المحامي إبراهيم شعبان
درج الكيان الإسرائيلي على استخدام سلاح الإبعاد غير القانوني وغير الشرعي تجاه الفلسطينيين الصامدين على أرض وطنهم منذ احتلالهم للضفة والقطاع عام 1967. وليس جديدا إبعاد المناضل صلاح الحموري عن أرض القدس الشريف، فقد سبقه مئات المبعدين عن أرض فلسطين. وتراوح استعمال هذا السلاح اللاإنساني المشابه لحكم الإعدام شدة وضعفا بحسب الأحداث والأوضاع التي تسود فلسطين. ونحن نتحدث هنا عن الإبعاد وليس عن الطرد الجماعي لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذي تم عامي 1948 و 1967 وإن تلاقيا هدفا. وكانت السلطة الإسرائيلية وما زالت تستند إلى أوامر عسكرية هي : أنظمة الطوارىء لعام 1945 ( م 112 )، وإلى الأمر العسكري رقم 329 في الضفة الغربية، و290 في قطاع غزة.
في بداية حقبة الإحتلال العسكري الإسرائيلي وصل الإبعاد المشابه للإعدام، ذرى عالية شملت مسيحيين ومسلمين على حد سواء، من رؤساء بلديات وأعضاء مجلس بلدي وقضاة شرع ونقباء وأطباء ومدرسين ومحامين وصحافيين. ويضيق هذا المقال عن ذكر أسماء المبعدين الفلسطينيين. وما لبثت أن خفت حدة هذه الموجة إلى أن بلغت إبعاد مرج الزهور في مرحلة ما قبل أوسلو. ثم عادت هذه الموجة إلى الضعف لأسباب خارجة عن إرادتها. إلا أنها لم تلغ من قاموس سياسة الإحتلال. وما زالت تستعملها السلطة الإسرائيلية على نطاق محلي واسع بين المسجد الأقصى والقدس والضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث لا تثير المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، فهي تختار ما يناسبها من أسلحة لضرب المقاومة وفق أوضاع المجتمع الدولي.
فقد امتنعت الدول العربية ومنها الدولة الأردنية عن قبول المزيد من المبعدين سواء عن طريق الجسور أو وادي عربة والسير في الصحراء لبضعة كيلومترات، بعد أن أدركت خطورة هذا السلاح الإسرائيلي تجاه المقاومة الفلسطينية . وهكذا فعلت لبنان بعد موجة مرج الزهور وقبله في حاصبيا، ومصر فعلت نفس الشيء بشأن مواطني قطاع غزة. وكذلك فقد أدى قيام السلطة الفلسطينية إلى تخفيف سياسة الإبعاد وإن لم ينهها. فقد تم إبعاد عددا من الفلسطينيين في قضية كنيسة المهد ولم يعودوا لأرض الوطن حتى هذه اللحظة. وتم إبعاد عشرات من المحررين في صفقة شاليط إلى قطاع غزة والخارج.
ولو كانت السلطة الإسرائيلية سواء أكانت مدنية أو عسكرية تبعد تاجر مخدرات أو ممنوعات اجنبي، أو قوّاد نساء إسرائيلي يسوق لاحتراف البغاء والدعارة، أو تاجر رقيق أبيض أو اسود أمريكي أو أوروبي، لما احتججنا على ذلك التصرف الإسرائيلي، بل رحبنا به، فضلا عن أنه يدخل في إطار القانون الداخلي. لكنها تبعد قيادات فلسطينية من وطنها للمجهول لأسباب غير إنسانية بل غير قانونية لمجرد معارضتهم لاحتلالها، وهذا أمر يندرج ضمن القانون الدولي الإنساني وتحديدا قانون الإحتلال الحربي الواجب احترامه إسرائيليا. ولو كانت هذه الإحتجاجات الفلسطينية تقع طائلة القانون الجزائي، أو غيره من القوانين، لقدّم المحتجون الفلسطينيون للمحاكمة، لكنها احتجاجات مشروعة، فاسقط من يد الإحتلال العسكري الإسرائيلي أية إمكانية محاكمة ولو قراقوشية عسكرية، فلجأت بالتالي لسيفها البتار القاضي بالإبعاد، المقر سلفا مما يسمى بمحكمتها العليا.
