لعّل معظمكم سمع يومًا بالماسونية التي تعد واحدة من أكثر الحركات العالميّة إثارة للجدل بسبب الغموض الذي يلفها والمنتسبين إليها، فهناك من يجزم مثلاً أن الماسونية عبارة عن حركة صهيونيّة تسعى لنشر البغاء في العالم ومحاربة الفكر الإسلامي تحديدًا، وهناك جماعة أخرى تفترض جدلاً أن هذه الحركة هي "محرك" أساسي للعالم الذي نعيش فيه، ويؤكد، أصحاب هذا الإدعاء، أن كل المنتسبين للماسونية هم من عظماء هذا العالم وقادته وتسلم الماسوني لمناصب قيادية هو أمر حتمي ومضمون بحسب ادعائهم...

ولأن لغز الماسونية والماسونيون يحيّر الكثيرين ويثير الكثير من الجلبة والتأويلات، التقى موقع "بكرا" الرئيس الأعظم للمحفل الماسوني الأكبر في البلاد نديم منصور.

لم يكن "الرئيس الأعظم" مريبًا، بل على العكس، كان رجلاً رزينًا في عقده السابع من العمر ذو هيبة واضحة، تعتلي وجهه ابتسامة أبوية لا شك فيها ولا ريبة، جالسنا بلطف وأجاب أسئلتنا بلطف وذكاء واضحين..

نحن منظمة أخوية عالمية ولا مكان لشكوك حولنا...

افتتحنا حوارنا بسؤاله عن ماهية الماسونية، سعيًا منا في نيل التعريف الصحيح للتسمية المثيرة للجدل، فأجابنا بذات الابتسامة:" الماسونية بمعناها الحرفي هي "البناؤون" وفي الإنجليزية يطلقون عليها Freemasons أي "البناؤون الأحرار"، وهي عبارة عن منظمة أخوية عالمية بدأت في فرنسا ليس من الولايات المتحدة أو بريطانيا كما يُشاع، يتشارك أفرادها عقائد وأفكار واحدة فيما يخص الأخلاق، الميتافيزيقيا (علم ما وراء الطبيعة) وتفسير الكون والحياة والإيمان بالخالق."

تابع نديم:"تتصف هذه المنظمة بالسرية والغموض في شعائرها منذ بداية تأسيسها مما جعلها محط كثير من الأخبار والإشاعات، لذلك يتهم البعض الماسونية بأنها "من محاربي الفكر الديني وناشري الفكر العلماني، مع العلم أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة فنحن نسعى للارتقاء بمجتمعاتنا ونشر قيم الحب، العدالة والسلام ومساعدة الغير..."

إعمل خيرًا وإرمه في البحر...

سألناه:"ما دامت الماسونية حركة أو أخوية تسعى لنشر الخير لماذا تتعمد الغموض في مسيرتها، أتُراكم تتبعون القول المأثور:"إعمل خيرًا وإرمه في البحر...؟"

أجاب مبتسمًا:"الفكرة صحيحة حتمًا، إننا نسعى لفعل الخير وتقديم المعونات لمن يحتاجها دون التسويق لأنفسنا كجسم خيّر أو كجمعيّة تساهم في رفع القيم الإنسانية والمجتمعية السامية..."

الانتساب...للرجال فقط!

هنا، أعلمناه بأننا سمعنا أن النساء تمنعن من الانتساب في صفوف الحركة، رغم أن العديدات من النساء تتمتعن تمامًا كما الكثير من الرجال بحب العطاء وفعل الخير لمحيطهن وليس مقنعًا أبدًا أن تمنع "جمعية خيرية"، إن صحّت التسمية، النساء الراغبات بفعل الخير في إطارها، فلماذا إذا ليس هناك "ماسونيات"؟

علق منصور قائلاً:"هذه القاعدة ليست وليدة اليوم فالماسونية حركة قديمة جدًا أسسها عمال البناء في عام ما قبل الميلاد وكما هو معلوم فإن العمل في البناء لا يضم نساءً لذا اقتصرت الحركة على الرجال حينها واستمر الحال هلى ما هو عليه، لكن علي التشديد أننا نحترم النساء ونقدرهن حتى انني اصطحب زوجتي الى احتفالات ماسونية محددة كما يفعل كل الماسونيون، لكن انضمامهن للحركة يعد مرفوضًا حسب قوانين ليس لنا يد في تشريعها إنما هي موجودة منذ زمن طويل...!"

سألناه:"هل يمارس (منع الإنخراط) هذا فقط مع النساء؟، فإننا نعلم أن طقوس الانضمام لصفوف الماسونية تعد صعبة جدًا وتتضمن مراحل عدة..."

قال مجيبًا على استفسارنا:"كلامكم صحيح بقالبه لكن مبالغ به بعض الشيء، فإن الراغب بالانضمام للحركة يقوم بتعبئة النموذج الخاص بذلك والمتوفر في موقعنا على الانترنت، وبعد أستلامنا للطلب نسأل عن هذا الشخص وعن حسن سلوكه ومدى ثقافته وعدد من الشروط التي يُقبل بيننا في حال استوفاها جميعًا..."

