فيما تتواصل جرائم العنف، ويستمر سفك الدماء في البلاد عامةً وفي مجتمعنا العربي خاصة، تتسع دائرة التساؤلات والتقولات بشأن الضحايا، فقد طالت موجة العنف غير مسبوقة، عدد ًا من ابنائنا، حتى تكاد لا تخلو بلدة عربية من هذه الظاهرة الخطرة.

وإن كُنا نتحدث عن ان  بين ضحايانا نساء، الا اننا  نعي تمامًا، ان الامر غير محصور في دائرة النساء، فقد  تعرض عدد من الشبيبة والأطفال والمسنين الى الايذاء والعنف والقتل، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ، مقتل ام من مدينة حيفا ، ومقتل شابٌ من مدينة ام الفحم على خلفية نزاع مادي، وسبقه ضحية من مدينة باقة الغربية، ومقتل شاب من الجديدة، وعشرات الشبان من الشمال والمثلث، قتلوا ليتحولوا إلى أسماء في ملف العنف، ناهيك عن المصابين بالعشرات جراح طعنات او اطلاق نار أو ظواهر عنف مورست بأشكال شتى.

ولتسليط الضوء على هذا الواقع العنيف، توجهنا إلى عدة جهات تعمل في مجالات السياسية والتربوية وفي مكافحة العنف وفي العمل الأهلي، لنستمع منهم عن وجهات نظرهم حول ما يدور، وسبل الخروج من دائرة العنف المستفحلة.

وقد عبرت رفاه عنبتاوي ناشطة في مجال العمل النسوي ومركزة لمشروع التنظيم الجماهيري في كيان، عن وجهة نظرها من قضية العنف حيث أكدّت أنّ هناك تزايدًا ملحوظًا في نسبة العنف، ليس فقط ضد النساء بل ايضًا ضد جميع الأجيال حتى الشبيبة، وهذا ينعكس على واقع المرأة بالتأكيد.

واعتبرت عنبتاوي أنّ القتل هو أقصى درجات العنف، لكن هناك عنف كبير يقع على أفراد المجتمع وبخاصة النساء كالعنف الكلامي والجسدي إلى درجة القتل.

وترى عنبتاوي أنّ المجتمع العربي في البلاد لم يتحمل مسؤوليته بالحد الأدنى، حيثُ انه ترك الباب مغلقًا على عمل الحركات النسائية، التي تعالج قضايا المرأة ومن بينهن المعنّفة، الا انّه لا يمكن – كما أكدت عنبتاوي- ان تخلو الساحة من الجميع باستثناء الأطر النسوية.

وتمنّت رفاه لو أنّ قضايا النساء يتحول الى موضوع مجتمعي، ليتطرق اليه الجميع دون استثناء، بدءًا من الجمعيات الاجتماعية والسياسية والأحزاب ولجنة المتابعة، عوضًا عن كونهن اليوم بندًا في آخر الأجندة المجتمعية.
وأكدت رفاه أنّ الأوْلى في دولة تعير اهتمامًا بمواطنيها أن تضع قضية العنف على رأس سلم أولوياتها، لكن الشرطة ومؤسسات الدولة لا تقوم بواجبها، ليزيد هذا الأمر من حجم المسؤولية على الجمعيات النسوية التي تفتقر الى القدرات المادية الكافية، بينما لا تكفي تحركات الهيئات المسؤولة في المجتمع العربي.

أما جنان عبده- ناشطة وباحثة في الحقل الجماهيري والنسوي فتطرقت الى مفهوم العنف حيث قالت: ليس للعنف مسبب واحد ووحيد، فالعنف هو نتاج تجمع عدة عوامل تراكمية بنيوية اجتماعية سياسية اقتصادية كما نعلم".

كما أضافت: "العنف ممكن ان يزداد بازدياد الفرصة لظهوره وبعدم وجود برامج كافية وملائمة سواء من قبل الدولة ومؤسساتها او من قبل المجتمع بافراده وهيئاته للحد منه بشكل عام ونحن نعرف ان كل المجتمعات هي مجتمعات ابوية ذكورية تعطي السلطة في العائلة للاب وبالتالي تكسبه قوه ومرتبه متفوقة اكثر من المراة. وتبنى الكثير من القوانين في الدولة على هذا المبدأ فتكون تبعية المراة لزوجها بكثير من الامور مما يضع المراة بموضع اضعف ويدخلها بمجموعة المستضعفين ان لم تتوفر لديها الامكانيات للمقاومة والمساواة. وهذا مبدأ الاختلاف الاساسي برأيي من مجتمع ابوي لاخر سواء الغربي ام العربي".

