بدأت القصة مع بضعة نساء التقين عبر موقع “yahoo” قبل عدة سنوات من أجل دعم بعضهن البعض ومشاركة بعضهن تجاربهن المتشابهة وربما مخاوفهن، إلى أن تمكنت ثماني منهن من حضور لقاء مشترك جمعهنّ وجها لوجه. ومع اللقاءات المتكرّرة، قررن إنشاء جمعيّة "أصوات" عام 2001 التي ستكون بعد ذلك الجمعية الأولى للنساء الفلسطينيّات المثليات في إسرائيل.

"صرّحت عن كوني مثليّة، أو كما يقال أخرجت من الخزانة، دون قصد"، تقول روضة مرقص، وهي مؤسّسة جمعيّة أصوات. "كان ذلك ضمن إحدى المقالات التي كتبتها مراسلة صحفيّة إسرائيلية كانت تعمل على تغطية مؤتمر شاركت به، فتحدّثت في مقالتها عن الشعر الذي أكتبه، معنوِنة إياها ’روضة مرقص المثليّة’". وما أن نشر التقرير حتى وجدت مرقص نفسها خارج سلك التعليم، فأقصيت من منصبها كمعلمة للغة الإنجليزيّة في مدينة الرملة واضطرت للعودة إلى بلدتها كفر ياسيف والسكن في بيت أهلها، وصارت حقيقة كونها مثليّة معروفة لدى العامة والخاصة من أهل قريتها.

مضايقات 

تقول مرقص إن العائلة تقبلتها كما هي ولم تتغير مشاعر أفرادها تجاهها، إلا أنها تعرضت في البداية للمضايقات من قبل سكان القرية، بدأت بالاعتداء المتكرّر على سيارتها ولكن، تضيف مرقص، مع كل المضايقات، ثمة العديد من الأشخاص الذين دعموها دون شروط ودون تردد، مثل ميكانيكي السيارات وهو صديق العائلة ، وكان يصلح سيارتها بدون مقابل في كل مرة يتم الاعتداء عليها. "ما كنت لأغيّر مجرى الأحداث حتى لو كان هذا ممكنًا، لأن بعد ذلك جعلني هذا العداء ومن ثم الالتفاف حولي من قبل أبناء القرية، أكثر قربًا للعائلة وللناس". تعترف مرقص بأن أهلها، في محاولة لمساعدة ابنتهم بتفادي التنمر، اقترحوا عليها بأن تنكر ما نبأ عن تلك المراسلة، أن تنكر أنها مثلية، ولكن مرقص رفضت وكان ردها بأن انكارها لهويتها الجنسية هو مثل انكارها لهويتها الفلسطينية، ومن مِنّا بامكانه انكار هويته الفلسطينية؟

علاوة على هجوم المجتمع الفلسطيني على ابناء مجتمعهم المثليين، تقوم اسرائيل أيضاً بنشر الـ"بروباغاندا" عن كونها دولة متقبلة لأفرادها المثليين، كما وتحاول وصم الفلسطينيين بالتخلف، وتقول بأنهم يرفضون تقبّل المثليين، ولذلك اسرائيل هي التي سوف توفر مساحة آمنه لجميع السكان المثليين لكونها ديموقراطية. هذه الـ"بروباغاندا" هي ما يُعرف بالـ"غسيل الوردي".

وهو مصطلح معناه، بحسب تعريف ويكيبيديا، "وصف مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التسويقية والسياسية التي تهدف إلى ترويج المنتجات أو سياسات البلدان أو الأشخاص أو الكيانات من خلال إظهار مساندة مثليي الجنس، بهدف تسويق صورة تقدمية وحداثية متسامحة تعترف بحقوق الأقليات المضطهدة".

