في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ألتي اجتاحت وما زالت تجتاح عالمنا بشكل عام, ومنطقتنا بشكل خاص, جعلت الكثير منا يُعاني في هذه الظروف الصعبة, والتي طالت الفقير والغني, فشاهدنا خلال السنة الماضية العديد من رجال الأعمال في البلاد الذين أعلنوا إفلاسهم أو قدموا تقارير بخاسرات فادحة في ظل هذه الظروف, مثل المياردير ليفايف, اركادي جايدماك, وغيرهم من رجال الأعمال أو أغنياء المجتمع إذا أردنا اقتصار حديثنا حول ما يحدث في بلادنا.

تلك الظروف الصعبة في بلادنا خاصة, جعلت الكثيرون من رجال الإعمال يُقفلون مفاتيح أشغالهم ويتركوا كل شيء ورائهم ليبحثوا عن إعمال ومشاريع أخرى في الدول الغربية أو الدول النائية, حيث طبع لقب " بلاد الوضع السيء" على جبين هذه الدولة, وجعل كل من يريد أن يُقيم مشروعا فيها أن يُفكر مرات عديدة قبل الشروع به.

مُنذر مناويل خوري (50 عاما), من مواليد بلدة فسوطة في الجليل الغربي, هو النقيض الكامل لكل ما كُتب في مُقدمتي, فهو رجل أعمال ناجح جدا, ترك البلاد مع والده مناويل عندما كان في سن الرابعة عشر حين هاجر لأستراليا النائية, واليوم يُعتبر مُنذر رجل أعمال ناجحًا جدا وصاحب ثروة كبيرة وأملاك وافرة تمتد على 3 مناطق إستراتجية في العالم: الصين, استراليا, وحاليا يجتاح بلادنا ومنطقة الجليل الغربي بشكل خاص في عدة مشاريع اقتصادية, تجارية من شأنها أن ترفع المنطقة من ناحية اقتصادية, منها مشاريع قيد التنفيذ ومنها في قيد التخطيط, ولكن الهدف الأساسي منها إزالة الغبار عن وصمة البلاد "التعبانة" التي رُسمت لمنطقتنا, ولتُعيد أمجاد هذه المنطقة لسابق عهدها.

ويقول منذر في مقابلة أجراها مع مراسلنا: " منذ سن العشرين تركت البيت, وإشتغلت في عدة اماكن مختلفة, إكتسبت في سن مُبكر خبرة وافرة ومبالغ مالية مُمتازة لشاب في عُمري, ولكن الأهم من ذلك بأنه تعلمت أن أعتمد على نفسي منذ نشأتي, وهذا ما جعلني ناجحا فيما بعد".

منذر خوري من تاجر بالجملة في الملابس الى رجل أعمال شهير

كان لعائلته في بداية الطريق, مصنع للملابس, حيث بدأ طريقه في تجارة الملابس, حيث كان يبيع في الجملة لعدة محلات في المنطقة حيث عاش وخارجها, وكان يربح في بداية طريقه على حد قوله مبلغ ما بين 3000-4000 دولار أسبوعيا, جعلته بعد فترة ليست بطويلة رجل .

ويضيف منذر: " حتى جيل 35 عامًا لم يكن لدي أي متجر أو أي محل خاصتي, فكل ما أنتجته قد صرفته, كوني كباقي الشباب في مقتبل أعمارهم أعزب ويريد أن يستمتع في ملذات الحياة".

لكن رغم ذلك, تطورت تجارة منذر إلى خارج القارة الأسترالية, حيث دخل منذر عالم صناعة الأثاث, وأستطاع بفضل حنكته التجارية أن يُنتج أنواع جديدة من الأثاث لم يكن موجود في السوق, وأستطاع بمنتجه الجديد أن يجذب التجار والزبائن مما أدى إلى نجاح باهر في صناعة الأثاث, حيث البضاعة الجديدة التي أنتجها استطاعت أن تكسح السوق الشرق أسيوي وخصوصا في الصين مما أدار عليه أرباح طائلة في ظرف زمن قصير جدا, ومن هذه النقطة بدأت الانطلاقة العظمى نحو العالم الخارجي والشهرة العالمية.

