تختلف الدراجات الهوائية اليوم عن دراجات الأمس، وبكل أسف يمكن القول إن واحدة من أكثر المركبات الصديقة للبيئة تخضع، هي الاخرى، لمسار يجعلها أكثر تلويثا مما كانت عليه في الماضي. إذًا ما العمل؟! نستمر في استخدام الدراجات، في حين نُحْسِن اختيار دراجاتنا.
بقلم: أمنون ديركتور - زاڨيت

كما هو معروف، فإن البلاد، في الأشهر الأخيرة، مليئة بالمظاهرات التي غمرت الشوارع والساحات والطرق، وسواء كنت تتظاهر أم لا، فمن المفترض أنك وجدت نفسك في ازدحام مروري خانق، ولم تر الفرج في الأفق، وتساءلت لماذا لست على دراجة الآن؟

الدراجات هي اختراع، بسيط نسبيا، غيّر تماما الطريقة التي نتنقّل بها، أعاد تصميم أجزاء من مدننا، وسمح للأشخاص، من طبقات متنوعة، بالتنقل بسرعة نسبيا، والأهم من ذلك إنها واحدة من أكثر وسائل النقل المحافظ على البيئة لدينا.

مع ذلك، وعلى غرار العديد من المنتجات في العالم، تحولت الدراجات أيضا نحو اتجاه إشكالي في السنوات الأخيرة، فبعد أن بشّرت هذه الصناعة، حين أُقيمت، بمستقبل أكثر اخضرارا، أصبحت أكثر تلويثًا للبيئة مما كانت عليه، ولكن مهلًا، ليس عليك العزوف عن شراء دراجتك التالية، كلّ ما عليك هو الاطلاع على بعض المعلومات قبل اختيار الدراجة التي تريد شراؤها.

وداعًا للفولاذ، مرحبًا بالألومنيوم

أولًا وقبل كل شيء، من المهم التوضيح ان الدراجات الهوائية لا تزال هي وسيلة النقل الأكثر خضرةً، ففي حين أن البصمة الكربونية (انبعاث غازات صناعية) لإنتاج السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل هي 6-35 طن من ثاني اكسيد الكربون (co2) (حسب نوع وحجم السيارة)، فإن البصمة الكربونية للدراجة الفولاذية هي فقط 35 كغم، أي أن إنتاج سيارة صغيرة واحدة يعادل إنتاج 171 دراجة فولاذية، وذلك قبل الحديث عن التلوث المتراكم الهائل الناتج عن المركبات التي تستهلك الوقود الأحفوري.

ولكن، على الرغم من أن الدراجات لا تزال تُعدّ من الأفضل في مجال الاستدامة، إلا أنها أصبحت في السنوات الأخيرة أقل حفاظًا على البيئة، بسبب العديد من التغييرات التي تمر بها الصناعة، وأهمها تغيير مواد الإنتاج وانخفاض جودة قطع الغيار.

قبل ثمانينيات القرن العشرين، كانت جميع الدراجات في العالم، تقريبًا، مصنوعة من الفولاذ، وهي مادة متينة، سهلة الإصلاح وبسيطة لإعادة التدوير، ولكن في العقود الأخيرة، هناك تحوّل نحو إنتاج دراجات أخف وزنا مصنوعة من الألومنيوم، الفولاذ المقاوم للصدأ، التيتانيوم وألياف الكربون، وهي مواد تتطلب كميات أكبر من الطاقة لإنتاجها، فما مدى أهمية هذا التغيير؟ تبلغ البصمة الكربونية للدراجة الفولاذية 35 كغم، بينما تبلغ البصمة الكربونية لدراجة الألمنيوم 200 كغم! انه فرقٌ كبيرٌ جدًا.

لماذا إذًا حدث هذا التغيير؟!

أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن اللاعبين الكبار الذين دخلوا السوق، فضّلوا إنتاج دراجات أخف وزنًا، وبالتالي تحوّلوا لاستعمال مواد مثل الألومنيوم وما شابه ذلك، والتي هي أكثر تلويثًا، الى جانب سبب رئيسي آخر، هو أن العديد من المستهلكين اليوم يفضلون شراء دراجات أرخص، تدوم وقتا أقل والتي يتضمن إصلاحها، (إذا كان ممكنًا أصلا)، استخدامًا لقطع غيار ذات جودة رديئة.

مليار (دراجات) صينيون لا يُخطئون؟

وعندما نتحدث عن اللاعبين الكبار، هناك دولة واحدة تقف على رأسهم جميعا...

