بقلم: سامي يحيى, دبلوماسي

عندما كنت في الهند شاركت في فعالية ثقافية حيث تم استضافتي كضيف شرف في معرض فني دولي. خلال هذه الفعالية، تعرفت على فنانين ومبدعين من ثقافات مختلفة، وتبادلت الحوار معهم بشكل مباشر. من خلال هذه التجربة، اكتسبت فهمًا أعمق للتنوع الثقافي وأهمية التفاعل الثقافي بين الشعوب. تأثرت بشكل كبير بقدرة الفن على التواصل دون حدود، حيث وجدت أن اللغة الفنية تتخطى اللغة الكلامية وتصل إلى القلوب مباشرة. كما نشأت علاقات دبلوماسية جديدة وصداقات عالمية، وهذا أثر بشكل إيجابي على توسع دائرة تفكيري وفتح آفاق جديدة للتعاون الثقافي والإبداعي. بالإضافة إلى ذلك، تعلمت كيفية التواصل بفعالية مع الآخرين مما ساهم في تعزيز مهاراتي الدبلوماسية وتطوير شخصيتي. بشكل عام، كانت هذه التجربة الفريدة تعزز من قناعتي بأهمية التفاهم الثقافي في بناء جسور السلام والتعاون العالمي.

من تعريفات الدبلوماسية أنها فن تسيير العلاقات الدولية عن طريق التفاوض بوسائل سلمية إما بشكل مباشر أو غير مباشر لإيجاد حلول متفق عليها بدلاً من القوة المسلحة أو التحكيم الدولي. ويحاول الدبلوماسيون مساعدة بلدانهم بالتمثيل الإيجابي في الاوساط الدولية، وتشجيع التعاون بين الدول، والحفاظ على السلام.

مفهوم الدبلوماسية الثقافية يمكن تلخيصه بأنه هو تبادل الرؤى والفنون واللغات وغيرها من جوانب الثقافة بين الشعوب من أجل تعزيز التفاهم المتبادل في هذا العالم المتغير والمتسارع الذي أصبح نشر ثقافة الدولة فيه عالميًا ركيزة أساسية لا غنى عنها. أيضًا، الاهتمام بالدبلوماسية الثقافية من قبل الحكومات يزيد بشكل فعّال من متانة العلاقات الدولية ودعم جهود الأمن الوطني ومكافحة التطرف والإرهاب ونشر التسامح والسلام وتقديم صورة إيجابية عن الدولة وثقافتها وسياساتها وتعزيز التعاون في الحاضر والمستقبل، وأخيرًا منع وإدارة وتخفيف أي صراع أو أزمات بين الدول في المستقبل.

أدوات الدبلوماسية الثقافية، الفنون بأنواعها كالأفلام والموسيقى والرسم، والمعارض الفنية والثقافية، وبرامج التبادل التعليمي والثقافي كاستقبال الطلاب الدوليين وابتعاث المواطنين وبرامج نشر اللغة الأم، والأدب وفتح فروع للمكتبات الوطنية بالخارج وترجمة المحتوى الأدبي كالشعر والروايات والكتب بلغات مختلفة، بالإضافة إلى تبني والمشاركة في برامج ومؤتمرات وندوات حوار الأديان. جميعها وأكثر تشكل لغة ثقافة مفهومة وارتباط ذو أثر وتأثير مُباشر بقلوب وعقول ومشاعر البشر بكافة اختلافاتهم.

مثال على فعالية ثقافية هو اشتراك فلم اسرائيلي في مهرجانات الافلام الدولية مثل مهرجان كان في فرنسا او مهرجان برلين. يهدف هذا المهرجان إلى عرض الأفلام الدولية للجماهير، مما يساهم في تعزيز فهم الثقافة الإسرائيلية وتعميق الروابط الثقافية بين إسرائيل والمجتمعات العالمية. من خلال عرض أفلام تعكس قضايا وثقافة إسرائيلية. مثال آخر هو أداء فرقه موسيقى الجاز "الثلاثي عمري مور" من إسرائيل في مهرجان نيروبي الكبير لموسيقى الجاز والذي ضم فنانين إسرائيليين وفنان جزائري مسلم يعيش في باريس، بالإضافة للموسيقى الرائعة التي قدموها للجمهور، ظهور مثل هذه الفرقة التي تجمع بين فنان يهودي وفنان مسلم على خشبة واحدة يعزفون في انسجام تام قدم للجمهور الكيني التنوع الثقافي والفني الذي تفتخر به إسرائيل.

لقد أدركتُ من خلال تجربتي ومسيرتي الحياتيّة بأنّ الدبلوماسيّة الثقافيّة هي مفتاح التقارب بين الشّعوب، وهي صمّام أمان حقيقي للأمم التي تبحث عن السّلام، فالسياسة لا تكفي لحلّ المشاكل القائمة بين الدّول وهو ما ترجمه الواقع الدولي منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية وإبّان دخول العالم في تجاذب قطبي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي. فقد اكتشف السياسيّون في تلك المرحلة أنّهم بحاجة إلى وسيلة أكثر فاعلية من طاولات المفاوضات، وأدركوا دور الثقافة في التأثير على الشّعوب وقدرتها على تشكيل العلاقات الدوليّة.

وإنّني على ثقة أنّ دور الدبلوماسية الثقافية سيزداد توسّعا في المستقبل، ولن تستطيع الدبلوماسيّة التقليديّة الاستغناء عنه، وسيشكل دورا اساسيا في بناء جسر بين الشّعوب، وتعزيز التفاهم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]