في منطقة برزبن(استراليا) حيث يعيش يوجد شارع ضخم على أسمه, تتواجد فيه جميع المكاتب, العقارات والمصانع التي بناها

كما ذكرنا في ظرف سنوات قليلة تطورت تجارة منذر خوري لدول أخرى وكما يقول المثل الشائع "مع الأكل تأتي الشهية", حيث دخل منذر عالم الاستثمارات والعقارات, حيث أستطاع أن يشتري عقارات تجارية وأراضي عديدة في أستراليا والصين, بنى عليها العديد من البنايات, المصانع والمراكز التجارية الضخمة التي تُشغل آلاف من العمال في أضخم دول العالم (الصين), وطبعا في استراليا, ولكن قمة ما أنجزه منذر كان شراء منطقة كبيرة بالقرب من سكناه حيث حولها لمنطقة صناعية, تجارية واسعة جدا, يقطعها شارع ضخم تم تسميته على إسمه (Monte Khoury Drive), وهو في صدد تطوير هذه المنطقة وغيرها, حيث طموحاته بلا حدود إذ كانت تجلب الفائدة عليه وعلى غيره.

في الصين يُشغل منذر عدة مصانع لإنتاج الأثاث حيث يُصدره لمناطق عديدة في العالم, لذلك يبقى مُنذر متنقلا من دولة لأخرى حسب ظروف عمله.

ذكرت بأنك حتى جيل 35 لم يكن لديك شيئا, إذا كيف تطورت تجارتك, وما هو سر نجاحك الخارق؟

يتحدث مُنذر بدون تردد: " دائما تعاملت بالأشياء القانونية, لم أدخل عالم المجن رغم ما لدي, كل تجارتي وأعمالي تدور بشكل قانوني, التجارة أخذ وعطاء وهذه الدرب علمتني طريق الحياة ووسعت أفكاري التجارية والحياتية.

ويُضيف منذر: " بكل تواضع شديد, أقولها بأنني بنيت ثروتي وكل ما أملك على أرض صلبة وبدون قروض أو ديون, وهذا ما جعلني أنجح بشكل كبير وواسع في ظرف سنوات قليلة نسبيا".

ماذا دفعك للعودة الى البلاد؟

رغم كل هذه النجاحات الباهرة التي حققها منذر في مسيرته العملية والتجارية على مدى عقدين من السنين, إلا أنه لم ينسى وطنه, جذوره, ومكان مولده فسوطة, وحين سألته عن سبب عودته لهنا رغم الشهرة والثروة في استراليا والصين, ورغم الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد, أجابني والدموع تكاد تذرف من عينيه:"الحنين لبلدتي فسوطة قتلني, أُقدس تراب فسوطة, طريقها, الصخور في أراضي فسوطة من نوعية خاصة لا تتواجد منها في أي مكان في العالم, هذا ما جعلني أعود وأنا راض وواثق من نفسي".

ويضيف منذر: "إرتباطي بكلمة فسوطة إرتباط عاطفي، فسوطة حبيبة قلبي الأبدية, وهذا ما شدني لهذه البلاد.

هل تعني لك شجرة الزيتون شيئا ما؟

يتنهد منذر متحدثا: " رغم أني لم أحظى بقطف ثمارها,إلا أنها تعني لي الكثير, جذوري, بيتي, أرضي, العادات والتقاليد, تُذكرني بأني إبن هذه البلاد, كيف لا أعشقها, إضافة الى كونها مُقدسة في جميع الديانات السماوية".

"واجهتني صعوبات عاطفية, ظننت بأن الناس هنا كما كانت من زمان, لكن للأسف كل شيء تغير"

عاد منذر إلى البلاد بعد أكثر من 35 عاما قضاها في التجارة والأعمال الحُرة, لا ينقصه شيئا سوى تحقيق أحلامه في موطنه ولكن قبل ذلك ذكرت له بأنه حتى الان تحدثت عن اعمالك, نجاحاتك, مسيرتك العملية, ولكن لا توجد طريق بدون صعوبات أو عوائق معينة, فما هي الصعوبات التي واجهها مُنذر خوري في مسيرته الجبارة وبعد عودته لموطنه الاصلي؟؟

