عندما يتم الحديث عن أزمة السكن في إسرائيل، يتم الطرق عادة على أسعار الشقق المرتفعة، على الإسكان العام، وعلى الإيجارات، وربما على نقص معين في عدد الشقق في منطقة المركز، ولكن بالمجمل، العائق الوحيد أمام كل إسرائيلي بأن يسكن حيثما يريد، هو الجانب المادي. مرة أخرى، كل إسرائيلي، هذا لأن كلمة إسرائيلي لا تشمل العرب الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، فهؤلاء، هنالك عوائق أخرى تمنع سكنهم حيثما يريدون، بالإضافة إلى الجانب المادي، منها لجان القبول مثلًا، التي تتواجد حاليًا في حوالي 600 بلدة وتسعى الحكومة إلى توسيع القانون الخاص بها، حيث يسري حتى الآن على البلدات التي يبلغ عدد العائلات فيها حتى 400 عائلة، والهدف من القانون الجديد ان يسري القانون على البلدات التي يصل عدد سكانها على 1000 عائلة.

واحدة من أبرز حالات عدم قبول لجان القبول لمواطن عربي، كانت قضية عائلة قعدان، في عام 2000، والتي على اثرها تم اصدار قرار المحكمة المشهور، بساك دين قعدان، حيث ألزمت المحكمة وقتها لجنة بلدة كتسير بقبولهم كسكان في البلدة "الحقيقة أنه لم يكن لديهم أي سبب لرفضي وقتها، لكنهم رفضوني، لم يكن هنالك أي أسئلة تتعلق بكوني عربي أو لا، كلها كانت تتعلق بوضعي الاقتصادي وامكانياتي ونوعية عملي وهل سيكون باستطاعة تحمل تكلفة اشتراك أولادي في الدورات ما بعد الظهر، ومثل هذه الأسئلة حيث كانت تسكن البلدية نوعية معينة من العائلات وأردوا عائلات تشبههم، ورغم أن إجاباتي كانت إيجابية، تم رفضي، وقد انصفتني المحكمة، لكني أعتقد أن الأمور اليوم باتت مختلفة، اليوم التطرف تضاعف، واحتمالية عدم قبول العرب صارت أكبر، والمحاكم في إسرائيل باتت أضعف".

تقبلوا وجودي 

"بعد قرار المحكمة وسكني في كتسير، كانت الحياة طبيعية، تقبلوا وجودي، غالبًا لأنهم يعرفونني من خلال عملي كممرض، وتعاونت بشكل كبير مع أهل البلد وساعدتهم ضمن مجال عملي، ولكن الحقيقة أننا لم نندمج مع اهل البلدة في كل شيء، أولادي أكملوا تعليمهم في حيفا ومدارس في بلدات أخرى، لدرجة أننا في مرحلة معينة تركنا المنزل وقمنا بتأجيره وانتقلنا للعيش في منطقة أخرى بسبب تعليم الأولاد، أي أن كتسير كانت بالنسبة لنا شيء يشبه الفندق، للسكن، والأمر اختلف طبعًا بعد خروجي إلى التقاعد".

قعدان واجه لجنة قبول، لم تقبله، فأنصفته المحكمة، وتم بعد ذلك سن قانون لجان القبول، اليوم هنالك حديث عن توسيع لجان القبول ليشمل المزيد من البلدات، لكن حتى عدم وجود لجنة قبول، هذا لا يعني أن طريق العربي للسكن في بلدة يهودية مزروع بالورود: "لا يوجد لجنة قبول في البلدة التي أسكنها، لكنني واجهت صعوبة كبيرة حتى تمكنت من شراء المنزل في تسور يتسحاك، (ישוב קהילתי) المجاور للطيبة، يقول صبحي سمارة "أعمل كمبرج في شركة هايتك وزوجتي في مجال الحسابات، لكنني واجهت صعوبة في البداية بشراء منزل في تسور يتسحاك، كل من عرض بيته للبيع، كان يتراجع بحجج مختلفة عندما يعرف أنني عربي، حتى استطعنا شراء منزل من مقاول عقارات، ووقتها كانت هناك بعض التعليقات ضده أنه يبيع للعرب وأمور مثل هذه".

