لم تعد إسرائيل وجهة آمنة للاستثمار، إذ وضعت الحرب المستمرة على قطاع غزة رؤوس الأموال الأجنبية أمام مأزق حقيقي، وربما يستمر إلى سنوات، لتتبدل خريطة العديد من القطاعات الاقتصادية في دولة الاحتلال وعمليات التوظيف.

انقضى عام 2023 بتدهور حاد في الاستثمارات الأجنبية بلغت نسبته نحو 29% مقارنة بعام 2022، وهو ما يتعارض مع الاتجاه العالمي المتمثل في زيادة الاستثمارات الأجنبية، بخاصة في الدول المتقدمة خلال العام الماضي، وفق تحليل لصحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، أمس الاثنين.

وأشار التحليل إلى أن الانخفاض الحاد في الاستثمارات المتدفقة على دولة الاحتلال يتزامن مع أرقام مثيرة للقلق بشأن انخفاض صادرات الخدمات بنسبة 8% العام الماضي، والتي تعد محركاً رئيسياً للنمو في الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بعد ارتفاعها المتواصل منذ عام 2009.

ولفتت إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو التي احتفلت بـ"إنجاز سياسي" متمثل في إقرار ميزانية عام 2024 المعدلة، سجلت إخفاقين اقتصاديين وهما تدهور الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات عام 2017، وانخفاض حساب الخدمات مولد النمو الرئيسي للاقتصاد لمدة 16 عاماً.

وتعتبر الاستثمارات الأجنبية ضرورية للنمو والتنمية الاقتصادية، فهي توفر الرأسمال والتكنولوجيات الجديدة والخبرة الإدارية، كما أنها تزيد من فرص العمل، وتشجع الابتكار وتزيد الإنتاجية.

تريليون دولار محاصرة في صناديق الاستثمار الإسرائيلية
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة العام الماضي إلى 16.4 مليار دولار فقط، مقابل 23 مليار دولار في 2022.

وأشار تحليل الصحيفة الإسرائيلية إلى أن ادعاءات المسؤولين بأن هذا الانخفاض يرجع إلى التضخم وارتفاع أسعار الفائدة الذي أعقبه غير صحيح، ولو كان الأمر كذلك لكان من المفترض أن نرى انخفاضاً في الاستثمارات في بقية دول العالم، خاصة في الدول المتقدمة، وذلك لأن هذه الدول تتلقى عادة المزيد من الاستثمارات الأجنبية مقارنة بالدول المتخلفة.

الاستثمار في إسرائيل مغاير للاتجاه العالمي

ووفق تقرير وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، وهي المؤسسة الرسمية التي تنشر بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، فقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية العالمية في 2023 بنسبة 3%، بينما في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ معدل الزيادة 28%، أي إن تراجع إسرائيل هو ظاهرة فريدة من نوعها وليس جزءاً من اتجاه عالمي، بحسب "كالكاليست".

وإلى جانب تهاوي الاستثمارات الأجنبية، هناك رقم ثان ينبغي أن يقلق صنّاع القرار الإسرائيليين في مثل هذه الفترة الحساسة، وهو انخفاض مولد النمو الرئيسي للاقتصاد المتمثل في تصدير الخدمات، بما في ذلك خدمات التكنولوجيا الفائقة. وقد أشارت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي حول مساهمة الخدمات في التجارة العالمية إلى أنّ إسرائيل باتت "مركزاً عالمياً لخدمات الحوسبة".

وبين عامي 2017 و2022، سجل ميزان الخدمات في إسرائيل (الصادرات مطروحاً منها واردات هذا القطاع) قفزة تراكمية بنسبة 193%، بمعدل سنوي بلغ متوسطه حوالي 39%.

واعتباراً من عام 2019، أصبحت إسرائيل اقتصاداً خدمياً لافتاً. لكن في عام 2023 توقفت القفزة وشهدت إسرائيل انخفاضاً بنسبة 8% تقريباً في ميزان الخدمات، وهو انخفاض لم يتم تسجيله منذ عام 2007. كما لم يحدث أي انخفاض على الإطلاق منذ عام 2009.

كيف تنهي الحرب على غزة وهم الاستثمار الآمن في إسرائيل؟
ورغم أن صادرات خدمات التكنولوجيا الفائقة زادت بنسبة 6.7% العام الماضي، فإنّ جميع القطاعات الخدمية الأخرى مثل السياحة والنقل، ولا سيما أنشطة الموانئ والتأمين تراجعت وسط الحرب.

وذكرت الصحيفة إلى أنه لا مجال هنا أيضاً للادعاء بأن تراجع صادرات الخدمات جاء في ظل التباطؤ العالمي، إذ إنّ ذروة تصدير الخدمات في إسرائيل جرى تسجيلها على وجه التحديد خلال سنوات كورونا، التي شهدت ركوداً شمل معظم دول العالم.

أرقام تخالف الواقع
ولا تبدو أرقام الحساب الجاري الذي سجل فائضاً بقيمة 25.3 مليار دولار العام الماضي دقيقة للتعبير عن الواقع الاقتصادي الإسرائيلي، إذ إن الحرب سبّبت انهيار الواردات.

