جميعنا يعلم أن العناكب تعاني من الأفكار المسبقة حولها. ماذا لم يقولوا عنهم؟ أنها مُقرفة، شريرة، تأكل الإنسان، وحتى أنها تتغذى على عائلات بشرية بأكملها، (كما يُكتَب تقليديًا في العناوين المضلّلة، والمبالغ فيها، لمقالات حول العناكب). لكن هناك بحثًا جديدًا، يمكن أن يُحسّن من العلاقات العامّة لهذه المخلوقات الصغيرة، وتعلّمنا عن قدراتها الخاصة.

في دراسة بريطانية، أجريت بالتعاون مع جامعة بن غوريون في النقب، تبيّن أن نوعًا شائعًا من العناكب، يمكن استخدامه كمبيد حشري طبيعي، لحماية محاصيل الطماطم، حيث تعيش هذه العناكب في "تعاونيّات"، تتعاون فيها على نسج شبكات كبيرة، تصطاد بها مختلف الحشرات الضارّة.

أنا والرفاق - النسخة العنكبوتية

تتعرض النباتات، وخاصةً مزروعات المحاصيل للطعام، لأنواع مختلفة من الحشرات الضّارة، مثل العث، والمن، والذباب الأبيض، وحتى الحلزون. وتعاني محاصيل الطماطم، التي ركّزت عليها الدراسة، بشكل خاص، من نوع عث، يُسمى حفّار أوراق الطماطم (Tuta absoluta)، والذي يتواجد في حوالي %60 من أراضي الطماطم في العالم، ويمكن أن يتسبب في انخفاض الغلّة، بنسبة% 100-80 في المناطق المفتوحة والدفيئات الزراعية. علاوةً على ذلك، طوّر هذا العث، مقاومة للمبيدات الحشرية الكيميائية.

مقاومة هذه الحشرات للمبيدات الكيميائية، أمرًا مُفاجِئًا، فهي مواد قوية جدًا. هذا الى جانب أنه تبيّن في السنوات الأخيرة، كم هي مضرّة للبيئة والبشر، حيث تُسبّب تلوّث التربة والمياه، والتعرّض لها لفترات طويلة، يمكن أن يسبب، من بين أمور أخرى، مشاكل الخصوبة ومشاكل في الجهاز الهرموني، والسرطان. من ناحية أخرى، فإن المبيدات الحشرية الطبيعية ، أي عملية القضاء على الحشرات الضارّة، من خلال استخدام الحشرات والبكتيريا، تسمح للطبيعة "بأخذ مجراها"، بطريقة لا تُعرّض صحتنا، أو بيئتنا، للخطر.

وهنا يأتي دور العنكبوت. فبحسب أقوال البروفيسورة (الفخرية)، ياعيل لوبين، من قسم البيئة الصحراوية، في معاهد أبحاث الصحراء، التابعة لحرم جامعة بن غوريون، في سديه بوكر: "عناكب شبكة الخيمة الاستوائية، (Cyrtophora citricola)، تحب نسج شبكات على أشجار الحمضيات، ومن هنا جاء اسمه. حتى داروين وجد مثل هذه العناكب في إحدى رحلاته، ووصَفها على هذا النحو في أحد كتبه".

شبكة الأنسجة لهذا العنكبوت فريدة من نوعها. تقول لوبين: "إنها ليست لاصقة، مثل معظم الشبكات لأنواع العناكب، ولكنها مبنية من أنسجة كثيفة للغاية، والتي تخلق نوعًا من المسطّح الواسع، والذي يتواجد العنكبوت في وسطه، وينتظر الفريسة. وعندما تصطدم الحشرات الطائرة بالنسيج، فإنها تسقط على الشبكة، وتسحبها العناكب إليها".

بالإضافة إلى ذلك، هذا النوع اجتماعي بشكل خاص. تشرح لوبين قائلةً: "يتم إدارة تلك المستعمرات من العناكب، بما يشبه المساكن المشتركة، (الكومونة)، حيث لكل فرد "شقته" الخاصة، أو شبكته الخاصة، وتتّصل الشبكات الخاصة بأعضاء المستعمرة، بعضها مع بعض". وفقًا للوبين، في حين أن العناكب لا تتعاون بشكل مباشر في التقاط الفريسة، إلا أن التداخل الواسع للشبكات، يزيد من فُرص اصطياد المزيد من الحشرات الطائرة. تنعكس الحياة الاجتماعيّة لدى هذا النوع، بصورةٍ أخرى.. ففي حين أن معظم العناكب تأكل بعضها بعضًا، تفضّل عناكب شبكة الخيمة الاستوائيّة، التعاون فيما بينها، ونادرًا ما تأكل بعضها البعض.

