نُشِرت هذا الأسبوع معطيات ونتائج استطلاع للرأي العام، أُعِدّ من قِبَل أكاديميين وناشطين في مجال حقوق الإنسان والمواطن في إسرائيل. وقد أشارت نتائج الإستطلاع إلى معطيات صعبة وقاسية ومقلقة جداً، وإن لم نكن قد تفاجأنا منها كما سنبيّن لاحقاً. فمن الضروري محاولة فهمها وتحليلها والتفكير في كيفية مواجهتها.

لقد أشارت نتائج الإستطلاع إلى التوجهات، وكشفت المواقف والآراء العنصرية لدى المجتمع اليهودي في إسرائيل إتجاه المجتمع الفلسطيني في الداخل، وإتجاه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الإحتلال الإسرائيلي. بحسب الإستطلاع فإن 59% من المجتمع اليهودي يريدون أن يحظوا بأفضلية في كل ما يتعلق بالقبول للعمل في القطاع العام، بالإضافة إلى ذلك، فإن نصف المجتمع اليهودي يودّ ويريد أن تهتم الدولة بالمواطنين اليهود أكثر، فيما 42% من اليهود لا يريدون العيش بجوار عرب بنفس المبنى. إضافة إلى ذلك فإن ثلث المستطلعين يؤيدون ويدعمون قانوناً يمنع المواطنين العرب من المشاركة في الإنتخابات للكنيست، ونسبة عالية جداً من اليهود (47%) يؤيدون تهجير جزء من العرب لمناطق السلطة الفلسطينية، و36% يؤيدون تهجير ونقل عدد من البلدات العربية إلى مناطق السلطة الفلسطينية مقابل إبقاء عدد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولكن المُعطى المفاجِئ حقاً والجديد أن 58% من اليهود يعتقدون أن في إسرائيل يوجد نظام أبرتهايد (فصل عنصري).

من الجدير بالذكر أن المعطيات إتجاه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الإحتلال كانت أكثر شدة وقساوة وعدواناً، ولكننا لم نعد نفاجأ من العنصرية، فنحن نشهد في العقد الأخير توجهاً وتصاعداً كبيرَين في ظاهرة التطرف والعنصرية في المجتمع اليهودي، وهنالك انزلاق مستمر نحو الفاشية، ولم تعد هذه الظاهرة مقصورة على تيار أو مجموعة أو حزب، بل أصبحت ظاهرة شاملة ومتفشية في جميع مجالات الحياة، وأصبحت هذه الظاهرة تأخذ أشكالاً وصوراً مختلفة سواء على مستوى الرأي العام، أو تصريحات وتفوهات الساسة والمربين ورجال الدين والمجتمع والإعلاميين، الذين يحرضون ضد المجتمع العربي وقيادته. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، لقد شهدنا قبل فترة وجيزة "كتاب الحاخامات" الذين دعوا المجتمع اليهودي إلى الإمتناع عن بيع أو تأجير بيوت للعرب، إضافة إلى ذلك فقد شكلت الكنيست الـ 18 ساحة مركزية لتصنيع وإنتاج وتسويق وترويج العنصرية، وقد ضربت حداً أقصى في سن القوانين وتقديم مشاريع القوانين التي تحد من حقوق المجتمع العربي وتنم عن العنصرية الجديدة. فمثلاً، سن "قانون المقاطعة" الذي يمس بحرية التعبير، و"قانون النكبة" الذي يمنع إحياء ذكرى النكبة، وإقرار "قانون سحب المواطنة" من أي شخص أدين بالتعاون مع جهات تعتبر "معادية"، أو المشاركة بنشاطات وصفها القانون بالإرهابية. كما سن "قانون لجان القبول" الذي ينظم مسألة قبول عائلات جديدة للسكن في التجمعات الجماهيرية الصغيرة والذي يميّز ضد العرب، وخصوصاً أن هذه التجمعات بنيت على أراضٍ عربية كانت قد صودرت من أجل تهويد الحيّز.

بالإضافة إلى ذلك، لم تقتصر مظاهر العنصرية على الآراء والمواقف بل انتقلت سريعاً إلى حرق المساجد وكتابة الشعارات المسيئة والعنصرية على جدران المدارس والأديرة والكنائس، وعلاوة على ذلك، فقد تم الإعتداء الجسدي على الكثيرين من الشبان والمواطنين العرب سواء في الأماكن العامة، أو في الجامعات أو الحوانيت كما حصل في مدينة صفد.

