يواصل المغرب إجراءاته الرامية إلى الحد من ظاهرة الهدر المدرسي، واضعا ضمن أهدافه الكبرى لقطاع التعليم، تقليص عدد الأطفال الذين يغادرون فصول الدراسة، لأسباب اجتماعية أو عائلية، دون إتمام مسارهم التعليمي.

وحسب أرقام رسمية، فقد مكنت الإجراءات التي باشرتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، من إعادة 120 ألف تلميذة وتلميذ إلى الفصول الدراسية، بالمستويات التعليمية الثلاثة، 42 في المئة منهم إناث، خلال الموسم الدراسي الجاري.

أسباب مجتمعية

مصطفى جلال أستاذ التعليم الابتدائي بمجموعة مدارس أولاد هماد مديرية تارودانت، المجاورة لمدينة أكادير جنوبي المغرب، يُدرس أطفالا ينتمون إلى شريحة عُمْر حساسة، في منطقة قروية.

واعتبر مصطفى جلال، أستاذ التعليم الابتدائي بمدارس أولاد هماد في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الهدر المدرسي يُعتبر من الظواهر التي تعيق تطور العملية التعليمية التعلُّمية، وهي ظاهرة تختلف أسبابها بين ما هو ثقافي واجتماعي واقتصادي، ورغم مجموعة من التدخلات سواء من طرف الوزارة الوصية أو المجتمع المدني أو الأطر التربوية للحد من هذه الظاهرة إلا أنها لازالت متفشية خصوصا في الوسط القروي، لا سيما في صفوف الفتيات.

وأرجع ذلك لأمية الآباء من جهة، وخوفهم من تعرض بناتهم للتحرش الجنسي، خصوصا وأن أغلب الثانويات الإعدادية في القرى تتواجد بأماكن بعيدة عن مقر سكناهم. ما يجعل مسألة إقناع الآباء بتعليم بناتهم شبه مستحيلة.

ومن وجهة نظره، أكد المعلم الذي حصل على جائزة المدرس العالمي لسنة 2021، أنه عاين خلال عملية تتبع مدى متابعة تلامذته لدراستهم بعد انتقالهم من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية، أن الوزارة الوصية تبذل جهودا كبيرة، من بينها تقديم الدعم المادي المباشر، والمتمثل في برنامج تيسير الذي يستهدف الأسر المعوزة التي يدرس أبناؤها بالتعليمين الابتدائي والإعدادي، بهدف الحد من ظاهرة الهدر المدرسي.

دور المجتمع المدني

بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف الحكومة، يبقى دور المجتمع المدني بتنسيق مع المجالس المنتخبة، ذا أهمية بالغة. وتسعى عدد من الجمعيات المغربية جاهدة لإيقاف النزيف، عن طريق تقديم حلول واقعية، لدعم التعليم في القرى.

عمر مجان، رئيس جمعية "سمنيد" للتنمية الاجتماعية، وعضو بالجمعية الإقليمية لدعم التعليم بأزيلال (وسط)، كشف أن حوالي 279 ألف طفل مغربي يغادرون المدرسة سنويا، بسبب الفشل الدراسي في صفوف العديد من الأطفال خصوصا بالمناطق الجبلية، حيث تنعدم المؤسسات الإعدادية أو تكون بعيدة.

وأضاف في حديث لـ "سكاي نيوز عربية"، أن غياب أنشطة موازية محفزة للتلاميذ وافتقار بعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية للإمكانيات والبنيات الكافية لاستقبال التلاميذ الوافدين من المناطق الجبلية خاصة التلميذات، مما ينعكس سلبا على رغبتهم في استكمال الدراسة.

لهذه الأسباب، أضاف مجان، تسعى جمعية "سنميد" عبر تأسيس "مركز الاستقبال العائلي للتميز" لتقليص نسبة الهدر المدرسي بالمنطقة، خصوصا في صفوف الفتيات اليتيمات أو اللواتي يعشن ظروفا اجتماعية صعبة والمتفوقات في الدراسة. وذلك بضمان فضاء للاستقبال تتوفر فيه الشروط الضرورية التعليم الجيد. كما يوفر المركز ذاته، بفضل الأعضاء المتطوعين، مواكبة خاصة للمستفيدات في شقها التربوي والاجتماعي والصحي. وتتكفل الجمعية لوحدها حاليا، بحوالي 30 فتاة، خلال الموسم الدراسي الحالي، وبلغ العدد 45 طفلة خلال الموسم الماضي.

حلول واقعية

من أجل وضع حد لظاهرة الهدر المدرسي، دعا عبد العزيز رشدي، باحث بالمركز المغربي للتنمية الفكرية إلى تفعيل أدوار المؤسسة التعليمية، عن طريق ضبط الغياب وانقطاع التلاميذ وتنويع وإغناء الموارد المالية والتمويلية لتنمية قطاع التعليم وتفعيل الهياكل اللامركزية مثل مجالس التدبير والفعاليات المحيطة بالمدرسة، والإدارة التربوية نفسها، ووضع خطة لتنظيم الدعم التربوي، وتوسيع قاعدة المستفيدين من القاعات المتعددة الوسائط، وتكثيف محاربة الأمية والتركيز على الوظيفية منها، والعمل على تشجيع الشراكة في مجال النقل المدرسي.

ودعا رشدي في ورقة بحثية، إلى تكثيف الحملات التوعوية وتقديم الدعم المادي والتربوي والاجتماعي، ومنها أساسا تحسين جودة الخدمات المدرسية، وتوسيع شبكات المطاعم المدرسية والداخليات وتعميمها في مختلف المناطق القروية وتجهيزها وترميمها والعناية بها.

كما أبرز دور تعبئة وانخراط كل الفاعلين من حكومة ومجتمع مدني، وفاعلين محليين وجهويين، من أجل إرساء خطة استراتيجية شاملة تستهدف التدخل لتحديد المناطق والجماعات الأكثر حاجة واستعجالية والتي تعرف نسبة كبيرة في الهدر المدرسي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]