بقلم : زهير دعيم


عاد حنين ابن الصّف الرّابع في ظهيرة أحد الأيام الى البيت حزينًا مهمومًا ، فألقى حقيبته عن ظهره والدموعُ تترقرقُ في عينيْهِ .
فرأته أمّه فتضايقت ، وأخذتْ تُعانقُه بحرارةٍ وهي تسأل:
ما لَكَ يا صغيري
أشغلْتَ نفسي وَضَميري
كيف لا ؟!
وأنت عِطري وعَبيري
وماء نهري وغَديري

فهزَّ حنين برأسه قائلًا :
لا شيء يا أُمّي... لا شيء .
فابتسمت الأمّ قائلةً : لا أُصدّقك هذه المرّة. أعذرني .
أتُراكَ فشلت في امتحان اللغة العربيّة على غير عادتكَ ؟!
بالعكس تمامًا يا أُمّاه ، فقد حُزْتُ على علامةٍ كاملة.
اذًا ما وراءك يا غالي قالت الأمّ.
فتنهّد قائلًا : إنّه سامح ابن صفّي الجالس بجانبي، فإنّه يعتدي عليّ للمرّة الثالثة لأنّي أخبّيء ورقتي في وقت الامتحان عنه... يعتدي ويُسرع الى المُعلّمة ويشكوني وكأنّني انا المعتدي ،.
فتلومني المعلمة وتُحذّرني وتقول لماذا يا حنين ؟ أنّي أعرفك ولدًا مجتهدّا ومؤدّبًا ، إنْ ظلّ الامر كذلك سأتصلُ بأهلكَ وأخبرهم.
فتنهدت الأُمّ قائلة بغصّةٍ : ظُلمٌ وأكثر.. صدق المثل القائل :
ضَربَني وبكى
وسبقني واشتكى
وللمعلّمة راحَ وحكى..
وعادت الأمّ تُعانق صغيرها بحرارة قائلة :
تناولْ غداءَكَ يا صغيري ، وعندما يعودُ أبوكَ من العملِ نبحثُ في الموضوع .
وفي المساء وبعد ان عاد الأب من العمل وتناول طعام العَشاء مع زوجته وابنه، قصّتِ الأمُّ على زوجِها قصّة ابنهما المظلوم .
غضبَ الأب غضبًا شديدًا على غير عادته ، وتوجّه الى ابنه قائلًا :
صحيح أنّك رائع في الدّراسة والتحصيل ولكن عليك أن تكون قويًّا وشجاعًا ، عليكَ أن تكونَ رجلًا ... غدًا يا صغيري .. وأقول غدًا ، عليك أن تضربه وتؤذيه وتسرع الى المُعلّمة وتشكوه ..
أسمعْتَ .. تضربه وتشكوه ، فالسّنُّ بالسّنّ والعين بالعين .

نام حنين ولم ينم ؛ نام مهمومًا ولم يُصدّق ما يسمعه من أبيه ، فقد علّمه أن ينبذَ العنفَ ويعشقَ المحبّةَ ، وأن يحبَّ كلَّ النّاس ، فماذا جرى ؟!

وفي الصّباح استفاق حنين نشيطًا فتناول طعام الفطور، ة وحمل حقيبته ، بعد أن أخذَ من حصّالته بعضًا من النقود وودّعّ امّه ببسمة .


وفي الظهيرة عاد حنين من المدرسة ليجد أباه وأمّه في
انتظاره !!! .
، فابتسم ابتسامةً عريضةً وقال : اطمئنا.. اطمئنا فلقد ضربته ، نعم ضربته ، ضربته بكيس من الحَلوى ، فعانقني بحرارة معتذرًا ، ووعدني اليوم بأنّه سيأتي مساءً ما مع أهله لزيارتنا ..
بُغت الوالدان وتبادلا نظرات الاعجاب الإعجاب ، ثم ما لبث أن قام الأب الى ابنه يعانقه بحرارة قائلًا :
أنّك رجلٌ .. رجلٌ وأكثر .. بوركتَ يا صغيري
وراحت الأمّ تُصفّق بحرارة .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]