الكيان الإسرائيلي كما بينا مرارا وتكرارا، لا يعترف بالقانون الدولي ولا يحترمه ولا يطبق أحكامه، إذا كان يعارض سياسته أو مصلحته، بينما يقف على بابه إذا تعلقت المصلحة الإسرائيلية به، كما حدث في ترسيمه الخطوط البحرية للمنطقة الإقتصادية الخالصة مع قبرص واليونان ولبنان.
فلذلك الكيان الإسرائيلي رغم إقراره باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 كجزءٍ من القانون الدولي العرفي، يرفض التفسير الفقهي والقضائي الدولي الذي يقرر حظر الإبعاد واعتباره من أخطر الخروقات للقانون الدولي وأكثرها وحشية. فمحاكمات نورمبورغ سنة 1946 قبل سن اتفاقية جنيف الرابعة في عام 1949، اعتبرت الإبعاد سياسة مدانة وجريمة حرب وضد الإنسانية، بل إن بعض منفذيها عوقبوا بالإعدام.
وإذا كانت إتفاقية لاهاي الرابعة قد حظرت الإبعاد بشكل ضمني، فقد جاءت إتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وحظرته بشكل صريح وقاطع حينما قررت بألفاظ لا تقبل الجدل في المادة 49 منها حين نصت على أن " النقل الإجباري الفردي أو الجماعي وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من أراضٍ محتلة إلى أراضي دولة الإحتلال أو أراضي أية دولة أخرى محتلة أو غير محتلة محظور بغض النظر عن دواعيه ". أفبعد هذا الوضوح والجزم يمكن أن يجادل في عدم جواز الإبعاد. لكن محكمة العدل العليا الإسرائيلية التي رضع قضاتها حليب الصهيونية جادلت وأجازت في النهاية الإبعاد الإسرائيلي للفلسطينيين بحجج وذرائع سخيفة رغم أن حظره مطلق كما ورد بالنص. ولم تنصت هذه المحكمة ولا قضاتها، لغاية هذا النص وهدفه الذي كان بالأساس لحظر الإبعاد النازي لليهود في الحرب العالمية الثانية، بل تآمروا عليه.
وإذا كان القانون الدولي الإنساني يحظر الإبعاد للقابعين تحت الإحتلال، فالقانون الدولي لحقوق الإنسان وبخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاقي الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1966، والدساتير المحلية تحظر إبعاد المواطن عن دياره، فهي أولى به من الغريب. أي أن هناك إجماعا قانونيا على حظر الإبعاد على كل الصعد.
ولعل الأمر الذي يثير الغثيان ما زعمته أياليت شاكيد وزيرة الداخلية اللإسرائيلية بأن المناضل المبعد صلاح الحموري قد أخل بالولاء للكيان الإسرائيلي. فهذه الساقطة بالإنتخابات الأخيرة، والتي اتخذت قرار إبعاد صلاح عن قدسه ووطنه، تجهل جهلا مطبقا بأن الإنسان المحتل لا يقدم الولاء لدولة الإحتلال ولا يعترف به فهو ليس بمواطن إسرائيلي. ولنا في سابقة مشابهة وهي إبعاد الدكتور اللاعنفي مبارك عوض خير دليل على ما نقول.
بدأ الإبعاد كوسيلة سياسية قمعية للمقاومة الفلسطينية بكل اشكالها، ولإرهاب المواطنين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ورغم استعماله بكثافة منذ زمن طويل، فقد اعترف الإسرائيليون بما فيهم رابين بفشله في كبح المقاومة الفلسطينية، ورغم ذلك أبقاه الإسرائيليون كسلاح بتار في جعبتهم كبقية الأسلحة الأخرى كهدم المنازل والتعذيب والإعتقال الإداري والمؤبدات المتراكمة، وما علموا بأن للحّرية الحمراء بابٌ بكلِ يدٍ مضرجةٍ ُيدقُ!!!







 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]