ويروي سمارة عن تجربته في العيش في تسور يتسحاك "أرسل ابني إلى حضانة في الطيرة، وحياتي في تسور يستحاك تقتصر على التواجد في المنزل وأحيانا التجول في المناطق العامة، ولا أخفي عليك أنني أرى أحيانًا بعض النظرات غير المرحبة بي، ربما لا يشعر كل العرب الذين يسكنون هنا بهذا الأمر، فأنا رفضت أن איישר קו وأن أحافظ على פרופיל נמוך وأن أمشي مع التيار وأسكت كما أرادوا، شاركت في مقابلات تلفزيونية وتحدثت دائمًا عن موقفي المناهض للعنصرية، فاكتسبت شهرة سلبية، بعدي جاءت بعض العائلات وسكنت في البلدة، لكن لا أخفي أنني في بعض المراحل كنت أتجنب الخروج، في أحداث أيار 2021، كان هنالك أشخاص من سكان البلدة، يحملون أسلحتهم، واتحدث عن بنادق وليس عن مسدسات، خفت على ابني صراحة، ليس من مشهد السلاح فحسب، بل من أمر أخطر".

أسباب خروج العرب من بلداتهم وتوجههم للبلدات اليهودية عديدة، في معظم الحالات تكون متعلقة بعدم وجود قسائم بناء في البلدات العربية، ولكن هنالك أسباب أخرى، عادل قعدان مثلًا خرج للبحث عن جودة حياة أفضل، في عام 2000، إذ يقول :" لم تكن لدينا مشكلة عدم وجود بيت في بلدنا، لكننا خرجنا من باقة للبحث عن جودة حياة أعلى، عن أقل مشاكل اجتماعية وأكثر هدوء وإمكانية للتطور" في حين يختلف سمارة في ذلك ويقول :" "كنت أفضل أن أعيش بجودة حياة أقل لكن أن أبقى في بلدي الطيرة، لكن مشاكل التنظيم والبناء أعاقت علي ذلك كما تعيش على آلاف الأزواج الشابة، ولم أرد المخاطرة والبناء بدون ترخيص، فلم يكن أمامنا سوى البحث عن منزل في منطقة مجاورة، وتسور يتسحاك كانت ملائمة، وأتحدث عن بلدة أقيمت عام 2011، وتوافدت عليها عائلات عديدة لقربها من مركز البلاد ولأن أسعارها وقتها كانت رخيصة، وقبلي سكنتها بعض العائلات العربية بالإيجار، كنت أنا اول من اشترى منزلًا فيها".

الأسباب التي تدفع الشباب العرب للهجرة للبلدات اليهودية

أما المحامي د. قيس ناصر، المختص في قضايا التخطيط، وهو محاضر أيضًا، فيعتقد أن السببين معًا هما أكثر ما يدفع الشبان العرب إلى الخروج نحو البلدات اليهودية :"المجموعة التي تفتش للشراء في بلدات يهودية، هي في الأساس مجموعات من الجيل الشاب، الأزواج الشابة، يفتشون على مستوى حياة غير موجود في بلداتنا، انعدام التخطيط لسنوات طويلة وانعدام البنى التحتية دفع الأزواج الشابة للتفتيش عن مستوى عيش أفضل، تجده في البلدات اليهودية. عندما تأتي الدولة وتريد اغلاق الباب في وجه هذه الأزواج، هي عمليا تزيد من الأزمة في البلدات العربية، تتسبب في سجنهم، هذه الأزواج لا تسكن في بلداتها لانعدام التخطيط أو لانعدام البنى التحتية وانعدام أبسط الحقوق مثل حديقة عامة".

سمارة يعتقد أنه ليس هنالك مفر من أن تتحول المزيد من البلدات اليهودية إلى بلدات مختلطة: "الدولة حاولت أن تحصارنا في قرانا ومدننا بسياسات عدم التوسيع، فوجدتنا في البلدات اليهودية، والأمر متفاوت بين بلدة وأخرى، مع وجود لجان قبول أو بغير وجودها، فهنالك بلدات من كوخاف يئير مثلًا، خرج السكان اليهود باحتجاجات ضد بيع البيوت للعرب، أحيانا تنجح هذه الاحتجاجات وفي أحيان أخرى لا تنجح، كما حصل في العفولة التي باتت تسكنها العشرات من العائلات العربية اليوم".

ولكن، توجه الشبان العرب للبلدات اليهودية، فيه جانب سلبي وخطير تجاه بلداتهم، يحذر منه عادل قعدان: " "الشعور بأن جزء كبير من طبقة الشباب المتعلمين يهاجرون إلى البلدات اليهودية، إما بسبب نقص قسائم البناء في بلداتهم أو بحثًا عن جودة حياة، لكن النتيجة أن بلداتنا العربية تفرغ من شبابها الجيد، وهذا بازدياد بلا شك، رغم التضييقات المستمرة وحتى لو وسعوا لجان القبول".

