في أعقاب سن سلسلة من القوانين العنصرية في الأسابيع الأخيرة، من قانون النكبة، وقانون عزمي بشارة، وقانون لجان القبول، قانون أعضاء الكنيست العرب، وحتى قانون منع المقاطعة، كما باتوا يلّقبون في أروقة الكنيست... وما زال الحبل على الجرار...

التقى مراسلنا بالدكتور يوسف جبارين المحاضر في القانون في جامعة حيفا ومدير مركز دراسات والناشط في حقوق الانسان، في محاولة لتحليل التغيير في السياسية الاسرائيلية وتوجيهاتها في السنوات الأخيرة، وبشكل خاص في ظل حكومة اليمين العنصرية الفاشية، فيقول جبارين أن هذه القوانين العنصرية تحاول قوننة الأيديولوجيات!!!

ويقول جبارين في معرض حديثه: "الجديد في الأسابيع الأخيرة هو أن اقتراحات القوانين التي كانت حتى الآن مجرد اقتراحات نظرية صارت اليوم قوانين سارية المفعول بحسب القانون الاسرائيلي، ونرى الآن أن حزب "يسرائيل بيتينو" بنهجه العنصري الذي بدأه في فترة الانتخابات يقوم بتطبيقه، وهذا الخطر. فحتى الآن كان حزب "يسرائيل بيتينو" يتحدث أكثر على مستوى الشعارات، على مستوى التحريض، والآن هناك قوانين عمليا تطبق على أرض الواقع، والتي تلزم كل من يعمل بمجال القانون في البلاد.

أول قانون كان ذلك الذي يمس بشكل خطير بأبسط حريات التعبير للانسان العربي الفلسطيني في هذه البلاد، وهو القانون الذي يسمى قانون النكبة، والذي يمنع أي مؤسسة جماهيرية كانت من احياء ذكرى النكبة، وحتى يمنع النشاط السياسي اذا كان هذا النشاط يعارض دولة اسرائيل كدولة يهودية. ولكن الواقع أن هذا القانون يمس غالبية مؤسساتنا الجماهيرية، بدءًا من السلطات المحلية ورؤساء السلطات المحلية، اضافة الى المراكز الجماهيرية وحتى مدارسنا. لا يعقل أن تدعي الديمقراطية من ناحية ولكن من ناحية أخرى تريد أن تمنع النقاش حول هذه القضايا"..

يحاولون قوننة الايديولوجيات

ويواصل حديثه قائلا: "هم يهدفون بذلك يحاولون قوننة الايديولوجيات، أي أن يسرائيل بيتينو بفكره العنصري يحاول أن يضع ذلك بالقانون ويحاول أن يمنع بواسطة القانون الأفكار التي تخالفه الرأي، وبشكل خاص الخطاب والحديث عن التاريخ الفلسطيني، الهوية الفلسطينية، تطوير الهوية الفلسطينية...

أعتقد أنه كان هناك فشل في محاولات محو هذه الذاكرة والآن يحاولون القيام بذلك من خلال القانون.

فكما يبدو وبعد أن فشلت الحكومة في محاولاتها لمحو هذه الذاكرة على ارض الواقع، ورأينا كيف شعبنا ينظم النشاط الوطني في كل عام، المسيرة التقليدية الى القرى الفلسطينية المهجرة مثلا، وبعد أن فشلوا بذلك الآن يريدون القيام بذلك من خلال القانون الاسرائيلي. وأرى بذلك محاولة تخويف، تخويف القيادة السياسية، تخويف القيادات المحلية، تخويف الناشطين الجماهيريين وتهديدهم.

الأمر الخطر بذلك هو أن محاولات التخويف الآن تأتي من خلال ميزانيات ومن خلال وزارة المالية، أي أن الحكومة نفسها تستطيع أن تعاقب.

