بأقدام تخبط الأرض، معلنة معجزاتها التي تطرب الأرض فرحاً، بنغمات تشع فرحاً وثقة صعد الطفل المعجزة محمد حسن إلى المسرح بأمسيته الموسيقية الأولى، أنفاس قطعت تترقب نتيجة التجربة، فهل سينجح ذلك الطفل الذي لم يمنحه الله ذراعين كبقية أطفال العالم بالعزف على العود؟ أم أنه سيفشل لصعوبة التجربة؟ 

وجاءت الإجابة سريعة جدا وقبل أن يبدأ محمد العزف، كان يخلع حذاءه وجوربه من قدمه، ليقدم تلك الأغنية التي اختارها من قائمة طويلة قدمها له أستاذ العزف، جورج قندلفت، أصابع أقدام من ذهب، أطربت الحضور بدفء شجاعتها، التي أعلنها للجمهور ليلة أول أمس عندما صعد إلى خشبة مسرح مركز محمود درويش الثقافي، ليشارك أستاذه العزف في أمسيته الخاصة.

كلن عندهن سيارات وجدي عنده حمار...

بدأ اللحن يتسرب من آلة العود التي رقدت على الأرض، " كلن عندهن سيارات وجدي عنده حمار بيركبنا خلفه بياخدنا مشوار..." أغنية زادت من قوة محمد ليترجمها على حالته، فالجميع لديه ذراعين تساعدانه على العمل، لكنه لا يملك ذراعين كالبقية، والجميع يصفر لمحمد ليقول له أنت لا تستطيع، لكنه اليوم يعزف ليثبت للجميع أنه قادر على ذلك حتى بالرغم من صفيرهم، فهو يملك قدمين وإيمانا بموهبة تساعده على الوقوف أمام مئات المتفرجين، يعزف بقدميه. 

أولى خطوات العزف

بدأت حكاية محمد مع العود قبل شهور قليلة، عندما تساءل رفاقه إذا كان يستطيع العزف على آلة موسيقية، دار السؤال كثيراً في عقل محمد الصغير، ليتحدى الطبيعة التي اعتاد الجمهور على رؤيتها، فالعود دائماً في يد العازف لا تحت أقدامه، توجه محمد إلى عازف العود الفنان جورج قندلفت، ليقوم بتعليمه العزف على العود. 

وكم كانت مغامرة شيقة يخوضها محمد في تعلم الجديد، الذي يجعله يدخل عالم الموسيقى المميزة من أوسع أبوابه، فهو الطالب الصغير الذي يملك من القدرات ما يجعله متميزاً عن جميع أبناء جيله، بدأت المغامرة وحصد محمد نجاحها اليوم وهو يقف أمام الجمهور الذي يتمايل طرباً لتلك المعزوفات التي يقوم بعزفها.

العود تحت أقدام محمد

بدأت خطواته الأولى بمساعدة شقيقته الكبرى، فهو يرغب بتعلم العزف على العود، تلك الآلة التي أصبحت تصاحبه منذ شهور، تسعده وتقوي من عزيمته، كانت شقيقته في البداية تقوم بمساعدته على تثبيت العود تحت أقدامه، وتتعلم منه العناوين الكبرى لتعلم آلة العود، لتستطيع مساعدته في العزف. 

لكن بعد شهور مضت في مصادقة تلك الآلة المميزة، كان لابد من تحرير شقيقة محمد من مساعدته ليقوم بالعزف منفرداً بدون مساعدة أي عازف غيره، فهو الذي اعتاد أن يكتب ويرسم ويصافح الأصدقاء بقدمه، كان عليه أن يعتاد على أن يكون العازف الوحيد الذي يعانق أوتار العود بأصابع قدميه.

قوة، وإصرار وبريق عينين 

التقيت محمد بعد انتهاء الأمسية، كنت أريد تحيته على تلك القوة الرهيبة التي يملكها، لكني لم أجد القوة تبرز وحدها من عيني محمد بل الإصرار والتحدي بين جوانبها، التي تخرق عيني المتحدث إليه، فيكفي أن تنظر إلى عينينه حتى تغرقك تلك القوة التي بداخله، لتصبح قوة الحديث تتغلب على الشفقة التي يفكر فيها المتحدث مع محمد قبل بدء حديثه. 

فرحة رسمها محمد بابتسامته الطفولية الجميلة، التي تظهر خجله المتواري خلف ابتسامته الساحرة، من المديح الذي انهال عليه من الجمهور، شعوره بالفرحة كان كبيراً، وهو يتسلم باقة الورود في نهاية الأمسية من القائمين عليها، وازدادت الفرحة مع التصفيق الحار لمحمد من الجمهور الذي إغرورقت عيون البعض بالدموع عجباً لتلك القوة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]