجمعات البدوية، تبعد 3 كم تقريبا، الأستاذ شاكر كان ينام هو ورفاقه في المدرسة دون ماء أو كهرباء أو مجتمع، كنا كطلاب نأخذ الماء والغذاء للأساتذة بشكل دوري. كانت مهنة التعليم في النقب عملا بطوليا، هم كانوا بمثابة انبياء، لم يقم بوظيفته وحسب وإنما جميع أيضاً كبار الدرس وتطوع لمحو أميتهم. هم لم يعلمونا فقط بل بذروا أولى بذور الحركة الوطنية في النقب أو ما يوازي حركة الأرض."
ثم تحدث رفيق دربه حسن جبارين قائلا" كم نفتقدك يا صديقي ونفتقد القياديين مثلك، نحن بحاجة لأمثالك لحرارة وصلابة موقفك. فتحت بيتك للحراك الوطني وسخرت كل ما هو خاص للعام. طبعت المناشير وبخطك الجميل كتبت الشعارات وحضرت وجبات طعام للمتظاهرين من خارج الطيبة. أتذكر عندما كنت تصطحب ابنتك الصغيرة لتخفف من وحدة الأطفال اللبنانيين الجرحى الذين كانوا في المستشفيات الإسرائيلية، الذين أصيبوا جراء الحرب على لبنان. لم تقم بالمهمة بنفسك فقط وإنما أوكلتها لطفلتك الوحيدة آنذاك.
أشار بروفسير مصطفي كبها بدوره الريادي في تأسيس حركة النهضة واستمرارها، ودوره الأساسي في حراك يوم الأرض في الطيبة، وأكد انه مارس الوطنية الحقة على أصولها في الجمع بين شقي البرتقالة.
وبنثر أشبه يشعر رثاه صديقه الشاعر عبد الناصر صالح "ليتك تعرف الآن يا صديقي ما تركت من أثرٍ في ذاكرة الشجر والنبع والسهول ومرافئ المجد، وفي ضمائر الذين عرفوك والتصقوا بك.
وبين ياسر عرفات أن الشهيد شاكر جبارة " أبو عمار" هو القائد برتبة مناضل ربط بحبلٌ سرّي من الوفاء والمودّة وكلمة شرف لا يعرفها إلّا الشهداء وفرسان النار في مواقع الاشتباك وسجون الاحتلال. كلمة شرف تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل..
كم آثرْتَ الآخرين على نفسك راضياً مرضياً، بل إنك نسيت نفسك في غمرة البحث عن الصدارة والمواقع المتقدّمة، فأنت أكبر منها جميعاً.
الحلم طوع يمينك والأمنيات الباقيات.. ونمارق العشب الأثير في حواري القدس. يا أبا عمار، أيها السائر بخطى واثقة نحو أهدافك ومقاصدك، أيها الخجول، البريء، الطيّب، التلقائي، المتمرّد، العفوي، الكريم، عزيز النفس.
بيتك الكريم أيها الشهم كان محطة استراحة المناضلين ومحطة انطلاقتهم، فأنت الوحدَويّ فكرةً وروحاً وموقفاً."
تشهد لك المخيمات وأبناؤها وأنت تسدّد من مالك الخاص مبالغ الغرامات التي فرضها الاحتلال على الأسرى إبان الانتفاضة.. أعطيت ما في جيبك للفقراء وأسر الشهداء والأسرى، وزوّدتهم بالمواد التموينية، وتكفّلتَ بتعليم عدد من أبنائهم في المدارس والجامعات الفلسطينية.

ثم أكدت على كلام عبد الناصر السيدة إيمان عودة وأضافت "كان دوره أساسيا في التنسيق مع قيادة الانتفاضة الأولى في المنطقة، فكان مع رفاق دربة في حركة النهضة وغيرها يجمع المساعدات العينية والمواد التموينية ويدخلها الى محافظة طولكرم ليتم توزيعها على العائلات المتضررة والمستورة في الانتفاضة. وأضافت "كان زوجي المرحوم منير العبوشي أحد قادة الانتفاضة الأولى تربطه علاقة وطنية وعلى تواصل دائم مع الاخوة في حركة النهضة، ومنهم الأخ المرحوم شاكر جبارة. وعندما كان منير مطلوبا لقوات الاحتلال، وبناء على الثقة العالية بين الرجلين كان منير ينتقل من منطقة الصعبيات بوابة الراس ويلاقيه أبو عمار من جهة الطيبة ليستضيفه في بيته ليأخذ منير قسطا من الراحة من شدة ملاحقة الاحتلال، فكان يذهب بين فترة وأخرى الي بيت شاكر جبارة البيت الدافئ والامن صاحب الجود والكرم".


