استلم المعماري الكبير " فرانك لويد رايت " من " هيلا ريباي " المستشار الفني لـ " سلومون جوجنهايم " جواب تطلب منه تصميم مبنى بمثابة بيت يحوي لوحات الفنان جوجنهايم . أدى هذا المشروع لحدوث بعض النزاعات بين المعماري فرانك لويد رايت و بين بعض عملاءه ، و كذلك مع دائرة الفنانين و في الوسط الإعلامي و أثر كل ذلك في الرأي العام العالمي. و قد مات كل من " جوجنهايم " و فرانك لويد رايت " قبل الانتهاء من بناء متحف جوجنهايم نيويورك 1959 .

متحف جوجنهايم لا يمثل فقط تحفة معمارية ، بل كان اختبارًا لعبقرية مصممه فرانك لويد رايت ؛ و كان واضحًا في التصميم مدي جرأة المصمم و روح المغامرة و التي تظهر بشدة كلما حاولت اكتشاف المبنى أكثر و أكثر .

"فرانك لويد رايت" لم يخفي اعتراضه على اختيار جوجنهايم في بناء المتحف في مدينة نيويورك الأمريكية و لقد كتب ذات مرة قائلا : " يمكننا اختيار أكثر الأماكن روعة في العالم لبناء هذا المتحف العظيم " حيث كتب ذلك للمعماري " آرثر هولدن " و الذي رد عليه قائلا : " و لكن علينا تجربة نيويورك ".

كان اعتراض " فرانك لويد رايت " على مدينة نيويورك بسبب زحامها وكثرة البناء و الأبراج و السكان ، و كان رأيه أنها لا تتحمل مبنى كهذا ؛ و كذلك المبنى لن يناسبه هذا المكان . و لكنه في النهاية تماشى مع رغبة عميله والمالك للمبنى " جوجنهايم " و تم اختيار أماكن في شارع 36 و شارع 54 ومنتزه " أفينيو " ( كلها مناطق تقع في منهاتن ) في مقاطعة " ريفيرديل " في " برونكس " ؛ و ذلك قبل أن يقع الاختيار على مكان المتحف الحالي في شارع منتزه " أفينيو " الخامس بين شارعي 88 و 89 .

موقع المتحف يقابل حديقة كبيرة مركزية تبعث الراحة النفسية للزائرين و تبعد نسبيا عن زحام نيويورك و ضوضاء المرور .

الطبيعة الجميلة في الحديقة المركزية والتي يطل عليها مبنى المتحف الحالي تعطيه طابعًا خاصًا ، وتحيطه بجو من الخصوصية . يعد مبنى متحف جوجنهايم منتج مادي و دليل فعلي لمهارة المعماري " رايت " على التشكيل المرن للمباني وإظهارها بشكل عضوي لين .

وتأثر المعماري هنا بمبنى معبد مدرج Babylonian ؛ حيث مسارات الحركة في المعبد عبارة عن تجميع للزوار في غرف متصلة ثم التوجه عبر مسارات وممرات إلى الأماكن المختلفة مما يبعث التشويق و المتعة في التجول ؛ و بدلا من ذلك فكر "فرانك لويد رايت " بتجميع الزائرين لأعلى جزء في المتحف بواسطة مصاعد ثم تبدأ الحركة خلال المتحف من أعلى إلى أسفل بشكل طبيعي و غير ملحوظ و ذلك لأن مسارات الحركة عبارة عن "Ramps " حلزونية الشكل ذات ميل طفيف ، يتحرك الزائرون عليه حتى يصلوا لأسفل مرة أخرى . و المحلات التجارية الموجودة في المتحف و التي يباع فيها بعض التحف و الهدايا التذكارية و الكروت ، تم تقسيمها إلى أجزاء تكوينية كل جزء مستقل مثل تقسيم ثمرة فاكهة .