كما سبّبت الحرب ظاهرتين إضافيتين جعلتا الأرقام تبدو وكأنها جيدة، وهي تلقي إسرائيل الكثير من المساعدات الدولارية من جهات أجنبية ويهود من الخارج وحكومات، بخاصة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المسؤولة عن نصف المساعدات التي تتلقاها إسرائيل.


وأدى هذا إلى زيادة ما يعرف بـ "الدخل الثانوي" وهو الدخل من التحويلات الجارية. كما أن تحويلات العاملين الأجانب في إسرائيل هوت على خلفية هروب العمال الأجانب ومنع دخول الفلسطينيين وتوقف رواتبهم.

ولا يبدو الاتجاه واعداً، إذ إن هناك تدهوراً غير مسبوق في صورة إسرائيل في العالم، حيث وصلت العلاقات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وفي الأثناء عانت إسرائيل بالفعل تخفيض تصنيفها الائتماني من وكالة "موديز" في فبراير/ شباط الماضي، ويبدو أنّ وكالة "فيتش" في طريقها أيضاً إلى إجراء تصنيف سلبي بعد فشل الحكومة في تمرير حزمة من التدابير المالية للتعامل مع عجز موازنة 2024، إذ جرى تأجيل معظم المراسيم التي من شأنها زيادة الموارد المالية حتى عام 2025.

وكالات التصنيف تراقب العجز والديون
وتجاوز العجز في عام 2023 الهدف المحدد بنسبة 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي وبلغ 4.2%. وترهن وكالات التصنيف الائتماني نظرتها إلى إسرائيل بقدرة دولة الاحتلال على السيطرة على الأضرار التي تخلفها الحرب، ولا سيما معدلات الاستدانة والعجز المالي، لكن المؤشرات التي تصدرها وزارة المالية تظهر تزايداً في العجز بما يفوق التوقعات.

انفلات العجز في إسرائيل... مخاوف من خفض إضافي للتصنيف الائتماني

وتراقب وكالتا "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" تطورات أداء الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، واحتمال توسع نطاق الاشتباكات مع حزب الله اللبناني إلى حرب أوسع نطاقاً، إذ قال مسؤول في "ستاندرد آند بورز" نهاية يناير/كانون الثاني الماضي إن الوكالة قد تخفّض تصنيف إسرائيل إذا اتسعت الحرب لتشمل جبهات أخرى.

وكانت الوكالة قد أبقت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تصنيف إسرائيل الائتماني عند "إيه إيه" (AA)، لكنها عدّلت نظرتها المستقبلية إلى سلبية من مستقرة، مشيرة إلى مخاطر توسع الحرب على الاقتصاد والوضع الأمني.

في الأثناء واصل العجز المالي اتساعه في فبراير/شباط الماضي على أساس سنوي، ليصل إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل 105.3 مليارات شيكل (29.25 مليار دولار)، وذلك مقارنة بنحو 4.8% في يناير، فيما زاد على أساس شهري بنسبة 0.8%، بما يعادل 13.4 مليار شيكل، وفق ما نقل موقع "غلوبس" الاقتصادي، الأسبوع الماضي، عن المحاسب العام لوزارة المالية يالي روتنبرغ.

وتتمحور موازنة إسرائيل المعدلة لعام 2024، والتي من المقرر أن يوافق عليها الكنيست نهائياً، يوم الأربعاء، حول عجز بنسبة 6.6%، لكن محللين اقتصاديين أكدوا أن العجز الحقيقي يصل إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتعتقد وزارة المالية أن العجز سيستمر في الاتساع في الأشهر القليلة المقبلة، لكنه سيبدأ بالانحسار خلال الربع الأخير من العام الجاري، بعد التغيرات في الإنفاق والإيرادات المرتبطة بالحرب.


الحرب تعجّل من إفلاس مؤسسة التأمين الإسرائيلية
وسبق أن كشف محافظ البنك المركزي أمير يارون على موقع البنك في يناير/كانون الثاني الماضي أن نفقات الحرب ستصل إلى نحو 220 مليار شيكل (61.1 مليار دولار) بين 2023 و2025، مع الأخذ في الحسبان فقدان الدخل بسبب آثار الصراع.


الحرب تضرب القوة التكنولوجية
ولم تقتصر الأضرار على وضع الاستثمار في الشركات الإسرائيلية محلياً وإنما أيضاً أسهمها في وول ستريت بالولايات المتحدة والتي تعيش فترة أطول من المعاناة، وفق تقرير منفصل لـ"كالكاليست" أمس.

وأظهر المؤشر الذي أنشأه صندوق رأس المال الاستثماري "فيولا"، الذي يشمل 30 شركة عاملة في مجال التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية المتداولة في البورصة الأميركية أن هذه الشركات تسجل عائداً منخفضاً بصورة قياسية. وتعاني هذه الشركات في معظمها قلةَ الدخل وخسائر فادحة، وتظهر أداءً بعيداً جداً مقارنة ببدء تداولها في السوق.

وقال الشريك المؤسس لصندوق فيولا، هاريل بيت أون، في تصريحات لـ"كالكاليست" إن العلامة التجارية لإسرائيل بوصفها قوة تكنولوجية تضررت كثيراً بسبب الحرب "وهذه العلامة التجارية في حاجة إلى استعادة"

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]