في الدراسة الجديدة، قام الباحثون بتنشئة بيض عناكب شبكة الخيمة الاستوائيّة، في ظروف مخبريّة، لمدة 4 أشهر تقريبًا. ثم نقلوا 100 عنكبوت، برفقة الشبكات التي أنشأوها، إلى شتلات الطماطم، حيث أقام الباحثون 20 مستعمرة للعناكب، وتم إدخال 3 أنواع مختلفة من الفرائس فيها، وهي عثّة الطماطم الضارّة، ذبابة الفاكهة من نوع دروسوفيلا هايدي، (drosophila hydei)، وذبابة الجندي الأسود، (Hermetia illucens). وقد تم فحص بيانات اصطياد الفرائس، على مدى شهرين تقريبًا، وبمرورها تم قياس كتلة جسم العناكب، وطول جسمها، وقطر شباك الاصطياد.

الحجم يقرّر

وجدت الدراسة، أن عنكبوت شبكة الخيمة الاستوائيّة هو مفترس فعّال للحشرات، خاصةً عندما يتعلق الأمر بحشرة حفّار أوراق الطماطم، (وأنواع ذبابة الفاكهة الواردة في البحث)، عندما تكون في حجم متوسط أو أكبر. في هذه الحالة، حقّقت هذه العناكب نجاحًا بنسبة %100 في قدراتها على مكافحة الحشرات الضارّة.

وفقًا للباحثين، فإن هذه العناكب، قادرة على تكوين مجموعات من مئات، أو حتى آلاف الشبكات المتصلة ببعضها البعض، وبالتالي منع الحشرات الضارّة الطائرة، على مختلف أنواعها، من الاقتراب من المحاصيل، (وذلك دون الإضرار بالطماطم بالطبع). أي أن هذا النوع، يفترس مجموعة متنوّعة من الحشرات الضّارة، ولا تقتصر لائحة طعامه على وجبة واحدة، وبالتالي فهو فعّال بشكل خاص في دوره كمبيد حشري.

علاوة على ذلك، توفر مستعمرات العناكب تلك، أساسًا للعيش، وسبيلًا للوصول إلى الفريسة، لأنواع أخرى من العناكب، وهو وضع يزيد أكثر من عدد المفترِسين في بيئتها. هذه الإحصائية، تُشكّل أهميّة خاصّة بالنسبة للعث، لأن هذا النوع الضار، آخذَ بتوسيع انتشاره في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك، جزئيًا، إلى أنه لا يرتدع من الظروف المناخية القاسية، والتي أصبحت أكثر تكرارًا بسبب أزمة المناخ.

هل طلبتم (عنكبوت) مبيد؟

وقد تبيّن أن عنكبوت شبكة الخيمة الاستوائيّة، فعّال كمبيد بيولوجي، أيضًا من خلال استطلاع أجرته لوبين، في بيّارة عضويّة من أشجار المندلينا. وتقول: "وجدنا مستعمرات عناكب كبيرة، وراقبناها على مدى عامين تقريبًا، في مواقع مختلفة من إسرائيل، وقد تمكنت بعض المستعمرات التي تتبّعناها، من البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات تقريبًا، وتلك التي لم تنجُ، ماتت فقط بعد أن تم رشّ الأشجار بالمبيد الحشري"، وبحسب أقوالها، فإن نتائج بحثها، تُظهر أن مستعمرات العناكب تلك، يمكن أن تكون فعّالة كمبيدات حشرية، للمحاصيل التي لا يتم رشها بالمبيدات.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الاستنتاجات المتفائلة، فمن المهم التنويه، الى أن الاستخدام غير المسؤول للمبيدات البيولوجية، قد يجعل من المبيد نوع غازي، يسبّب أضرارًا كبيرة، كما حصل مع ضفدع القصب في أستراليا. بالإضافة إلى ذلك، توضح لوبين، أن أنواعًا من الحشرات الملقّحة، المفيدة لنموّ المزروعات، قد يتم صيدها أيضًا في شبكات المستعمرات، وعلينا الانتباه لذلك أيضا، وتشرح قائلةً: "لذلك، يبدو أن عناكب شبكة الخيمة الاستوائيّة، لديها القدرة على أن تصبح مبيدات حشرية ضرورية، إلا أننا نحتاج إلى مزيد من الأبحاث في هذا المجال، أيضًا في مناطق مفتوحة، وليس فقط في ظروف المختبر. وفي حال تم استخدام هذه العناكب أيضًا كمبيدات حشرية طبيعية، فسوف يتقلّص المواد الكيميائية، والتقليل من تلوّث التربة والمياه الذي تسببه تلك المواد".

أعدّت المقال “زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]