أظهرت الفيديوهات التي وصلت مساء أمس من مخيم جنين، مشهد نزوح لعشرات العائلات، يحملون أطفالهم وأغراضهم، مشهد وصفه عدد كبير من المتابعين في صفحات التواصل، كتكرار لمشهد نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، خصوصًا وأن الذين يظهرون فيه، سكان المخيم، هم أحفاد الفلسطينيين الذين تهجروا من قراهم في 1948.

"ليس صحيحًا أن قوات الاحتلال أجبرتنا بشكل مباشر على الخروج، لكن تدمير الشوارع وقطع الكهرباء والماء، وإطلاق النار المتواصل والصواريخ، كل هذه الظروف، التي تسببت بها قوات الاحتلال، أجبرت الناس على الخروج من بيوتهم، للنجاة بحياتهم وحياة أطفالهم ومرضاهم" يقول الناطق بلسان القوى الوطنية والإسلامية في مخيم جنين، الناشط مراد طوالبة، ويضيف: "لقد كنت من آخر الذين خرجوا من المخيم، حرفيًا الوضع لا يسمح ببقاء الناس في بيوتهم، بعض الأشخاص كانوا يحملون آباءهم وأمهاتهم على ظهورهم، مشهد بلا شك يذكر بالصور التي رأيناها من النكبة ويذكرنا أيضًا باجتياح المخيم في عام 2002، حيث أن هذا العدوان هو الأكبر منذ الاجتياح".

أكثر من 500 عائلة تم تهجيرها من المخيم، مما يعني آلاف الناس، خرجوا إلى مناطق محيطة وإلى مدينة جنين وإلى القرى المجاورة حيث استقبلهم الأهالي هناك.

إحدى العائلات (عائلة أبو سرية)، وخلال خروجها من المخيم، فقدت آثار طفليها، حيث حصل اطلاق نار كثيف أثناء الخروج من المخيم، مما أجبر أفراد العائلة على الافتراق، تقول خالة الطفلين اللواتي فقدت آثارهما: "أثناء سير العائلة، جرى إطلاق الرصاص في محيط المنطقة التي كانت تتواجد فيها، الأمر الذي سبب الذعر لها، فتفرقت العائلة، الابن والطفلة عن الأم والجدة، لكن أحد المواطنين قام بنقل الطفلين إلى أحد بيوت الأقارب في الحارة الشرقية، دون علم العائلة، لتبدأ رحلة البحث عنهما، حتى باستخدام المناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليلتم شمل العائلة بعد ساعتين ونصف الساعة".

احتجاز في غرفة

عائلة أخرى، عائلة أبو جوهر، تم الاستيلاء على منزلها من قبل الجيش الإسرائيلي فور اقتحامه لمخيم لاستخدامه كنقطة، واحتجاز أفراد العائلة داخل إلى الغرف لساعات طويلة، قبل أن يتم تركهم يخرجون باستثناء اثنين منهم".

اجتياح مخيم جنين هذه المرة، لم يكن أكبر من الاجتياحات السابقة فحسب، بل شمل أعمال تدمير ممنهجة، حيث وبشكل كامل، مسحت الجرافات العسكرية معالم ساحة مخيم جنين، وهي المنطقة المفتوحة الأوسع والأهم في المخيم وفيها تجري كافة فعالياته كبيوت العزاء والأفراح وتجمعات الناس. كما ودمرت المدرعات والجرافات الإسرائيلية البنية التحتية فيها، واقتلعت أعمدة الكهرباء، وفاضت كميات كبيرة من المياه بالشارع بعد تجريف الشبكات الأرضية الواصلة إلى بيوت المخيم.

طوالبة يؤكد أن ما حصل لم يكن مفاجئًا وأن أهل المخيم، والمقاومين بشكل خاص، توقعوا هذا الاجتياح الكبير، ويضيف: "هدف هذا العدوان في غاية الوضوح، الحكومة الإسرائيلية تريد إيصال رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي أنها مسيطرة وتقتل وتنتقم، حتى أن بعض المحللين الإسرائيليين اعترفوا بذلك، أنا أؤكد أن كل الذين استشهدوا كانوا من المدنيين، وليس من الشبان المقاومين، وأكاذيب الاحتلال لا يصدقها أحد، يقولون أنهم قبضوا على 300 عبوة ناسفة، من يسمع يظن أنها قنابل يدوية، بينما في الحقيقة هي عبوات يدوية صغيرة يستطيع طفل تصنيعها، وكل الأعراف الدولية والقوانين الإنسانية تضمن حق شعبنا بالنضال والدفاع عن نفسه".

"إسرائيل تفعل هذا كل مرة، في غزة وفي الضفة، تضرب المواطنين العزّل وتنكل بهم، تستقوي على الضعفاء، لتضغط على المقاومين من جهة ولتظهر لشعبها ولإعلامها أنها قوية ومسيطرة".

وحول وضعية النازحين الذين خرجوا من المخيم: "شعبنا يثبت مرة تلو الأخرى أنه مليء بالخير، الناس من مدينة جنين ومن القرى المجاورة هرعوا لمساعدة اهل المخيم واستقبالهم، الأزمات تخلق هذا التراحم بين الناس، مخيم جنين سطر اسطورة في البطولة والنضال من جهة وفي تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني من جهة أخرى. والوضع في المخيم سيء جدًا، بيوت مهدمة وشوارع مدمرة، وإسرائيل تلجأ للقصف لعدم قدرتها على مواجهة المقاومين بشكل مباشر داخل المخيم، ولكن حتى هذا لن يهزم مخيم جنين الذي صمد لأسابيع عام 2002، ووقتها قال موفاز أن هذه آخر معركة في المخيم، بعدما هدمه عن بكرة أبيه، الآن يأتي شبان، كانوا رضع أو لم يولدوا بعد في 2002، ويتصدون لهذا الاحتلال".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]