عادة العقاب هو موضوع نضمنه فقط في المحاكم، الآن المشرعن الاسرائيلي يقول اذا قمت بذلك، الآن وزير المالية يستطيع أن يعاقبكم بسحب الميزانيات، وهذا خطير!! خطير لأنك تضع صلاحيات المعاقبة بيد السلطة التنفيذية، وهي سلطة تمييزية كما نعرف".

جبارين: أخاف أن يواصل اليمين حملته ليطال جميع الفعاليات الجماهيرية والخاصة في مجتمعنا

وأردف د. جبارين قائلا: "الخط الذي يمكن أن نراه الآن هو أن يكون قانون النكبة فقط الحلقة الأولى، بمعنى أنهم الآن يمنعون المؤسسات الجماهيرية من القيام بهذه النشاطات، وقد يكمّل المشروع بأن يمنع حتى الأشخاص من المشاركة بهذه النشاطات، وأن يمنع حتى المصالح التجارية والمصالح الخاصة من القيام بمثل هذا النشاط. ونرى أن الأمر تدريجي، بداية يستهدفون السلطات المحلية والمدارس ومن ثم يستهدفون الجمعيات، ومن ثم يستهدفون المصالح الخاصة، وهذا في فكر اسرائيل.

واذا سألت هذا الحزب او اليمين بشكل عام عن رأيهم يقولون لك أنهم يريدون أن يمنعوا ذلك أيضا على مستوى المؤسسات الخاصة، وأخاف أن يواصل اليمين حملته من خلال هذا القانون ليصل لكل الفعاليات الجماهيرية والخاصة في مجتمعنا".

لجان القبول: كيف يمكن أن ترفض العنصرية من جهة ومن جهة أخرى أن تسن هذه القوانين التي تعطي هذه الصبغة؟؟!!

ويحدثنا جبارين عن بقية القوانين العنصرية التي صادقت عليها الكنيست مؤخرا، فيقول: "القانون الثاني، وما يسمى بقانون لجان القبول، ولكن على ارض الواقع هي لجان تمييز بالفعل، فالقانون يعطي صلاحية واضحة لهذه اللجان ألا تقبل شخص بما يسميه القانون "عدم الملائمة الاجتماعية".

ونحن نعرف أن هذا التسويغ، هذا السبب، استعملته هذه اللجان من أجل رفض المتقدمين العرب، والآن يبدو أنهم بهذا القانون تواصل الحكومة السياسة التي انتهجتها بما يتعلق بالأراضي وهي منع العرب من الحصول على امتيازات أو السيطرة على الأراضي في البلاد.

بدأ هذا في العقدين أو العقود الثلاث الاولى من قيام الدولة عن طريق مصادرة الأراضي، والآن يريدون أن يمنعونا من حتى السكن او استعمال الأراضي التي صادروها عندما تقوم هناك بلدات جديدة، مما يستهدف الانسان العربي بشكل خاص، وهذا ما صرّح به غالبية الساسة الذين دعموا هذا القانون. وباعتقادي هذا القانون يضع علامة سؤال حول كل ما تدعيه الحكومة الاسرائيلية من ناحية المساواة ورفض العنصرية، فكيف يمكن أن ترفض العنصرية من جهة ومن جهة أخرى أن تسن هذه القوانين التي تعطي هذه الصبغة؟!؟!".

القانون أقرب الى قوانين التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا!!

ويتابع حديثه قائلا: "أبحاثنا في هذا المجال تدل انه لا يوجد أي نظام يدعي الديمقراطية يمكن أن يسن هذا القانون، فهذا القانون بطبيعته أقرب الى قوانين التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا أو في الولايات المتحدة وقت التفرقة العنصرية. الآن اسرائيل تمشي بعكس تطوّر العالم، العالم يتطوّر باتجاه المساواة والمجتمع المفتوح وحقوق المواطن للجميع، ولكن القانون الاسرائيلي يعيدنا الى الوراء، الى فترة التفرقة العنصرية، بحسب القانون وبشكل واضح دون حتى محاولات تجميلية لهذا القانون"!!

