رأي: على الرغم من المفهوم السائد، تمتلك المجتمع الحريدي خصائص بيئية أكثر مما كنا نعتقد. في هذه الأيام من الانقسام العميق في المجتمع الإسرائيلي، يمكن أن يؤدي التركيز على الجانب البيئي إلى التقريب بين المجتمعات، ويمكن أن يمكننا ذلك من بناء مستقبل أكثر استدامة معًا.
د.غال ح. كارسو رومانو، زاڤيت


كامرأة علمانية مهتمة بالاستدامة، يسهل عليّ أن أنظر إلى مجتمع الحريديم وأرى فيه مجتمعًا لا يهتم ولا ينشغل بقيم البيئة. ومع ذلك، في هذه الأيام، حينما تشتد الاتهامات بين المجتمعات، من المثير للاهتمام اكتشاف أنه في مجال الاستدامة والبيئة، المشترك بيننا أكثر بكثير من الذي نظنه. تحليل عميق لنمط حياة الحريديم، الذي يشجع على التواضع والبساطة، والذي يشمل مبادرات مجتمعية مثل الأعمال الخيرية، يشف عن مجموعة متنوعة من القيم والعادات التي تتفق مع مبادئ الاستدامة، والتي تؤدي إلى تقليل الاستهلاك وانبعاثات الكربون، وتقود نحو مستقبل أكثر خضرة.
في جوانب معينة، لا شك في أن نمط الحياة بين الحريديم يتعارض مع القيم البيئية. معدل الولادة العالي في مجتمع الحريديم، الذي يصل إلى 6.64 أطفال للسيدة الحريدية مقابل 1.96 للعلمانية، يفرض عبء على الموارد ويزيد من أثر البصمة البيئية لكل عائلة ويسهم في زيادة تراكب النفايات. يبدو أن فهم الاستدامة والوعي بالبيئة يحتاج إلى تحسين في مجتمع الحريديم: على سبيل المثال، في دراسة أجريت في حي حريدي في أشدود، تبين أن نصف سكان الحي لا يرون أهمية لإعادة تدوير البلاستيك والورق، ويزعمون أن ليس لديهم وقت للتفكير في هذا. هذه البيانات تنضم إلى إلغاء الضريبة على الأدوات أحادية الاستخدام في كانون ثاني الماضي، الذي جعل موضوع استخدام تلك الأدوات يتصدر عناوين الأخبار في مجتمع الحريديم- مما أظهرها، في كثير من الحالات، كمجتمع يتجاهل أزمة التغير المناخي.
وعلى الرغم من ذلك، وعلى عكس الافتراضات المعتادة، تتجلى قيم البيئة والمجتمع في جوانب مختلفة من نمط الحياة بين الحريديم - وللعلمانيين أيضًا هنالك الكثير مما يمكن تعلمه منهم.


مدن كثيفة - ومستدامة
أولاً وقبل كل شيء، تتميز المدن الحريدية بعدد من السمات التي تميز المدينة المستدامة والصحية، والتي تروج للتنقل فيها مشيًا على الأقدام. واحدة من هذه السمات المميزة هي الكثافة البنائية والكثافة السكانية العالية. في هذا السياق، يتم تجميع السكان في المنطقة الحضرية – ويتم الحفاظ على المساحة المفتوحة. يتم إنشاء هيكل حضري يمكّن من استخدام الموارد العامة مثل وسائل النقل العامة، وصناديق المرضى، والمؤسسات التعليمية والثقافية والمنشآت الرياضية وما إلى ذلك - وبالتالي يمكن تقليص البنية التحتية التي تُبنى لكل ساكن. كل هذا يقلل من البصمة البيئية للمدينة وتأثيرها على أزمة المناخ.


تعتبر كثافة السكان في المدن الحريدية هي الأعلى في إسرائيل. اذا كان في تل أبيب، على سبيل المثال، تصل كثافة السكان إلى حوالي 9,000 شخص في كل كيلومتر مربع، بينما تصل في العاد إلى حوالي 14,000 شخص في كل كيلومتر مربع - وفي بني براك تصل إلى لا يقل عن 29,000 شخص في كيلومتر مربع.


سمة أخرى للمدن المستدامة هي استخدام وسائل النقل العام، التي تُعتبر بديلاً صديقًا للبيئة عن السيارات الخاصة. بالإضافة إلى أن تقليل استخدام السيارات الخاصة يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإنه أيضًا يساعد في تخفيف حدة حركة المرور - مما يجعل المدن أكثر استدامة. على سبيل المثال، السيارة التي تتوقف وتنطلق بشكل متكرر في حركة المرور تحرق وقودًا أكثر بكثير من السيارة التي تسير بسرعة ثابتة، وبالتالي تنتج مزيدًا من التلوث.


يستخدم الحريديم وسائل النقل العام بشكل كبير، خصوصًا في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وبالإضافة إلى ذلك، عدد مركبات النقل الخاصة للفرد في مدن الحريديم تكون بكميات أقل بشكل كبير مما هو عليه في المدن العلمانية في إسرائيل.
ميزة الاستدامة الثالثة هي تخطيط الأراضي المختلط: الحالة التي وفي نفس المنطقة توجد استخدامات مختلفة مثل السكن والتجارة والمكاتب والمساحات العامة. تخطيط المدينة بهذا الشكل يقلل من حجم السفر والتنقل، حيث يمكن بسهولة الوصول سيرًا على الأقدام من المنزل إلى البقالة، أو المدرسة، أو المنشآت العامة.
نتائج تصنيف ضرائب الأرنونا (الأملاك) في المدن الحريدية، بالإضافة إلى جولة بسيطة في تلك المدن، تشير إلى أن الشوارع الرئيسية الحريدية مُخططة بحيث تكون الطابق السفلي على خط الشارع دون فصل عنه - ويستخدم للتجارة والمساحات العامة، بينما تستخدم الطوابق العليا للمباني في الغالب للسكن. وبهذا، يمكن للسكان الحريديم، الذين كما ذكر لا يستخدمون المركبات الخاصة كثيرًا، الاعتماد على التجارة المحلية والخدمات العامة القريبة من المنزل.