فلسطينية

تضيف روضة مرقص إنها لم تشعر بأن مثليتها هي أمر منفصل عن كونها فلسطينيه ولم تشعر بتهديد لانتمائها للوطن بالرغم من مجتمعنا الذي قد يكون أحياناً عنيف تجاه الأشخاص المثليين. عن هذه الثنائية يكتب جول الياس في منصة متراس أنه "عند استدخال هذه الثنائية؛ الفلسطيني "المتخلّف" في مقابل الإسرائيلي "المتقدّم" و"المنقذ"، في المجتمع الفلسطيني، فإنّ المسارين المُمكنين في هذه الحالة يُصبحان: إما الأسرلة والهروب من الذات الفلسطينيّة "العنيفة"، أو إعادة إنتاج المباني الذكوريّة العنيفة المذكورة سابقاً، وهو ما يبقينا في حلقة مفرغة. هكذا تنشأ ردّة فعل، تتمثّل في شعور الفلسطينيين الذين يعيشون توجّهاتٍ جنسيّة وجندريّة مختلفة، بالعزلة والاغتراب عن مجتمعهم الفلسطيني. هنا بالتحديد تتجلّى سياسات الغسيل الورديّ حين يكوّن الفلسطينيون الكويريون، أي الفلسطينيون المثليون، مشاعر اغتراب تخلق ردّة فعل عكسيّة، تؤدي لكره مجتمعاتهم. ضمن هذا كلّه، تتغيّر العلاقة ما بين الفلسطينيّ الكويري و"إسرائيل"، ويجري عليها تحوير واضح، من كون الأخيرة استعمار يُمارس عنفاً، إلى كونها مُنقذاً للضحيّة من مجتمعها الفلسطيني".

وعلى هذا النبض تقول "نور" أن العديد من الفلسطينيون المثليون والفلسطينيات المثليات يلجأون للعيش في المدن اليهودية لكي يتمكنوا من العيش على حقيقتهم دون أن يحتاجوا لإخفاء هويتهم الجنسية. ونتيجة لذلك، رغم ايمان بعضهم بالقضية الفلسطينية إلا أنهم لا يتحدثون بهذا الموضوع بالعلن، خوفا من خسارتهم للامتيازات من قِبَل الشعب اليهودي التي يتحلى بها هؤلاء الذين ينكرون هويتهم الفلسطينية. من ضمن هذه الامتيازات، تقول نور، هي تكوين علاقات حميمة مع اشخاص من المجتمع اليهودي، بحيث يصعب (وأحياناً يستحيل) عليهم تكوين علاقات مشابهة مع اشخاص من ضمن مجتمعهم. بالرغم من ذلك، وضحت نور أنه يستحيل عليها انكار هويتها الفلسطينية إذ أنها كانت داعمة للقضية الفلسطينية منذ الصغر، وبالنسبة لها "قد انكر ميولي الجنسية لمدة حياتي ولكن من المستحيل أن انكر هويتي الفلسطينية".

مقاطعة 

تم مقاطعة نور من قبل عائلتها لمدة 4 سنوات بسبب ميولها الجنسية، ولكن كان الفراق صعب على افراد العائلة فاستقبلوها مجدداً رغم عدم قبولهم لكونها مثليه. تقول نور أنه من ضمن الصراعات الداخلية التي واجهتها حين ادركت هويتها الجنسية هي الخوف من المصير الذي قد تواجهه بحال اكتشفوا أهلها سرها، كانت خائفة أن يقوموا بقتلها، كما يحدث للعديد من الاشخاص التابعين لهذه الفئة من المجتمع، وخصوصاً أن نور تابعة لعائلة متحفظة دينياً. بالإضافة الى ذلك، كان هنالك القلق من نظرة المجتمع اليها والقلق من خسارة الأصدقاء والمقربين لها. لذلك حاولت أن تكبت ميولها الجنسية من أجل تفادي هذا المصير، ولكن دون جدوى. هذه الصراعات مر بها ويمر بها أغلب افراد هذه الفئة من مجتمعنا، ولكن ليس جميعهم بامكانم التغلب عليها فيلجئون لانهاء حياتهم بأنفسهم. أما نور، فهي بدأت علاجات نفسية من أجل علاج الاكتئاب الذي حلّ بها بسبب هذه الصراعات. الآن نور تقول بأنها لم تكن لتغير أي شيء بنفسها حتى لو استطاعت.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]