ما كان محمود الداوودي يتصور أن ينفد مخزونه من أجهزة الراديو بالكامل منذ بدء الحرب قبل أكثر من شهرين، مع إقبال متجدد كبير عليها في قطاع غزة، في ظل انقطاع الكهرباء والانترنت والاتصالات.
انقطاعات الكهرباء مألوفة أساساً في يوميات سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، لكنها استحالت انقطاعاً تاماً منذ فرضت إسرائيل حصاراً مطبقاً على القطاع مع بدء الحرب، مانعة خصوصاً دخول الوقود إليه.
ويحول ذلك دون إمكانية تشغيل أجهزة التلفزيون والحواسيب أو شحن الهواتف النقالة وتصفح الانترنت للحصول على معلومات، إلا في حال وجود ألواح للطاقة الشمسية أو مولدات كهرباء، وهو ترف لا يملكه غالبية السكان في القطاع الخاضع لقصف إسرائيلي كثيف ومتواصل.
فبات جهاز "الراديو" الذي يعمل بالبطاريات الوسيلة الوحيدة لمتابعة الأخبار.
يملك الداوودي (33 عاماً) محلا لبيع الهواتف النقالة والإلكترونيات في رفح جنوب قطاع غزة.
وقال "منذ الأسبوع الأول من بداية الحرب، نفدت لدينا كل أجهزة الراديو في فروعنا الثلاثة وفي المخازن كان لدينا كمية كبيرة نفذت جميعها".
وأضاف "الراديو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأخبار وما يدور حولنا في ظل انقطاع الانترنت والاتصالات. كما أنه خيار مثالي بالنسبة للناس في ظل أزمة الكهرباء. البطاريات تدوم لمدة طويلة".
وأوضح أن سعر جهاز "الراديو" كان 25 شيكلاً قبل الحرب، وأصبح حالياً، مع زيادة الطلب عليه، 60 شيكلاً.
وبعد أكثر من شهرين من انطلاق عمليات القصف والاشتباكات العنيفة، نزح الجزء الأكبر من سكان القطاع، وهم يعانون من نقص كبير جدا في المواد الغذائية والمياه والأدوية والوقود.
وذكر الداوودي "حتى الأجهزة التي تم إرجاعها بسبب وجود عطل فيها بيعت، ونفدت حتى الهواتف النقالة لدينا"، موضحاً أن الكثيرين اختاروا شراء أجهزة هاتف قديمة تملك خاصية "الراديو" والإنارة بكشاف لاستخدامها لإضاءة الخيم وسماع الأخبار.
وذكر حسين أبو هاشم الذي يعمل في متجر آخر أن "أجهزة الراديو كانت تملأ السوق، ولكن منذ بدء الحرب لم يعد هناك شيء" مشيراً إلى ارتفاع أسعار هذه الأجهزة لشدة الطلب عليها.
وبيّن أن "الناس تريد أن تعرف الأخبار ومكان القصف والاطمئنان على أهلها. ولا يوجد انترنت ولا اتصال ولا كهرباء. أجهزة الراديو أغلبها تعمل على البطارية، بعضها يعمل على الطاقة الشمسية"، لافتاً أنها بيعت جميعاً.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 1,9 مليون من سكان غزة البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة نزحوا بسبب الحرب، نصفهم من الأطفال.
أطلق عدد من القنوات من بينها "الجزيرة" القطرية و"بي بي سي" العربية بثاً مخصصاً لسكان قطاع غزة لمعرفة آخر التطورات.
وقال أحمد البواب (35 عاماً) الذي نزح من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة إلى خيمة في رفح "نتابع الأخبار عبر الراديو، لا توجد خيارات أخرى".
وأضاف "كنت أتابع إذاعات محلية كالأقصى والقدس لكنها توقفت، اتابع الجزيرة والعربية وأي اذاعة صوتها واضح، جميع المحطات تتكلم عن غزة".
من جهتها، أكدت أم ابراهيم التي نزحت من خان يونس، أنها تسمع الأخبار يومياً "لأعرف ماذا يحدث حولنا. أين القصف والبيوت المستهدفة ومن تم هدم بيته ومن بقي وأسماء الشهداء" موضحة "نتلهف على أي خبر من غزة أو من منطقتنا أو أي مكان في القطاع".
وقالت "أتجول بين الخيام لأسمع الأخبار (عبر اجهزة الراديو الأخرى) حين تنفد البطارية من الراديو والهاتف النقال" الخاص بها.
ونزح صلاح زعرب (37 عاماً) من شرق خان يونس إلى رفح جنوباً، موضحا أنه يتابع الإذاعات طوال الوقت.
وقال أمام خيمته "العالم يتقدم في مجال التكنولوجيا ونحن نتراجع في غزة. سيصلون بنا للعصر الحجري. نقوم بإشعال الحطب ونجلس أمام الخيم لإعداد الشاي، ونسمع الأخبار عبر الراديو لحظة بلحظة".


نقلا عن صحيفة "الايام"

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]