من أكبر المبدعين الفلسطينيين الذين عايشوا النكبة ولا زالت تتجسد في أعمالهم هو بدون شك الفنان الحيفاوي عبد عابدي، والذي يتحفنا كل عام من جديد بأعمال فنية مبدعة تصوّر النكبة بعيون من عاشها ولا زال يعيشها في داخله كل يوم.

كنت شاهدا كطفل على نكبة حيفا

ويحدثنا الفنان عبد عابدي عن سقوط حيفا قائلا: "انا من مواليد 1942 في مدينة حيفا، العائلة عريقة جدا في المدينة من الجانبين، وكان لنا تاريخ حافل في هذه المدينة، وفي تلك السنوات كنا إحدى العائلات الكبيرة في حيفا. وكنت شاهدا كطفل على نكبة حيفا، واتذكر في طفولتي المسار من البلدة القديمة في حيفا التي تبعد عن الشاطئ حوالي 500 مترا فقط، وجموع السكان توجهوا الى الميناء حينها وتم نقلنا الى ما يسمى بالزحّافة البريطانية، فالجنود الانجليز جمعوا السكان العرب وحثوهم على الانتقال ومنعوا منهم العودة والرجوع، فنقلونا الى عكا، ومن هناك الى لبنان، بداية الى ميناء بيروت في المكان الذي سُميّ بالـ"كانتينا" وهناك تجمع جموع الحشود من الفلسطينيين المشردين، وأتذكر حينها أني سمعت قول ملاحا عمل في الميناء لزميله "ليك هالمنكوب"، وأتذكر هذا النص لسنوات عديدة، فها هو المنكوب فخذوه وانقلوه الى الشاطئ. مكثنا حوالي سنتين ونصف بالغربة وفي مخيمات اللاجئين، في المية ومية، في صيدا، وثم في دمشق في حي الشاغور. رجوعنا الى الوطن كان فقط لكون والدي لم يغادر حيفا، وبضمن لم الشمل من الجانب الانساني وبضغط من الأمم المتحدة في ذلك الوقت سمح لبعض الآلاف في الرجوع الى وطنهم، كون الموضوع انساني من الدرجة الأولى".

بعد العودة المأساة تجسدت بالرؤيا التي لمستها وسمعتها من مخيمات اللاجئين

ويواصل حديثه: " بعد العودة المأساة تجسدت بالرؤيا التي لمستها وسمعتها من مخيمات اللاجئين ولا شك أن هذه الحالة هي حالة كما يبدو في سنوات متقدمة أكثر لا زالت تؤثر، وأصور الموضوع بشكل تراجيدي، فأتعامل مع التاريخ 22 نيسان 1948  على انه يوم مشؤم في حياة الشعب الفلسطيني وبشكل خاص سكان حيفا، الذين شكلّل سكانها الفلسطينيون حوالي 60 – 70% من مجمل السكان. 70 ألف فلسطيني في حيفا، وما تبقى في سجلات وزارة الداخلية حوالي 2800 فلسطيني فقط!! فالمأساة لا زالت مستمرة بوجود الأهل والشقيقات في الغربة. نحن رجعنا لكن شقيقتي الكبرى كانت متزوجة في ذلك الوقت فكان من المستحيل ارجاعها الى وطنها، فيبقى الوضع هكذا بأن العائلات الفلسطينية مشردة في صور وصيدا ودمشق ودول العالم أجمع".

اعمالي لا تشير الى جانب واحد وهو حيفا.. بل تربطني بالقضية الفلسطينية

اما حول العلاقة بين الفنان والوطن والاعمال الفنية التي تتمثل فيها هذه العلاقة فيقول عابدي: "واضح جدا ان المدينة التي ولدت فيها وعائلتي كذلك وأولادي أيضا، أشعر بداية بانتماء وعلاقة مدهشة ومحبة لجمال هذا المكان، ولا جمال غيره، لكن تبقى القضية ويبقى الموضوع الذي يربطني بذلك التاريخ فيه هاجسا من الألم، اعمالي لا تشير الى جانب واحد وهو حيفا فقط، بل تربطني بالقضية الفلسطينية ككل روابط متشعبة من حيث الابداع الفني. فقمت بتصميم وإقامة النصب التذكاري في يوم الأرض. دراستي في ألمانيا أعطتني مدا تعليمي من جانبا معينا وأدوات تعبيرية مكنتني من خوض الابداع الفني كعنصر مهم في وصف المأساة ووصف النكبة والأحداث تلك".
 

ساعة قديمة لا تقرع أصواتها

اما عن عمله الأخير الذي يحمل التاريخ 22-4-1948، وهي اللوحة الثانية التي يضعها عابدي لذكرى سقوط حيفا، فيقول: "العمل الأخير يحمل التاريخ ذاته 22 نيسان 1948 وهو عبارة عن ساعة قديمة لا تقرع أصواتها، كما الحال في ذلك اليوم المشؤوم من حياة الفلسطينيين في حيفا، بقت عقارب الساعة كما هي ولم تواصل العمل. المعاناة الشخصية والجماعية تبدو في هذه الاعمال، ولذلك أعتقد أن هذا العمل يكرس ويتأرخ في مسار مسيرة الشعب الفلسطيني منذ النكبة الى الآن، والمطالبة في حقه ومساواته في الحيز الذي يعيش فيه". وأكد أن حوالي 530 قرية ومدينة فلسطينية دمرت في النكبة وأن أعماله هي مساهمة في تأريخ الحدث بشكل مرئي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]