يقول منذر في ذلك: "على الصعيد الخارجي لم تواجهني صعوبات معينة, فكما ذكرت سابقا بنيت مسيرتي على أرض صلبة, ولا أنكر بأنه في ظرف الوضع الاقتصادي العالمي كذلك تضررت, ولكن نسبيا الضرر كان بسيط, كذلك المعاملات التجارية وكل ما يتعلق في إعمالي وتجارتي كان سهلا ومفروشا بالورد نسبة للخبرة التي اكتسبتها على مدار السنين الماضية, فالصعوبات التي واجهتني كانت كبقية الصعوبات التي يواجهها كل رجل أعمال".
وماذا عن الصعوبات بعد رجوعك لموطنك, هل كان مضايقات من السُلطات في البلاد في قضية المعاملات وكل ما تلا ذلك؟؟

يرد مُنذر بكل وضوح: " على صعيد المُعاملات وكل ما شابه ذلك, لم أواجه صعوبات قط, لربما عدم إجادتي اللغة العبرية بشكل تام هو العائق الوحيد, ولكن استطعت التغلب على ذلك فلدي مساعدين وكذلك مع الوقت استطعت أن أتمكن من اللغة, فجميع معاملاتي قانونية وبعد استشارة فلماذا تكون هنالك صعوبات, وحتى من ناحية تمييز لم أجد في ذلك أي مضايقات, لا أنكر عروبتي أمام احد, ولكن من يتكلم الانجليزية بطلاقة خصوصا هنا في البلاد يستطيع أن يفرض نفسه على كل مؤسسة".

ويضيف منذر قائلا: " الصعوبات التي واجهتني في البلاد, هي صعوبات عاطفية, ظننت أن الناس كما كانت من زمان, المحبة والتعاون المشترك في كل كبيرة وصغيرة, في البداية بعد عودتي وثقت جدا بالناس, وهذه الثقة كلفتني كثيرا, التعامل صار صعبا جدا مع البشر, ولكن مع ذلك استطعت أن أتخطى هذه الصعوبات واليوم أقرأ المكتوب من عنوانه, وغير نادم على عودتي للبلاد".

ويضيف منذر كذلك: "والدي مناويل زرع فينا حب الأرض والوطن مهما كانت الظروف, والفضل يعود له باستمرار التواصل بين استراليا والبلاد, وعلى أساس هذه التربية بقيت أحن للعودة يوما ما للبلاد, وها انذا حققت ذلك بكل فرحة وسرور".

سيتي سنتر ترشيحا, رؤية قريبة لمستقبل ترشيحا والمنطقة، ما هو هذا المشروع؟

يذكر منذر خلال حديثه حين كان يأتي لزيارة ترشيحا مع والده, ويأكل الفلافل لدى دكان توما الشهير بجانب المدرسة, حيث تواجدت كذلك عدة محلات تجارية متواضعة ومبنية من الواح "الزينكو", ويقول منذر في ذلك: " كنت ساعتها أقول لنفسي, هل ستأتي لحظة أو يوم سيقوم هنا مركز تجاري أو بنايات حديثة, وسبحان الله بعد 35 عاما, نجلس تقريبا في نفس المكان الذي وقفت به وأنا في ترشيحا لكي أبني ما فكرت وحلمت به".

من المعروف بأن ترشيحا اعتبرت قبل عشرات السنين وحتى قبل سنوات الاحتلال مركزا تجاريا هاما جدا للمنطقة ومحورا هاما للتجارة بين فلسطين والشام قبل الاحتلال, وفيها تواجدت المصالح وأصحاب الحرف المختلفة, ولكن مع مرور السنين وتطور المواصلات, التجارة والتمدن الحضاري, بالإضافة إلى هجرة معظم سكان ترشيحا زمن الاحتلال, أدى الى هبوط معين في مكانة البلدة التجارية, واليوم بعد عشرات السنين لا تزال ترشيحا مركزا تجاريا هاما بالرغم من الوضع الاقتصادي السيئ, حيث يتوافد إليها العديد من التجار والوكلاء يوميا وبدون انقطاع.

في مكان تواجدنا, في مكتب منذر, تتواجد بناية ضخمة عبارة عن مركزا تجاريا يُدعى بناية "كان زمان", يحوي بداخله مصالح, دكاكين, ومكاتب للإيجار, حيث تم بناء هذا المركز منذ بضع سنوات على يد رجال أعمال من ترشيحا ليصبحا مركزا تجاريا واسعا وعصريا.

