كشفت دراسة جديدة بأن أشجار الفاكهة التي تنمو في المناطق الريفية يمكن استخدامها كمصدر غني بالمواد الغذائية للسكان. فكيف يمكن لشجرة المندلينا في حديقتكم أن تساهم في مكافحة مشكلة الأمن الغذائي العالمي؟

عندما شقت حديقة الطعام في سياتيل طريقها منذ أكثر من عقد من الزمن، لم يكن المشروع أكثر من حلم جنوني لأربعة طلاب جامعيين. في عام 2012 تم غرس أولى أشجار الفاكهة بعد مفاوضات طويلة مع البلدية - واليوم تغطي الحديقة مساحة تقارب العشرة دونمات، وتحتوي على أشجار الكرز والتفاح والإجاص وعشرات شجيرات الطماطم وأصناف من الفول وحديقة توابل – وكلها متاحة للجمهور. بالإضافة إلى تجربة الملامسة المباشرة للأشجار، توفر هذه الغابة غذاءً حقيقيًا; وخلال عام 2020، تم حصاد حوالي 1600 كيلوغرام من المنتجات الزراعية هناك، وتم التبرع بحوالي 100 كيلوغرام لبنوك الطعام.

سياتل هي ليست الوحيدة في هذا المشروع: فقد بدأت العديد من المدن في العالم، مثل شيكاغو، ومدريد، وشنغهاي في الصين، في زراعة الأشجار والشجيرات الصالحة للأكل في السنوات الأخيرة - على نطاق واسع أو ضيّق- وذلك كجزء من حركة متنامية للزراعة غير التجارية. تسلط دراسة إسرائيلية جديدة الضوء لأول مرة على المورد الطبيعي الذي نميل إلى التقليل من أهميته: أشجار الفاكهة والنباتات الصالحة للأكل التي تنمو في ساحات المنازل والأماكن العامة في جميع أنحاء البلاد، وتكشف أن لهذه الأشجار القدرة على تقليل كمية مشترياتنا من محلات الخضار والفاكهة.

في بلادنا أيضاً هناك حدائق مشابهة، تم إنشاء أول حديقة سنة 2011 في كدرون، من بعدها أنشئت حدائق أخرى في عدة أماكن، مثل تل أبيب وأشدود. مع ذلك، وبحسب أقوال د. أورن شيلف، (الباحث في قسم الموارد الطبيعية في معهد علوم الطبيعة في معهد فالكاني) بشكل عام تنظر السلطات لأشجار الفاكهة كمصدر إزعاج، فهي تتساقط وتتعفن وتلوث الأماكن العامة، أو قد تسبب صراعات وتوترات بين السكان الذين يرغبون في قطفها، ويضيف، "إذا نمت شجرة بالقرب من منزلي، وأقوم بقطفها وأكلها – لن يؤثر ذلك على الناتج القومي الإجمالي للدولة ولن يتم تسجيلها في أي مكان، لكنها تعطيني قيمة غذائية كبيرة"، فهذه الأشجار هي مورد طبيعي له صلة كبيرة بحياتنا."

ليست هناك حاجة لشراء البرتقال


في الدراسة الجديدة التي شملت قرابة 800 مواطن، قام طاقم البحث برصد لكافة الأشجار التي تؤكل ثمارها في كيبوتس هعوجن، تلك الموجودة في أماكن يسهل الوصول اليها أو المزروعة في ساحات المنازل، والتي وصل عددها الى حوالي 2000 شجرة فاكهة، 60% منها (بما في ذلك الأشجار المزروعة في ساحات المنازل) لا تحدها أسوار، وإمكانية الوصول اليها سهلة.

يقول د. شيلف "هدفنا كان معرفة إذا كانت الأشجار المثمرة تشكل مصدرًا هامًا للطعام، أم أنها بغير ذات قيمة. من أجل ذلك قام الباحثون بعمل تقييم لمحصول الأشجار الصالحة للأكل في الكيبوتس بحسب عدة فئات: أشجار الحمضيات، الجوزيات، الزيتون، الفواكه شبه الاستوائية مثل الجوافة، الأشجار المتساقطة مثل التفاح والرمان. وقد قورنت النتائج مع معطيات دائرة الإحصاء المركزية فيما يخص معدل استهلاك الفواكه والخضراوات لكافة المواطنين.

بحسب نتائج البحث، فإن الإمكانيات الغذائية الكامنة في أشجار الفاكهة بالفئات المختلفة لا يمكن تجاهلها. على سبيل المثال، إذا تم تقسيم غلة أشجار الفاكهة بالتساوي بين سكان الكيبوتس - فسيكون من الممكن توفير حوالي 80 في المائة من متوسط استهلاك الجوز، وحوالي 115 في المائة من استهلاك الحمضيات وحوالي 150 في المائة من استهلاك الفاكهة شبه الاستوائية. هذا يعني أنه في مثل هذه الحالة، لن يضطر السكان إلى شراء برتقالة واحدة أو جوافة على مدار العام.