قوانين "على الطريق": حقوق أعضاء الكنيست العرب، وشطب جمعيات!!

ولا يكف المدّ الفاشي للقوانين العنصرية عند هذا الحد، فبعد أن سنّت هذه القوانين العنصرية، ما زالت على أجندة الكنيست العديد من اقتراحات القوانين العنصرية، والتي كما يبدو سترى النور هي الأخرى قريبا، ويطلعنا جبارين، الذي يراقب الأحداث من موقعه كباحث ويتابع كل ما هو جديد في هذا المجال، فيقول: "هنالك اقتراحات قوانين تبحث الآن في الكنيست، وعلى ما يبدو سيستمرون بمباحثتها بعد العطلة القريبة، هنالك قانون يتعرض لحقوق أعضاء الكنيست العرب، ويحاول بشكل خاص أن يمنع خطاب سياسي داخل الكنيست وداخل الأحزاب التي ترفض يهودية الدولة.

قانون عزمي بشارة هو أحد هذه القوانين، وهو يحاول منع أي امتيازات مادية لأي عضو كنيست كان كما يقولون قد مارس أعمالا تمس بالدولة وأمنها، وهذا سيفتح المجال لملاحقة أعضاء الكنيست بحسب تصاريحهم واعمال. وكما ذكرت هناك القانون الذي يمنع تصريحات لرجل جمهور منتخب برفضه ليهودية الدولة، واستمرارا لذلك هناك محاولة لتوسيع هذا القانون الى الجمعيات الأهلية، بمعنى أنه سيتم عدم تسجيل جمعية جماهيرية أو أهلية اذا كانت ترفض ايضا يهودية الدولة. وهذا الأمر رأيناه حتى الآن في القانون الاسرائيلي بما يتعلق بعمل الاحزاب، ومحاولات لشطب الأحزاب التي لا تعترف بيهودية الدولة، والآن يريدون أن ينقلوا هذا النقاش للجمعيات، فسيحاولون شطب جمعيات وليس فقط أحزابا، ومن هنا تنبع خطورة الموضوع".

تجريم تأييد مقاطعة اسرائيل ومنتوجات المستوطنات

ويضيف جبارين في حديثه عن الجمعيات الأهلية: "حديثنا عن الجمعيات والعمل الأهلي يقود الى قانون اضافي، وهو الذي يقوم بتجريم أي مشاركة أو أي تأييد لعمليات مقاطعة ضد اسرائيل وضد منتوجات داخل اسرائيل ويشمل أيضا منتوجات المستوطنات. ونحن نعرف أن القانون الدولي واضح هنا، وأن المستوطنات نفسها هي مستوطنات غير قانونية، يعني أبسط ما يجب أن يفتح له المجال هو أن تعارض بشكل مبدئي أو ان تستعمل ما تنتجه هذه المستوطنات، وهذا قانون في الاتحاد الأوروبي أن لا يتم ايضا استيراد هذه المنتوجات. القانون الاسرائيلي يسعى لتجريم هذه المواقف لكي يمنع أي مؤسسة أو جمعية في اسرائيل، من أن تكون شريكة في عملية المقاطعة. وهو طبعا منافٍ لحقوق الانسان، منافٍ لحرية التعبير، حرية العمل السياسي، وغيرها.

ونحن نعلم أن مقاطعة الامور غير القانونية التي ميّزت النظام في جنوب أفريقيا، قادت بشكل واضح فيما بعد الى انهاء هذا النظام وانهاء التفرقة العنصرية. لا يعقل أن تعود اسرائيل الآن الى الوراء، ولإجبار العالم أو المؤسسات داخل اسرائيل أن تتعامل مع ما هو غير قانوني وكل ما يتعلق بالمستوطنين ومنتوجاتهم. وهذه محاولة اضافية لقوننة الأيديولوجيات.

هذا موقف سياسي ويجب أن يكون شرعيا، لكن اسرائيل تريد أن تمنعه الآن من خلال القانون"!


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]