وأصرت عبدو في حديثها عن العنف على ضرورة ان نكون حذرين في تعريفنا لحجم ظاهرة العنف في مجتمعنا العربي الفلسطيني. لتحديد حجم الظاهرة الحقيقي والتاكيد فيما اذا كانت في ازدياد ام لا، فالأمر يتطلب أن تجرى ابحاث جدية ومهنية في المجال تفحص عدة نقاط وعوامل. فإن قورنت بالعنف في المجتمع الاسرائيلي، يتضح ان العنف في المجتمع الاسرائيلي المعسكر لا يقل حدة وصعوبة ويمارس تجاه مجموعات مستضعفة عدة كالاطفال والنساء والشيوخ.

ولفتت عبدو الى اننا نسمع مؤخرا عن حالات قتل وعنف باشكال مختلفة في مجتمعنا، وربما من الاسهل القول انها بازدياد، الا انه قد يعود السبب إلى ارتفاع الوعي لوجود العنف وارتفاع نسبة التبليغ والإعلام والحديث عن الموضوع، خاصة في حالات العنف ضد النساء فقد ازدادت بشكل ملحوظ المؤسسات المجتمعية التي تعالج الموضوع وتقدم خدماتها المختلفة للنساء وهناك قوانين لا بأس بها في هذا الامر، لكن يبقى الإشكال في تطبيق القوانين الموجودة. وهناك ارتفاع بوعي النساء لحقوقهن ولكون مجموعات منهن مستضعفات، هناك شرعية مجتمعية اكبر للكشف عن العنف والحد منه. هذه الامور تشكل عاملا مشجعا على الحديث عن الموضوع الذي كان حتى فترة ليست بعيدة "محظورًا".

ورأت عبدو ان من اسباب ارتفاع العنف هو تزايد عوامل الضغط كالأزمات الاقتصادية والعنف الموجه من قبل الدولة وفي أحيانٍ معينة يكون العنف مستشريًا داخل عائلات معينة، فيظهر العنف لدى الافراد في بيئة تعيش أجواء العنف.
وتصر عبدو انه لا توجد امكانية لتجزئة المسؤولية، كونها مسؤولية جماعية فردية ومؤسساتية. للدولة قسط كبير من هذه المسؤولية ويبرز تقصيرها في تقديم خدمات وقائية وتوعوية، وفي تقديم خدمات تربوية وعلاجية وفي تطبيق القوانين احيانا.
وتطرقت عبدو في حديثها الى الدولة قائلة: "الدولة نفسها هي نموذج ومثال للدولة المعسكرة والعنيفة تجاه مواطنيها العرب وتجاه الفلسطينيين ككل، فهي تعطي الميزانيات للحرب بدل من التطوير الداخلي، وهي تستعمل ايضا مفاهيم داخلية لدينا للتهرب من مسؤوليتها بعلاج العنف الداخلي. كأن تتفهم فجأة وفقط ممارسات عنيفة لدينا على انها امور داخلية!! وبالتالي لا تحرك ساكنا للحد منها".

وتحمّل عبدو الافراد مسؤولية تصرفاتهم ومواقفهم وتصريحاتهم اضافة إلى صمتهم وعدم اتخاذهم موقف في الكثير من الاحيان، كما تحمّل المؤسسات الاهلية المسوؤلية ايضًا، فغالبية الخدمات بمختلف المجالات والتقارير والمرافعة المحلية والدولية يقوم بها ممثلون وممثلات عن الجمعيات الاهلية الفلسطينية المحلية وعلى ان تتابع طرح الموضوع على جدول اعمال المجتمع ولجنة المتابعة والدولة، ونوهت عبدو أنه لا داعي لأن تكون لجنة المتابعة العنوان الوحيد أو الأساس فهناك دور للأحزاب والسلطات، لكن تظل القضايا الاجتماعية مسؤوليتنا جميعًا دون استثناء، وعليها ايجاد الالية لتنشيط دورها لمحاربة العنف بالتعاون من المؤسسات والجمعيات الاهلية والاجتماعية المختصة التي راكمت خبرة في المجال
وتقترح عبدو كجزء من الحل أن تأتي التوعية، ويكون العلاج بكافة المستويات. أولاً فرديا فكل شخص مطالب بتحديد موقف واضح من العنف وعدم الصمت والسكوت عنه. وعلى المؤسسات المجتمعية أن تأخذ دورًا ايجابيًا، كما على الدولة رصد الميزانيات لمحاربة هذه الظاهرة وعدم التهرب من مسؤوليتها ومن كونها مسببًا للعنف المجتمعي جراء الضغط الاجتماعي والاقتصادي، وأخيرًا تقع على عاتقنا مسؤولية فضح سياسات الحكومة وكشف تقصيرها عبر المحافل الدولية وغيرها.