ما من شك بأن الحكومة الحالية، بتركيبتها وبرئيسها وبسياساتها الداخلية والخارجية، شكّلت أرضية خصبة لنمو واتساع الخطاب العنصري، كما أن هنالك عدم فهم أساسي لماهية وأسس النظام الديمقراطي، وإجراءات العملية الديمقراطية، فالديمقراطية لا تعني حكم الأكثرية فقط، بل هي حكم المواطنين، وحكم الأغلبية أحياناً يشكل جوراً وظلماً للأقلية. إذن، فالدولة التي تدّعي الديمقراطية يترتب عليها المحافظة على حقوق الإنسان، وحريات المواطن وتحقيق المساواة واحترام حقوق الأقليات القومية، وخصوصاً الأصلانية وصاحبة الوطن. وفي حال عدم إيفاء الحكومة والسلطة بهذه الشروط، فمن حق المواطنين التصدّي لها.

إن التمعن بنتائج الإستطلاع يودي إلى نتيجة بأن الشارع الإسرائيلي يعترف بالعنصرية أولاً، ومن ثم سقوط الرهان على الديمقراطية، وتعزيز هوية الدولة اليهودية، وهذا ما يتضح أيضاً، من تصريحات بعض الساسة الإسرائيليين أمثال نتنياهو وشيلي يحيموفيش، في الأيام الأخيرة.
على ما يبدو، فإنه في الفترة القريبة، إبان الحملة الإنتخابية سوف يحاول العديد من الساسة اليهود استغلال الفرصة من أجل التحريض ضد المجتمع العربي، جزء منهم من منطلقات أيديولوجية عنصرية والجزء الآخر من منطلقات مصلحية انتهازية بهدف الحصول على أصوات لدى المجتمع اليهودي الذي يحمل أفكاراً عنصرية إتجاه العرب. فلذلك، يترتب على المستشار القانوني للحكومة أن يعاقب كل من تسوّل له نفسه التحريض ضد المجتمع العربي.

يقول الفيلسوف السياسي أتيل بليبر "إن العنصرية هي خطاب وسلوك سياسي اجتماعي يتعلق ويحكم في مسألة الأخروية". الآخر والغريب يظهرون، كما يقول بليبر، في السلوك السياسي أو في مبنى المعرفة، والذي يبرز دُونيّتهم، والعنصرية، بحسب تعريفه، تعتمد على ركيزتين: 1. الفصل بين الأنواع 2. مبدأ المنع وهو الذي يلزم بتطهير الجسم الإجتماعي والمحافظة على الهوية الشخصية والجماعية من أي تقرّب، أو تداخل أو ولوج. وهذا التعريف ينطبق، باعتقادنا، على الخطاب والسلوك السياسي الإسرائيلي إتجاه الشعب الفلسطيني.

بالإضافة إلى ذلك، يترتب على المجتمع العربي أن يعمل سوية أمام هذا السيل الجارف من العنصرية، وأن يطور استراتيجية مواجهة شاملة، كما كنا قد بيّنّا وفصّلنا من قبل في مقالتنا "حول العنصرية ومقاومتها"، ولكن، بودّنا التأكيد في هذا السياق أنه، ومن أجل وضع استراتيجية لمواجهة العنصرية، يترتب على لجنة المتابعة أن تدعو إلى عقد مؤتمر جماهيري شعبي واسع، تشارك فيه كل القوى الفاعلة داخل المجتمع العربي من أجل التداول والتفكير في وضع خطة تحظى بإجماع وبتأكيد شعبي يشمل كل استراتيجيات العمل: الإحتجاج والإعلام والمرافعة الدولية، تنظيم المجتمع، التوجه إلى المحاكم، العمل الشعبي والبرلماني، تعبئة المجتمع وإجراء الأبحاث ووضع برامج ومناهج تربوية بديلة لتقوية الذات وتعزيز الإنتماء للقيم والأخلاقيات الوطنية، الدينية والإنسانية، ومقاومة الإستبداد والظلم. كما أنه، وعلى ضوء التشابه في المواقف إتجاه الفلسطينيين في إسرائيل ففي المناطق المحتلة، يجب التنسيق المتواصل بين أبناء الشعب الواحد من أجل وضع استراتيجية موحدة للشعب الفلسطيني للخروج من المأزق الراهن، لأن الأمور من الممكن أن تتدهور إلى ما هو أسوأ من الأبرتهايد. كما يجب تحديد الآليات والأدوات لمخاطبة العالم، الرأي العام العالمي، العربي واليهودي.

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]