وتوجد ساحة كبيرة" Big Rotunda " وهي بالأصح تعد فناءً داخليًا ضخمًا يسمح برؤية طوابق متعددة و معروضاتها في نفس الوقت ؛ نظام التغطية الإنشائية للفناء هي القشريات " Shells " حيث تغطي فراغات مستمرة ذات بحور كبير تتداخل فيما بينها .

المبنى الرائع لفرانك لويد رايت يعد طابعًا أو بصمة في عالم التكوينات الهندسية الحديثة ، فالمبنى عبارة عن سيمفونية من المثلثات و الأشكال البيضاوية و المنحنيات و المربعات و الدوائر
و المنسجمة بشكل أكثر من رائع ، حيث تعد الأشكال أصداء لمباني مجاورة أو عناصر مكونة للمبني ، فنرى الشكل البيضاوي يمثل صدى لهندسية النوافير الموجودة ، وكذلك المركزية الدائرية مأخوذة من التكوين الدائري للفناء والساحة الدائرية " Rotunda " . و كان من المفروض أن يلحق بالروتاندا الكبيرة روتاندا أخرى صغيرة و برج صغير أيضا كان يطلق "رايت" عليهما المونيتور أو المرصد ، وكان من المفروض أن تصبح الروتاندا أو القاعة الصغيرة بمثابة بيوت لكل من "جوجنهايم" و مستشاره الفني "ريباى" ؛ و لكنها بدلا من ذلك أصبحت مكاتب إدارية و غرف تخزين .

في عام 1965 تم إعداد الدور الثاني من المتحف و تحضيره لاستقبال المعروضات المؤقتة ، و أثناء عملية تجديد التحف بين عامي 1990 و 1992 تحول الدور الثاني لمنطقة عرض داخلية كبيرة ، بحيث يواجه مبنى "Thannhauser Building " بحيث يعد أعظم محدد يواجه متحف جوجنهايم من حيث الموقع و عظمة التاريخ .

كانت من المخطط عمل البرج بجوار الروتاندا الصغيرة و يحتوي على غرف للفنانين و استوديوهات عمل صغيرة و لكن الفكرة لم تلقى القبول و لم تنفذ و ذلك لأسباب فنية .

قام " ويليم ويسلي بيترز " ابن المهندس فرانك لويد رايت بعمل ملحق إداري و مخازن للمعروضات الفنية و ذلك في عام 1968 ، والبرج يخدم أربع قاعات عرض إضافية .

اكتمل تصور فرانك لويد رايت للمتحف عمليًا بعد 35 عام منذ البدء في إنشاؤه . و في عام 2001 تم افتتاح "مركز ساكلر " لتعليم الفنون بجوار الروتاندا الكبيرة " الرئيسية " ، وتم افتتاحه لعامة الناس ، و مساحته حوالي 8200 قدم مربع ، و هو يعد عنصر تعليمي ثقافي رائع بالإضافة إلى احتوائه على مسرح "بيتر لويس " ؛ و هو يعد جزء من تصور المعماري فرانك لويد رايت لمبنى المتحف .

الكثير من الناس و خاصة الفنانون انتقدوا تصميم فرانك لويد رايت ، حيث اعتبروا أن تصميم المتحف يضاهي الأعمال الفنية الداخلية و التي يجب أن تجذب الزائرين و لكن إبداع تصميم رايت ربما تفوق على كل ما يعرض بداخل المتحف ، و كتب " رايت " في هذا الشأن أن تصميمه اعتمد على عدم وجود تصادم أو انفصال بين المعروض و مكان العرض بل لقد كوّن سيمفونية متناغمة و مكتملة الصيغ ، و هذا هو الإبداع الذي لم يتواجد من قبل ، فلقد جمع بين الهندسية التكوينية و مرونة الطبيعة في آن واحد .

يعد متحف جوجنهايم من أهم و أكبر المتاحف العالمية و أيضا يعد من أهم أعمال المعماري الكبير فران لويد رايت .
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]