تجدر الإشارة إلى أن المعلومات التي تم جمعها في الدراسة ركزت بالفعل على المناطق الريفية، ولكن بحسب شيلف، فإن نتائج البحث لا تقتصر على هذه المناطق فقطط ويقول "من الممكن تطبيقه على المدن واستخدامه في المستقبل كأداة للتخطيط المدني". "في الدراسة، قمنا بتقسيم البلدات إلى ثلاثة: المناطق السكنية - التي تختلف عن المناطق السكنية في المدن، المناطق العامة التي توازي الحدائق العامة في المدن، والمناطق التجارية التي تتشابه بطبيعتها مع تلك التي في المدن".

ماذا لو كانت الأراضي غير كافية

أجري البحث الجديد في إطار الجهود التي تُبذل حاليًا حول العالم للتعامل مع مشكلة الأمن الغذائي والتي تهدد بإتلاف أطباقنا. وصل عدد سكان العالم مؤخرًا إلى 8 مليارات نسمة، ووفقًا لشيلف، سيؤدي هذا النمو إلى الإلغاء التدريجي للمناطق المعدّة للأغراض السكنية، وفي نفس الوقت ستزداد الحاجة إلى استخدام الأراضي للأغراض الزراعية. وبالتالي، قد نجد أنفسنا قريبًا في وضع لا تستطيع فيه الأرض تلبية متطلباتنا الغذائية ومتطلباتنا المعيشية والحياتية.

طرحت قضية الأمن الغذائي في للنقاش العام سنة 2020، على خلفية تفشي وباء كورونا. كانت هشاشة عملية النقل الدولي للأغذية التي نستهلكها واضحة مع كل زيارة للسوبر ماركت. في تلك الأيام، اتجه الكثير من الناس حول العالم إلى زراعة الطعام للاستخدام الشخصي، من أجل ضمان وجود إمدادات مستمرة من الغذاء لقوتهم اليومي، بدون علاقة بوجود البضائع على رفوف الحوانيت.

مؤخرًا، تم الإبلاغ أيضًا عن نقص في احتياطيات الغذاء الوطنية للطوارئ: لم يتم تحديث كمية القمح والأعلاف الاحتياطية منذ السبعينيات، عندما كان عدد سكان إسرائيل حوالي 3-4 مليون نسمة - أقل من نصف سكانها اليوم. هذا يعني أنه في حالة الطوارئ الشديدة التي تتطلب فتح المستودعات، فإن المخزون الحالي من علف الماشية سوف يكفي لمدة أسبوعين فقط.

اعتبار الأشجار كنزًا

يقول شيلف: "مع مرور الوقت، سيتعين علينا زراعة طعامنا بشكل مستدام، أعتقد أن التركيز سوف يتحول إلى زراعة الغذاء في محيطنا."وهكذا، في كانون الثاني (يناير) من السنة الماضية، أخذت الحكومة قرارًا بشأن مشروع للتظليل الطبيعي واسع النطاق، سيتم في إطاره زراعة ما يقارب 450 ألف شجرة في مئة مدينة وقرية في إسرائيل بحلول عام 2040. وبحسب شيلف، هذه فرصة لصناع القرار للانضمام إلى التوجه العالمي وزراعة الأشجار الصالحة للأكل في الأماكن العامة. يقول: "يوجد في أوروبا العديد من أشجار الفاكهة في الأماكن العامة، لأن البلديات اتخذت قرارًا بالنظر إليها على أنها ميزة إيجابية وليست مصدر إزعاج". "هنا أيضًا، يمكنك اتخاذ مثل هذا القرار، وبدلاً من زراعة المزيد من أشجار الزينة – يمكن زراعة طرقًا من الجوز أو أشجار الحمضيات."

يقول شيلف، "إن زراعة الفاكهة والخضروات لا تتطلب بالضرورة مساحات زراعية واسعة، ولا تخطيطًا واسع النطاق إنما يتطلب تدخلًا ودعمًا من السلطات. ويضيف "هناك محاصيل، مثل شجيرات الطماطم أو الأعشاب التي تنمو في الأصص، يمكن أيضًا زراعتها على شرفات المنازل باستثمارات منخفضة نسبيًا"، "الفواكه والخضراوات هي الأطعمة التي نستهلكها للحصول على الفيتامينات والعناصر الغذائية الأخرى منها - والتي يتم التعبير عنها بالجودة وليس الكمية." ووفقا له، حتى كمية صغيرة من الطماطم أو البرتقال من الشجرة الموجودة في الحديقة لها أهمية غذائية كبيرة. ويختتم بالقول: "ناهيك عن القيمة المضافة لهذه العملية فإننا نتناول غذاءً طازجًا، نوثق صلتنا بالطبيعة ونعرّض أطفالنا لزراعة الغذاء وتقدير قيمة الطبيعة منذ الصغر".

أعدت المقال زاڤيت - وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية لعلوم البيئة والبيئة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]