قوانين غير قانونية

في حال تمرير قانون لجان القبول بصيغته الجديدة، وفي حال نجاح التعديلات القضائية التي يعمل عليها وزير القضاء يريف ليفين، من الواضح أن العوائق أمام توجه العرب للسكن في بلدات يهودية ستتضاعف، نتحدث عن "قوانين غير قانونية" يقول د. ناصر: "بالأساس كل موضوع ان تقيم لجنة قبول لبلد معينة، هذا مرفوض في كل دول العالم الديمقراطية، لا يوجد أي داعي ولا حتى أمني يسمح للدولة أن تصنف الانسان حسب هويته أو جنسه أو مذهبه، وعندما تقوم الدولة بإقامة لجنة قبول حسب معايير معينة هذا مرفوض في كل القوانين الدولية، تخيل لو وضعوا شرطيًا بمدخل حيفا يسمح لدخول ناس معينين وناس لا، كل موضوع التصنيف انك تمنع شخص انه يتمتع بحق عام وطبيعي، هذا مرفوض كليا، في حالات البلدات اليهودية، يتم وضع معايير مقصود فيها اقصاء المواطن العربي، أصلك وتاريخك ومدى قربك للصهيونية وأمور أخرى. وهنالك جانب مخادع في قانون لجان القبول إذ استخدموا كلمات لأول وهلة لا يظهر فيها تمييز، لمن يدقق فيها تظهر انها تريد اقصاء المجتمع العربي، مثلا انه اهلك او عائلتك سكنوا في هذه البلدة من قبل، أو تربيت بتربية إسرائيلية أو صهيونية او يهودية، معايير تضع عوائق في وجه العرب. هذا الفكر الذي يقول بلدات يهودية خالصة وبلدات عربية خالصة يهدف إلى حصار البلدات العربية، ووضعها في مكان ما يكون الها تواصل مع البلدات اليهودية، وتبقى هذه البلدات نوع من الغيتوهات المغلقة، طبعا هذا القرار بإغلاق البلدات على المجتمع العربي، يزيد العنصرية ويزيد التباعد بين العرب ويزيد الشعور بالغبن واليأس بين العرب ان هذه الدولة لليهود فقط واحنا كعرب تمنع عنا اغلب موارد الدولة رغم اننا من السكان الأصليين. هذا لا يتوافق مع القانون الدولي الذي يقول أن هنالك حقوق للأقليات الأصيلة الوليدة، يجب تعزيز وجود هذه الأقليات وفق القانون".

د. ناصر يعتقد أن قانون القومية شرعن هذا الفكر وهذه القوانين بشكل كبير: "كل مشروع التمييز في العمران والسكن تعزز وحصل على غطاء قانوني في قانون القومية الذي يتحدث عن يهودية الدولة، هنالك بند ان الدولة تضع كل مواردها لتعزيز الاستيطان اليهودي، هو قانون ينظم العلاقة بين المواطنين والدولة".

الحل

ويعتقد المحامي قيس ناصر أيضًا أن دور القضاء في تراجع كبير بالسنوات الأخيرة، حتى بدون الإصلاح القضائي الذي يقوده وزير القضاء ليفين "الجهاز القضائي متأثر في الجو العام، وخصوصًا أحداث أيار 2021، كإنسان يتعامل مع المحاكم أرى بأن القضاة متأثرين بالوضع المشحون بين العرب واليهود، واستطيع أن أقول انه في أحد القضايا في قاضي بالمحكمة المركزية، قال انه الفصل بين اليهود والعرب هذا افضل للدولة، افضل لنا، وكل هذا قبل أن تشعر المحاكم اليوم أنها شبه مهددة من الحكومة، ولكن بالنسبة لقانون توسيع لجان القبول، خصوصًا اذا مر قبل تمرير موضوع فقرة التغلب، يمكن الطعن فيه المحكمة العليا، لكن لا يمكن التعويل كثيرًا على ذلك، وباعتقادي، يجب العمل على التوجه للطعن في القانون بالمحافل الدولية، إعلاميا، أمام كل العالم فالمجتمع العربي وحقوقه لم يعد قضية داخلية في إسرائيل، بل صارت قضية دولية ضمن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قضية منع المواطنين العرب من سكن ألف بلدة هذه يجب أن تكون قضية دولية تضغط على إسرائيل فيها".

وحذّر ناصر من التطورات القادمة "من الواضح أننا في منزلق، في قرار قعدان لم يكن قانون لجان قبول، وبعد الطعن صار في قانون لجان قبول والآن يريدون توسيعه، نحن في منزلق، ممكن أن يتوسع هذا الأمر فيها، عبر توسيع المساحات الممنوعة على العرب مثلًا، يجب الانتباه لهذا الأمر وإثارته، وعدم ربط الموضوع بملف التخطيط، لأنه حتى لو كان هنالك تخطيط في بلداتنا، من حقي أن أسكن حيثما أريد وفي أي ظروف، حقنا في السكن هو حق انساني دستوري من المخجل أن يكون هنالك نقاش عليه في القرن الواحد والعشرين".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]