وللنواب العرب موقف هام في هذا الشأن، فتكاد لا تخلو جلسة من جلسات الكنيست ولا نشاط من نشاطاتهم الا ويواجه فيها النواب ظاهرة العنف، ويحاولون بشتى الوسائل الوصول الى حلول تحد من هذه الظاهرة.

ولا يمكننا اغفال ما تقوم به الأحزاب العربية الجبهة، والتجمع والحركة الاسلامية بشقيها من
د. جمال زحالقة يرى في تزايد ظواهر العنف في المجتمع العربي خطورة كبيرة، حيث انتشرت الظاهرة في كافة المناطق والبلدات العربية، وفي كافة المجالات ومنها العنف ضد النساء والعنف على خلفية جنائية وحرب العصابات والعنف بين الشباب وفي المدارس وغيرها، واصبح العنف اكثر وحشية حيث تفاقمت مشكلة إطلاق النار والطعن بالسكاكين، وارتفعت بشكل ملحوظ حوادث القتل.

بينما لا يرى د. زحالقة انه بالامكان تفسير الظاهرة على أنها خلفية محلية في هذا البلد أو ذاك، فيقول: كثير من البلدات التي ظن أهلها أنها سالمة من جرائم القتل والعنف، واجهت في العام الأخير استفحال خطير لهذه الجرائم. لعل اهم اسباب تفشي العنف هو الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية الصعبة، وشح اماكن العمل، وتقاعس الشرطة عن ملاحقة المجرمين، واستيراد نظام العصابات من المجتمع اليهودي، وتراجع تماسك العائلة وسيطرة الوالدين على ابنائهما. وباختصار تفاقم العنف في المجتمع العربي نتيجة لعملية التحديث المشوه التي يمر بها مجتمعنا، حيث تقذف فئات اجتماعية كاملة الى هوامش المجتمع مما يخلق ارضية خصبة للعنف والجريمة والمخدرات".

وحمّل زحالة السلطة المسؤولية الكبيرة عن انتشار الظاهرة جراء سياستها التي تنتج مستنقعات ينمو في العنف وتنمو الجريمة، وشرطتها لا تقوم بالحد الأدنى لردع المجرمين عن ارتكاب جرائمهم، ومن المعروف أن اكثر ما يردع المجرم هو إمكانية القبض عليه ومعاقبته، والحال اليوم أن معظم المجرمين يعرفون تماماً أن الشرطة لن تحقق بجدية مما يشجعهم على ارتكاب جرائمهم.

ويرى أن مسؤولية لا تقل أهمية تتحملها القيادات المحلية التي يتسامح بعضها مع الجريمة والعنف ويتعامل "باحترام" مع المجرمين المعروفين.

وقال زحالقة: "رغم ان القيادات المحلية تحاول محاربة العنف، الا انها لا تملك الادوات ولا تملك فعالية، والقصد هو في شح الميزانيات، فلا تمويل لنوادٍ ومراكز جماهيرية، ولا ميزانيات لأطر لتنظيم نشاطات وفعاليات يومية للشباب، ولا تمويل كاف لتطوير التعليم، ناهيك عن الحاجة لخلق فرص تأهيل مهني وأماكن عمل".
ويؤكد زحالقة على أنّ محاربة العنف بحاجة إلى القيام بعملية بناء مجتمعي وليس فقط إلى التغني بالمواقف والأقوال، مع أهمية التوعية واتخاذ المواقف.