"ما هي هذه الشروط؟"،سألناه، فقال:" لكي يصبح الفرد عضوا في منظمة الماسونية يجب عليه أن يقدم طلبا لمحفل فرعي في المنطقة التي يسكن فيها، كما سبق وذكرت، ويتم قبول الفرد أو رفضه في أقتراع بين أعضاء ذلك المحفل، أما فيما يخص الشروط أو متطلبات القبول في المنظمة فهي التالية:أن يكون رجلا حر الإرادة، أن يؤمن بوجود خالق أعظم بغض النظر عن ديانة الشخص، أن يكون قد بلغ 18 سنة من العمر وفي بعض المقرات 21 سنة من العمر، أن يكون سليما من ناحية البدن والعقل والأخلاق، ان يكون ذو سمعة حسنة وأن يكون حرا وليس مأمورًا.."

دخول "الماسونيّة" مثل خروجها...!

قلنا:"لنفترض مثلاً أن شخصًا ما انتسب للماسونية وبعد مدة زمنية قرر الانسحاب لسبب ما، هل تعمل الماسونية للقضاء عليه (كما يُشاع) شنقًا أو طعنًا بالسكين لمنعه من كشف أسرار المحفل أم ماذا؟"

أجاب ساخرًا من الإشاعة التي أرفقناها بسؤالنا وقال:"القضاء عليه!، هذا كلام فارغ ومحض أقاويل وإشاعات لا أساس لها من الصحة!، فإن من يقرر الإنسحاب من الماسونية والعدول عن قراره يُترك على سجيته وليفعل ما يُريد، وهناك أمثلة كثيرة على ماسونيين قرروا ترك الحركة لسبب أو لآخر وما زال الباب مفتوحًا أمامهم للانتساب من جديد أو البقاء خارج إطارنا.."

هنالك 3000 ماسوني في البلاد!

أضاف:"أي أسرار تلك التي يُشاع أنها موجودة؟، فالماسونية تضم رموزًا بين صفوف المنتسبين اليها وليست أسرارًا تعرض حركتنا للخطر مثلاً، بل إن هذه الرموز هي ثقافة نتوارثها جيلاً ماسونيًا بعد جيل لنتعرف على بعضنا بهضًا خارج إطار المحافل، لكن ليس هناك أسرار بمعنى الأسرار أبدًا ولا نخاف من فكرة أن يُفشى أي خبر أو معلومة عنّا من أي كان، وبالرغم من أننا اعتمدنا الغموض منذ انطلاق الماسونية في العالم، غير أننا بدأنا ننفتح قليلاً ونشارك المهتمين بعدد من المعلومات حول بعض طقوسنا".

تابع منصور حديثه متطرقًا إلى عدد المنتسبين للماسونية في بلادنا، قائلاً:"هناك ما يقارب الـ 3000 عضوًا فاعلاً في الحركة اليوم وهناك الكثير من الأعضاء غير الفاعلين أيضًا..!"

عن معنى اللفظ "غير الفاعلين في الماسونية" وضح نديم قائلاً:"العضو الفاعل هو الذي يكون حاضرًا في اجتماعاتنا في محافلنا ولا بد من الإشارة هنا إلى أن اسرائيل تضم 80 محفلاً ماسونيًا الأكبر بينها موجود في مدينة تل أبيب و4 من هذه المحافل ناطقة باللغة العربية ولكل محفل منها قوانينه في مجال الاجتماعات بين أعضاءه، والعضو الفاعل يكون مشاركًا فاعلاً في النشاطات والتحركات التي يقرر أعضاء المحفل بالغالبية القيام بها، أما غير الفاعل فهو الذي انتسب إلينا لكن وقته لا يسمح له بالتواجد المنتظم بيننا ويكتفي بالحضور للزيارة والاطمئنان على صيرورة العمل بين الفينة والأخرى..."

رموز الماسونية...

قبيل مغادرتنا بدقائق، تأملنا زاوية تحظى باهتمام خاص وواضح في الغرفة التي كنا جالسين بها، حيث تضم، هذه الزاوية، دروعًا تقديرية من جهات ماسونية عديدة بالإضافة إلى عدد من الأوسمة وشهادات التقدير التي نالها منصور خلال عمله في إطار الحركة، بالإضافة لذلك كله لفت انتباهنا سيف معلق على الحائط بالقرب من تلك الدروع والشهادات فسألنا نديم عن سبب اعتبار السيف من الرموز الأساسية في الحركة وعن حقيقة أن كل منضم جديد للماسونية يمارس عليه طقس السيف، حيث يدخل العضو الجديد هذا على المحفل الماسوني الذي اختاره وسيف كبير يلامس رقبته!!

فأجاب موضحًا:"إن السيف الماسوني رمز للحماية وليس للقتل فكيف تتقبلون مثلاً أن يسير الموكب المرافق لملكة بريطانيًا محملاً بالسيوف وتستهجنون الفكرة ذاتها علينا، إننا نمارس طقوسًا تخصنا ولا ضرر في ذلك، حتى في ملابسنا التي نرتديها أيام المناسبات الرسمية في المحفل والتي تتخلل حزامًا ذو جيوب مزركش بالزخرفات، هو ليس زيًا غريبًا فهذا الحزام يدل على الـ "وَزرة" (الحزام الذي كان ولا يزال عمال البناء يستخدمونه لحمل معداتهم)، وتلك إشارة منا لأصل الماسونية التي خلقها بالأصل عدد من عمال البناء!"

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]