في الوقت الذي يجلس فيه عشرات آلاف العائلات العربية حول مائدة الإفطار في شهر رمضان، تجلس بالمقابل العديد من العائلات حول مائدة فارغة من الطعام، او تحوي القليل من الطعام. الجوع، الذي يشعر به البعض في فترة الصيام، تشعر به العائلات الفقيرة طوال أيام السنة... هذه حال عائلة السيدة أميّة (اسم مستعار) التي تسكن في حيفا.

زوجة معنفه

أميّة، سيدة فلسطينية، ولدت وترعرعت في إحدى قرى محافظة جنين الفلسطينية، تزوّجت في العام 1995 من رجل من الجليل، ورزق الزوجان بطفلين، ذكر وأنثى، باتا اليوم في سن المراهقة!... وتبدأ أميّة بقصّ قصتها علينا قائلة: “أنا من منطقة جنين من السلطة الفلسطينية، تزوجت لشخص من الجليل في العام 1995، طوال أربع سنين كان يعنّفني ويمارس العنف بحقي وبحق أولادي وبعدها قررت الطلاق منه، بعد أن تطلقت واجهت الكثير من المشاكل، وانحرمت من الكثير من الأمور والخدمات من قبل الدولة، عملت المستحيل ليبقى أولادي معي وتوجهت لمؤسسة عدالة لتساعدني على البقاء مع أولادي في البلاد أو ربما الحصول على جنسية اسرائيلية تسمح لي بالعمل وتمنحي الحقوق التي يستحقها هؤلاء الأولاد”!!
 
خطر التشريد

وبعد أن تطلّقت من زوجها العنيف، مطلع العام 2000، واجهت أميّة صعوبات كثيرة، من جهة دولة اسرائيل تعتبرها مواطنة فلسطينية وتمنحها تصريح مؤقت للعيش في اسرائيل مع أولادها، الذين ولدوا باسرائيل، واذا لم يكن ذلك كافيا، فالسلطات الاسرائيلية تهددها دوما بالتهجير وإعادتها الى بلدتها الأم ،في حين تأخذ منها السلطات أولادها لتضعهم في مدرسة داخلية أو مؤسسة ما أو حتى في عائلة حاضنة، خصوصا بعد أن تنازل والدهم عنهم".

 توجهت لعائلة زوجي عدة مرات

وحول توجهها لزوجها ليساعد في إعالة ولديه، تقول أميّة: “توجهت لعائلة زوجي عدة مرات.. قالوا لي أتركي الأولاد لنا وعودي الى أهلك، هذا غير مقبول عليّ، عندما طالبت بالعودة الى بيت أهلي مع أولادي، رفضت الدولة.. وقالوا "هؤلاء ليسوا أولادك، هؤلاء أولاد الدولة"! أكثر من مرة هددوني بأخذهم مني ووضعهم في مدارس داخلية! هؤلاء أولادي لن أتخلى عنهم... ابنتي حتى اليوم تتلقى العلاج، ابني اليوم يتلقى العلاج النفسي، توّجه لوالده طالبا منه المساعدة فقال له اصرف عن وجهي، ومذ ذاك الحين وهو يتلقى العلاج".

تنازل عن أولاده

واضافات: "زوجي لا يساعد أبدا.. تنازل عن أولاده! توجهت للكثير من الناس ليقنعوه بمساعدتني بإعالة أولاده.. وهذا واجبه الأساسي تجاه أولاده من لحمه ودمه.. ولكنه رفض! قال لي.. لا يمكنني أن أعيّشهم.. قد تنجحين أكثر مني بإعالتهم.. أنت أعيليهم.. تبين لي أنه ليس أبا.. فهو مجرّد من كل الانسانية ومن المشاعر البشرية".

بدون دعم ومساعدة

وحول طريقة حصولها على لقمة العيش منذ أن تطلّقت، خصوصا وأنها معطّلة عن العمل: “بيت النعمة كان مصدر معيشتي الوحيد، فكانوا يساعدونني بالمؤن والغذاء، وفي دفع فواتير الكهرباء والماء والايجار.. منذ بضع سنين توقفت المساعدات وتراجع وضعي الاقتصادي كثيرا... قبل أن أسكن هنا كنت أسكن في منزل آخر فطردوني منه لأني لم أدفع الايجار – 400 شاقل-، وها أنا اليوم أسكن هنا بالايجار وبالكاد أنجح بتسديد التكاليف! لجنة الزكاة لا تساعد كثيرا، منذ بضع سنين لم أتلق أي مساعدة منهم.. فأذكر أن مرة المسؤول عنهم أعطاني ثمن حقنة 310 شاقلا فقط، وبعد مرور سبعة أشهر طلبت منهم 400 شاقل لأسدد ثمن الايجار.. تحدثت معهم، والعاملة الاجتماعية توجهت لهم، ولا حياة لمن تنادي”.

