استضاف مركز مساواة لحقوق الأقلية الفلسطينية في اسرائيل، في قاعة مسرح الميدان في حيفا يوم أمس الثلاثاء مسرحية "أنا حرة" بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني.
المخرجة فالنتينا أبو عقصة، والتي أيضا تمثّل الدور الرئيسي في المسرحية، تقوم بدور الأسيرة الفلسطينية الصامدة التي لا ترضخ لكل محاولات المحقق الاسرائيلي (الذي يقوم بدوره الفنان الحيفاوي اياد شيتي)، لانتزاع تصريح واعتراف منها بشتى الطرق، المشروعة وحتى غير المشروعة منها بالتهمة المنسوبة اليها.
ورغم أن هذه الظروف غير الانسانية التي يتعرض لها الأسرى، وبشكل خاص الذين يعتبرون "أمنيون" منهم، قد يتعرضون لها لساعات طويلة وحتى أيام واسابيع، الا أن المسرحيّة تصوّر الواقع والتخبطات والآلام التي يعيشها هؤلاء الأسرى خلال التحقيق معهم، والذي لا بد أن نقول عنه انه جحيما بحد ذاته، خلال حوالي ساعة ونصف.
ولا تكتفي المسرحية التي تعتمد على شهادات حية من أسيرات، بعرض المعاناة الجسدية التي يتعرض لها هؤلاء النساء، وانما أيضا تصوّر المعاناة النفسية، الإهانة، الذلّ، التحقير، والأهم الصمود في وجه الاحتلال وأذرعه الطويلة!! لتمنحنا صورة شاملة عن واقع نجهله، نحن عامة الشعب الذين لم نختبر هذه التجربة القاسية، محاولة فتح عيوننا على اللاانسانية التي يعايشها كل من يدخل في قبو التحقيق الظالم والمظلم، والتي عاشها قرابة الربع من شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة بحسب تقارير وزارة الأسرى الفلسطينية، في حين لم يعشها من أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني الا القلة...
ففي الوقت الذي يحاول فيه المحقق انتزاع اعتراف الأسيرة، عبر خداعها ربما بقوله أن هذا رفيقك اعترف وأقرّ باسمك، وما عليك الا أن توّقعي على الاعتراف... ترى الأسيرة صامتة، تجولها أفكار كثيرة، ولكن حين يجبرها على كتابة اعترافها بخطها، بعد أن ردّت عليه: “لماذا أنت بحاجة لاعترافي، لديك اعتراف رفيقي كما قلت".. ترفض فيحاول اقناعها عنوة بالاعتراف، مهددا اياها بالتعرض لأهلها وأقاربها وأحبائها، ولكن حتى التهديد لا يكسر شوكتها. وتصل الدراما في المسرحية الى ذروتها، بما يمكنني أن أطلق عليه "محاولة الاغتصاب"، وتهديده بالتعرض لشرفها، فبعد الشتائم التي لا تعد ولا تحصى من المحقق المذكور، يؤول لاستخدام وسائل العنف الجسدي، ضاربا رأس الأسيرة مكبّلة اليدين بالطاولة وتقاذفها بين مكان وآخر، مصوّرا لمعاناة الأسرى في غرف التحقيق بشكل واقعي جدا كما سمعنا من شهادات الأسرى شتى...
وبعد فشل محاولات العنف الجسدي معها، يلجأ الى محاولات الاغراء عارضا عليها الجاه والمال وانه سيضمن لها أن تسافر للدراسة في الخارج وما الى ذلك، ولكن المغريات لا تفيد بشيء، فالصمود هو عنوانها... وبعد كل هذا، يبقى أن يحصل على اعتراف منها، ولكن ما تكتبه على الورق يكون مفاجأة وصدمة كبرى!!!
الأهم من كل ذلك، هو الصمود، ولربما تكون هذه الرسالة الأبرز من المسرحية، الصمود، الصمود، ثم الصمود، فلا مجال للأسرى غير الصمود في وجه الظلم، الذل، الاحتقار، الإهانة، التخويف، والقمع. لتبقى تلك الأسيرة، حرة بنفسها وبذاتها، رغم قبوعها ربما في زنازن الاحتلال!!

من جهتها قالت أبو عقصة: “لم يكن بالامكان أن أبادر في طرح قضية في مثل هذا الحجم، الأهميّة والخطورة، وأختار طريقا شائكا... الا بعد تيقن أن نضوجي الفكري والمهني والحياتي يسعفني على ذلك، فانطلقت ليس بحثا عن الحقائق فقط وإنما عن أدق التفاصيل فيها، وقد تيقنت وأدرت بعد كل قراءة مستفيضة في هذا الشأن لا أعرف شيئا واريد أن أعرف أكثر.. وعن قراري في جعل هذه الأوراق تنطق واختيار البحث الميداني، لب هذا المشروع، دفع بي الى التحدي لألتقي وجها لوجه مع عدد من النساء اللواتي جسّدن بطولات في سجون الاحتلال.. وفي الحقيقة هي ليست لقاءات، هي غوص في اللامعلوم وكشف عن المخزون الذي أذهلني وجعل هذه التجربة تحمل وزنا لا يقدر عندي بأي ثمن وبأي ميزانية يمكن أن يتوقعها أي مشروع مسرحي. فتأتي هذه التجربة لاستحداث حالة مسرح لا تنطلق من نص جاهز لتجارب شعوب آخرى، بل من تجهيز وكتابة نص ينطلق من الحالة الفلسطينية"!!

 

تصوير: "ميشيل دوت كوم"

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]