لقد تحوّلت الصين خلال العقدين الماضيين لأكبر مصنّع للدراجات في العالم، حيث تصنّع حوالي ثلثي الدراجات المنتجة في العالم، بواقع 70 مليون من أصل 110 ملايين من الدراجات في السنة، وتُنتج أكبر شركة مصنعة للدراجات في الصين، (FUGI-TA)، حوالي خُمس الدراجات في العالم وحوالي 55000 دراجة يوميا، وبالمقارنة، تنتج أوروبا حوالي 10 ملايين دراجة سنويا، وتنتج الولايات المتحدة حوالي 60 ألف دراجة سنويا فقط. "الشركات الصينية ليس لديها منافسين، وأحد أهدافهم هو ألا تكون صناعة دراجات في أي مكان آخر في العالم" كما يقول الدكتور دانيال ميشوري، الباحث في قسم الدراسات البيئية في جامعة تل أبيب والرئيس السابق لجمعية "اسرائيل من أجل الدراجات".

وفقًا لميشوري، فإن ما يحدث في صناعة الدراجات يحدث أيضا في صناعات أخرى مثل السيارات، الألعاب، الأزياء وغيرها. "ابتداءً من تسعينيات القرن العشرين، سرّعت صناعة الدراجات في إدراج نموذج "خطّة التلف"، وهي سياسة متعمّدة لتقصير عمر المنتج بشكل مصطنع، فإذا كنا في الماضي نقوم بإصلاح أو استبدال أجزاء من الدراجات العادية كل بضع سنوات، فقد يحدث ذلك الآن مرة بالسنة" يوضح ميشوري "لقد تم إجراء هذا التغيير حتى نقوم جميعنا بشراء المزيد والمزيد".

وفقا لمشوري، فإن التغيير في الصناعة واسع للغاية وهو نتاج سياسة متعمدة، ويضيف "دراجات اليوم ليست دراجات الأمس، لقد أصبحت هذه الصناعة خاضعة لقوانين الشركات الاتحادية والعولمة، حتى أنها الآن تُخفي عمدًا مؤشرات وأرقام التلوث الحقيقية".

سعر الكهرباء

سبب آخر للتغيير الذي يحدث في الصناعة هي الدرّاجات الكهربائية التي دخلت حياتنا بسرعة قياسية والآخذة في الازدياد، ففي عام 2019، تم بيع 3.7 مليون دراجة كهربائية، وفي عام 2021 تم بيع 9.7 مليون دراجة كهذه حول العالم، أي زيادة بأكثر من%160 خلال ثلاث سنوات فقط.

المشكلة في هذه الدراجة هي بالأساس البطارية، والتي في كثير من الحالات مصنوعة من مواد إشكالية، فعلى سبيل المثال، معظم بطاريات هذه الدراجات التي تُصنّع في الصين هي من نوع الرصاص الحمضي (بطاريات تعتمد على تفاعل كيميائي)، والتي تُعتبر عمليّة تصنيعها، إعادة تدويرها، وطمرها خطرة وملوِّثة، بالإضافة الى أن التّماس المباشر مع بعض مكوّناتها يُشكّل خطرا على الصحة بسبب الغازات السامة المنبعثة من البطاريات.

دراجة تدوم مدى الحياة؟

ومع ذلك، نظرا لحقيقة أن الدراجات لا تزال وسيلة نقل بيئية للغاية، يقول ميشوري إنه يجب إيجاد طرق لجعل هذه الصناعة أكثر استدامة وزيادة عمر الدراجات مجدّدًا، ويقول "إن أفضل الطرق لمكافحة هذه العملية هي اعتماد معايير نظامية من شأنها الحفاظ على جودة الدراجات، وخلق منافسة في سوق تسيطر عليها الصين، بحيث تخدم الدراجات العادية لمدة 20 عاما على الأقل، وبعبارة أخرى، عليك تحويل الدراجة إلى سكّين"لدرمان" أي أن تشتري واحدًا لكل العمر.

لذلك، وقبل أن تشتري دراجةً جديدة، تحقق من المواد التي صُنعت منها، (الألومنيوم؟ الفولاذ؟)، ومن أي بقعة من العالم جاء، وليكن شعار الاختيار الصحيح هو ""الأقربون أولى بالمعروف".

بالإضافة إلى ذلك، يوصى بالتحقق من البائع ما إذا كانت الدراجة التي اخترتها، يمكن إصلاحها بسهولة، وهل قطع الغيار متوفرة ومتاحة للنوع الذي اخترته.

جاهز؟... انطلق.

أعدّت المقال زاڨيت – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الاسرائيلية لعلوم البيئة
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]