حين حضر منذر لترشيحا منذ ثلاث سنوات ونصف, وضع نصب عينيه هذا المركز, حيث إشترى في البداية عدة مكاتب في المركز للإيجار, وعلِم من قبل المسئولين بأنه هنالك للمركز مرحلة استكمالية لمشروع "كان زمان", حيث تواجد بجانب المركز عدة مصالح ومحلات تجارية قديمة سيتم هدمها من أجل بناء المرحلة القادمة من المشروع, وهنا تبلورت الفكرة عند منذر لكي يُحقق ما فكر به قبل 35 عاما, حيث يقول منذر في هذا الصدد: "أحب هذه المنطقة, وطالما حلمت بتطويرها, أردت أن أُعيد ترشيحا لعهدها الذهبي القديم, حلمت بإقامة مركزا عصريا يُليق بمكانة ترشيحا ومن هنا بدأت فكرة ولادة سيتي سنتر ترشيحا".

حين يجد الأسد أو النمر فرصة مناسبة للانقضاض على فريسته فيفعلها في سرعة البرق كي لا تضيع عليه, وهكذا فعل منذر, حين أراد تحقيق إحدى أحلامه, فلديه الإمكانية للشراء, وهذا ما فعله حيث تم شراء قسم من المركز التجاري "كان زمان" مع المرحلة ب (المشروع ألاستكمالي), وأخذ على عاتقه بتطوير المركز ليكون عصريا من جميع النواحي, ومن جهة ثانية بدأ بتخطيط المركز الجديد كيفما أحب وأراد, حيث أعطى إسما جديدا للمركز والذي سيُعرف بعد وقت ليس بالكثير ب "سيتي سنتر ترشيحا ".

و هل أحلامك تتوقف عند هذا المشروع الضخم؟؟

يبتسم منذر قائلا: "فسوطة حبيبة قلبي, لم أنساها, ومؤخرا اقتنيت قطعة أرض في المنطقة, حيث لدي حلم أخر أود تحقيقه, وهو بناء مصنع كبير في مجال الألكترونيكا وما شابه ذلك ليستوعب أكثر من 200 عاملاً, وهدفي إشغال عدد كبير من بلدتي الحبيبة فسوطة والمنطقة( ترشيحا, معليا وغيرها من البلدات المجاورة), المشروع في قيد التخطيط على أمل أن أبدأ به في المستقبل القريب".

هل من كلمة توجهها لرجال الأعمال والمبادرون في المنطقة؟

أقول لكل هؤلاء كنصيحة متواضعة, أن يضعوا أمامهم بأن الفشل غير وارد بالحسبان, بدل أن يُفكروا في التخطيط للفشل, وهذا ما يحصل مع الكثير من رجال الأعمال, وهذا يُعتبر خطأ فادح منذ البداية, يجب عليهم أن يُفكروا دائما بالمسار الايجابي حتى لو كان الوضع صعبا ومُحرجا, فيجب أن يكونوا متفائلون دائما.

ويُضيف قائلا: "يوجد خامات وإمكانيات تطوير هائلة في المنطقة, وخصوصا بعد دخول إسرائيل السوق الأوروبي المشترك, حيث التشجيع للاستيراد والتصدير ضخما, والضرائب قليلة نسبيا لدول أُخرى".

وصيتي الأولى أن أُدفن في فسوطة

لكل إنسان على وجه الأرض مسيرة حياة وعطاء, ولكن لا بد كذلك من استقرار نفسي وذاتي فأين يرى نفسه منذر خوري بعد هذه المسيرة الضخمة والطويلة بعد العُمر المديد؟

فسوطة, فسوطة, ومرة أخرى فسوطة, بكل تواضع لم ينقصني شيء في حياتي, لدي البنايات, المشاريع, وبيوت عديدة, لكن لا مكان في الأرض يأخذ مني فسوطة, يوما ما سأعود لأسكن في فسوطة, ووصيتي الأخيرة هي دفني حين يأخذ الله أمانته في بلدتي الغالية ومسقط رأسي فسوطة.


استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]