مثقاب من الجمعيات الخيرية (الحسيدية)

بالإضافة إلى الخصاص البلدية المستدامة، تشير البيانات إلى أنه على الرغم من الاستخدام الواسع للأدوات ذات الاستخدام الواحد في المجتمع الحريدي، ينتج الحريديم كميات من النفايات أقل بكثير من تلك التي يُنتجها سكان المناطق الأكثر ثراءً: حوالي كيلوغرامين من النفايات للشخص في المتوسط، مقارنةً بـ 4-6 كيلوغرام من النفايات للشخص في المتوسط في المدن الغنية.
هذه الكمية المنخفضة من النفايات تنبع من نظم الحياة المتواضعة والاستهلاك المحدود، التي تشجع على الاستدامة بطبيعتها، وأيضًا من نشاط جمعيات الخيرية. هناك جماعات خيرية (حسيدية) تنشئ بنية تحتية فعّالة للاستخدام المتكرر للموارد (مثلاً، ترعض ملابس مستعملة للأطفال والكبار للبيع)، وهناك أيضًا تلك التي تسمح باستخدام مشترك وفعال من خلال إعارة الأغراض والملابس والأجهزة الالكترونية وأدوات العمل للسكان. على سبيل المثال، إذا كان الشخص بحاجة لاستخدام مثقاب مرة كل نصف عام، فلا يجب عليه شراء واحد، بل يمكنه أن يستعير واحدًا من جماعة حسيدية ويرجعه بعد الاستخدام.


بالإضافة إلى ذلك، حتى إذا كان الوعي بالقضايا البيئية أقل في مجتمع الحريديم - إلا أنه موجود على الرغم من ذلك، وعدد متزايد من المنظمات في المجتمع الحريدي يشاركون بنشاط في تعزيز المبادرات المستدامة. على سبيل المثال، ستقوم بلدية بني براك بتنفيذ برنامج شامل للاستدامة يشمل إدارة النفايات، وجهود إعادة التدوير، ومبادرات التثقيف البيئي.


من المهم أن مبادئ وقيم الاستدامة والوعي للبيئة، ليست أمورًا غريبة عن التقاليد اليهودية .اليهودية تؤكد على أهمية إدارة الموارد المسؤولة والحفاظ على جودة البيئة من خلال الحظر والوصايا مثل "لا تُخرِب"، التي تحظر التخريب العشوائي لما يمكن أن يكون مفيدًا، و"الشميتة"، وهي ترك الأرض تستريح وتتجدد وعدم استخدام مبيدات الحشرات والأعشاب (إلا لتجنب موت الشجرة). هذه المبادئ تتردد داخل المجتمع الحريدي، وتعزز التزامهم بالتصرفات المستدامة وتسلط الضوء على التناغم بين قيم دينهم والمخاوف البيئية الحديثة.

تقريب القلوب للمستقبل أكثر خضرة
انا امرأة أعيش حياة علمانية بشكل تام وبعيدة كل البعد عن المجتمع المحافظ، لدي شقيقتين متدينتين وشقيقة كانت متدينة وأصبحت علمانية بعد ذلك. على الرغم من حياتي غير المقبولة في المجتمع الديني، نحن أنا وشقيقاتي نحاول أن نجد نقاط التقاء بيننا، وننجح في إدارة العلاقة بيننا بحب كبير، نعتني ببعضنا ونرى بعضنا البعض. نحن نعلم أن القرب بيننا مهم جدًا لأمي التي نحبها جميعًا، ونحترمها ونرغب في إسعادها. هذا يخلق هدفًا قويًا جدًا لكل شقيقة لبذل الجهد والتصرف بليونة وعدم التخلي عن المشترك."

خصوصًا في فترات الخلافات والفجوات التي تزداد في المجتمع الإسرائيلي، من الضروري أن نجد أساسًا مشتركًا وأهدافًا مشتركة للأجيال القادمة. الاعتراف بالجوانب البيئية الموجودة في مجتمع الحريديم يسمح لنا بتقليل الفجوة بيننا وبناء مجتمع أكثر انفتاحًا، يسعى للتعاون في المجالات البيئية حيث تتقاطع قيم المجتمع الحريدي مع تلك القيم في العالم العلماني. معًا، يمكننا أن نفتح طريقًا نحو مستقبل أكثر خضرة واستدامة، والذي يحترم التزامنا المشترك تجاه كوكب الأرض.

دكتورة غال كارسو رومانو هي المديرة الأكاديمية لبرنامج "متدربون للحكم المحلي" ورئيسة قسم الاستدامة والحكومة في الكلية الأكاديمية تل حاي. وهي مستشارة للسلطات المحلية ومديرة الموقع "كياموت مونيتسيبليت"
تم إعداد المقالة بواسطة " زاڤيت " - وكالة المعلومات التابعة لجمعية البيئة الإسرائيلية وعلوم البيئة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]