ويلخص زحالقة فيقول: إن معالجة الظاهرة بحاجة الى جهد جماعي وشامل يكون فيه دور للمربين وجهاز التعليم، للقيادات السياسية والأطر الشبابية، لرجال الدين والقيادات المحلية والقطرية، كما هناك أهمية خاصة للضغط على الشرطة لمعاقبة المجرمين، فحالة اللا ردع هي أرض خصبة للجريمة.

أما النائب د. عفو إغبارية من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة فيبدي قلقًا كبيرًا جراء ظاهرة العنف وانعدام الأمن والأمان في المجتمع العربي.

وقد صرّح ما يجري قائلاً: " قلناها مراراً ونعود ونكررها مرة أخرى, إن النسبة الأكبر لأسباب الانفلات وارتفاع حِدّة العنف في الوسط العربي, تعود إلى الانتشار غير المسبوق للسلاح المرخص وغير المرخص بين الناس. واصبح استخدام السلاح لدى غالبية الذين يملكونه إما لدوافع ارتكاب أعمال العنف واللصوصية والإجرام أو لإشباع نفوسهم المريضة. ومن هذا المنطلق أعود وأطالب الشرطة والأجهزة الأمنية, أن تطلق حملة جديّة واسعة النطاق لتنظيف مجتمعنا من السلاح بكل أنواعه وأشكاله وأن تتوقف قيادة الشرطة عن ذرائعها المفتعلة لتبرير عجزها من خلال إلقاء المسؤولية على الضحية بدلاً من حمايتها".
وانتقد اغبارية ما يجري من اعمال عنف والتحكم بالسلاح لدى الطلاب في داخل المدارس، مشيرًا الى اهمية قيام الشرطة بدورها الذي لا يمكن لها تناسيه، بحيث لا يقل أهمية عن المؤسسات التمثيلية لدى جماهيرنا العربية لأن تضع في أجندتها اليومية واجب تحصين مؤسساتنا التعليمية والتربوية وحمايتها.

أما وجهة نظر أمير مخول – مدير عام جمعية اتجاه فإنه يرى ان لا أحد مستهدف، ويشرح ذلك بالقول: ليس هناك سياسة او نهج تقف وراءه جهة عنيفة، وانما يدور الحديث عن ظاهرة مجتمعية خطيرة جدا، والأصعب اننا كمجتمع لا نملك كافة الأدوات للتصدي لها.

ولا يرى مخول ان المرأة هي المستهدفة الأولى في العنف المجتمعي، بل ان غالبية ضحايا العنف المجتمعي لسن نساء بل من الشباب، بينما اعترف مخول انّ المرأة ضحية أكثر في العنف الأسري وهنا تدفع الثمن الاكبر والقوي يسمح لنفسه بامتلاك سلوك الطرف المستضعف وفي هذه الحالة المرأة.

ويؤكد مخول ان ظاهرة العنف بازدياد، ويعلل ذلك بالقول: في عصر العولمة تجري عولمة الظواهر الاجتماعية ايضا، والعنف في مجتمعنا الفلسطيني باتساع مضطرد، وفي نفس الوقت يزداد الوعي التصدي للعنف ومخاطره.
ويعتقد مخول ان هناك مؤشرات لتحمل مسؤولية مجتمعية واسعة على صعيد كافة الاطر والمؤسسات والتيارات.
بينما نوه عل التصدي للعنف، كما كان لو دور ايجابي في مواجهة العنف الطائفي في شفاعمرو.

ويرى مخول انّ مجمل المؤسسات العربية على تنوعها تتحمل، ويتم في هذه المرحلة الاعداد لمؤتمر يبلور آفاق مواجهة مع الظاهرة والحد منها، كان انها مسؤولية المجتمع بأفراده ومؤسساته، وفق ما يؤمن به مخول.
ويحمّل المسؤولية ايضًا للدولة التي تناصب العرب العداء، بينما يمكن للدولة ان تحد من ظاهرة العنف، لكن اسرائي تحديدًا غير عابئة بالعنف في المجتمع العربي بل انها تستفيد منه خاصة اجهزتها القمعية كونه يأتي على حساب الهوية الوطنية الكفاحية في مواجهة الدولة، وفوق ذلك يرى مخول ان الدولة تغذي العنف من خلال تقليص الحيز العام مما يعزز التجاذبات المجتمعية.
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]