واشاد د. ضرار عليان بدور الراحل في الانتفاضة الأولى قائلا "في الانتفاضة الأولى كان لك ولإخوانك الدور الوطني البارز في تقديم الدعم وحافلات المعونات لشعبك الصامد في الضفة وفي المخيمات. كان بيتك لنا ملاذا عندما طوردنا فبتنا في بيتك وفي حمايتك وفي دفئك أياما عديده تقدم لنا الطعام والشراب وكل ما نحتاج، كل ذلك لحبك للمقاومة وفلسطين. كنت لا تبخل على أي مناضل وتقوم بطباعة كل بيانات الانتفاضة علاوة على الدعم المادي والبيانات الوطنية والألبسة وكل ما يلزم لتفاخر بهذا الشعب الوطني المكافح من اجل الحرية والاستقلال. وأضاف "عرفتك وانا في مقتبل العمر وكان عمري ثمانية عشر عاما، التقيتك عديد المرات وفي كل المناسبات الوطنية في الجامعات وفي بيوت الأسرى وفي المهرجانات الوطنية. كنت تأتي تبث فيها العزيمة والامل وتحدثنا عن كل ما عانيتموه ابان الحكم العسكري وتروي لنا حكايات الصمود وقصص التضحية والفداء".
بينما أكد عضو الكنيست السابق سامي أبو شحادة أهمية دور الفقيد كطلائعي في الحركة الوطنية قائلا "أستطيع أن أقف اليوم على المنصة بفضل المناضلين المخلصين من أمثال أبي عمار. هم لم يعملوا (بالرفاهية) التي نحظى بها اليوم. في ذلك الحين كتابة منشور كان سببا كافيا للسجن أما تنظيم مظاهرة أو أي نشاط كان تصادر بسببه حريات. طرق التحقيق كانت مختلفة، خلع الأظافر اثناء التحقيق كانت ظاهرة معروفة. معنى ان تكون من الرعيل الأول لأبناء الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، أثناء الحكم عسكري، عنف غير انساني من السلطة وثمن غال جدًا تدفعه لإيمانك بالفكرة. أبو عمار كان مربيا ودفع الثمن. حمل دور المثقف العضوي المنخرط في قضايا وهموم شعبه. كان له ورفاقه دور في عملية بناء الذاكرة الجماعية كسياج لهويتنا، مقابل عمليات المحو المستمرة من الدولة. أهمية الندوات والمحاضرات والفعاليات التراثية، المظاهرات، مخيمات العمل التطوعي، ونقل المعرفة من جيل الى جيل، هذا لم يكن بالأمر السهل حينها. وقد قام بدوره على أكمل وجه.
ومنتدبة عن العائلة قالت ألمازة جبارة، عضو بلدية الطيبة " لم يستند ابو عمار لمرجعيات نسوية لكنه كان ثوريا في مفاهيمه التي تبني فيها خطاب المساواة والعدالة الاجتماعية للمرأة، إذا كان الراحل على قناعة بأن النضال من منظار جندري بناءٌ اجتماعي لتحرير مجتمعي، ولا يمكن الفصل بين السياسي والاجتماعي.. للنساء دور في الحيز العام والخاص ولسن مهمشات، النضال والنقاش العام في مجتمعنا العربي ليس مقتصرا على نقاشات بين الرجال". تكريسا وتطبيق لنهجه في منح الفرص للنساء أعلنت جبارة عن قرار العائلة التبرع بمنحة دراسية على مدى عشر سنوات لصالح طالبة في جامعة فلسطين التقنية خضوري.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]