طردت من الداخلية

أما في ردها على سؤال حول المساعدات ومخصصات الأولاد التي تحصل عليها من مؤسسة التأمين الوطني بضمن القانون الاسرائيلي، تقول أميّة: “لا شيء.. ما أن يفحصوا رقم هويتي في الحاسوب، ليتبين لهم أنني فلسطينية فيقولون: لا يمكننا مساعدتك"، وتواصل حديثها قائلة:"حاولت أكثر من مرة أن أتوّجه عن طريق محاكم .. يرفضون الحديث معي، آخر مرة كنت في مكتب وزارة الداخلية أحضروا لي الشرطة.. رفضوا الحديث معي”.

لا يمكنها العمل

وتتابع بوصف حياتها الصعبة: “لا أعمل، لا يمكنني أن أعمل، فحتى تأشيرة عمل في البلاد يرفضون منحي، كوني فلسطينية، ففي هذه الدولة، يجب أن تحصل على وثيقة راتب (تلوش) وفور أن يفحصوا رقم هويتي ترفض الشركات شتى توظيفي لأنه لا يمكنهم إصدار وثيقة راتب لي..

فأنا بت محاربة من جميع الجهات.. الأسبوع الماضي، وقعت، فأنا أعاني من ترقق العظام في ركبتي، دخلت مستشفى رمبام، فطالبوني بدفع فاتورة 800 شاقل.. الطبيب وجّهني لإجراء عملية جراحية والتي تصل تكلفتها الى 7000 شاقل، ولكن لا تأمين صحّي يغطي ذلك! لا املك تأمينا صحيا حتى”!!

شهر رمضان...يبكي أمية فالجزع قاتل

وما إن سألتها عن شهر رمضان الكريم، وكيف ستقضيه وولديها، كيف سيمّر عليهم هذا الشهر المبارك، حتى انهالت الدموع تذرف من مقلتيها، فأجهشت بالبكاء، قائلة: “لا شيء جديد.. الجوع هو جوع”!!!!

لتواصل في رد على سؤال حول طريقة الصمود والبقاء في وجه صعوبات الحياة والوضع الصعب التي تعانيه: "كوني أما مجبرة على الصمود!! لا يمكنني أن أترك أولادي وأن أستغني عنهم.. نفسيّة الأولاد تعود مئة سنة الى الوراء.. أنظر لملابسهم... لا أطلب أي شيء عدا عن العمل أو الهوية أو العلاج.. ولكن الدولة لا تنظر اليّ...  نفسي أرتاح من الوجع الذي أعانيه، هو وجع نفسي، وجع جسدي، وجع قلب... فكرت أكثر من مرة بالانتحار.. ولكن فقط لأجلهم (أولادي) لا أقوم بذلك".

وعندما سألتها عن إمكانية أن تقضي العيد مع أهلها في الضفة الغربية قالت: “بموجب التصريح الذي أحمله أنا ممنوعة من دخول الأراضي الفلسطينية، لأني اذا دخلت أراضي السلطة الفلسطينية لا يسمحون لي بالعودة الى البلاد.. ولن يدخلوني مع أولادي.. فسيتركون أولادي هنا سيأخذوهم منيّ ولن أراهم ثانية... منذ ثمانية أعوام لم أرَ أمي!! والدتي بعيدة عني بعد شعرة ولا يمكنني أن أزورها”!! لتعود الدموع تنهمر على وجنتيها.

ولكن لا تقف قصة أميّة عند هذا الحد.. ففي وجه مشقّات الحياة.. الايمان لا زال يرافقها بكل ما تقوم به.. لتؤكد أنها ما زالت مؤمنة بالله عزّ وجلّ وأنها تضع كل ايمانها وثقتها به لتنجح في مرور هذه الظروف الصعبة.. وتقول: “فكرت حتى بالموت ولكن الموت رافض أن أقترب منه.. لا اله الا الله، يبدو أن ربنا يختبرني.. ولكن ماذا فعلت لأستحق كل هذا؟ لم أقم بعاطل تجاه أحد.. لم أسئ الى أحد.. والله أعلم كيف أنني ما زلت صامدة حتى الآن.. كيف بالكاد أطعم أولادي بكل يوم... نحن نصوم طوال العام.. وليس فقط في شهر رمضان... أحضر الطعام وأبقيه على جنب للأولاد”.

مساعدة المرأة

نحن نعي في موقع "بكرا" أن للإعلام دورًا في نقل الوقائع كما هي، فهو -الإعلام- كما تدعي بعض المدارس الأوروبية، مرآة للواقع.  لكننا نؤمن أكثر أن للإعلام دورًا هامًا جدًا في تغيير الواقع، ليس في رصده فقط، خاصة في المجتمعات التي لا زالت طور البناء.

بناءً عليه نتوجه لحضراتكم/ن ولكل من يرغب بالمساعدة، المعنوية أو المادية، التوجه لموقع "بكرا" على هاتف رقم: 04-6452191 أو التوجه لمراسل حيفا، شاهين نصار على هاتف رقم: 0506818914...ورمضان كريم.
  

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]