قال الإمام عليّ بن أبي طالب: "تغيّرتِ المودّةُ والوفاءُ وقلَّ الصِّدقُ وانقطعَ الرَّجاءُ
وأسلمني الزَّمانُ إلى صديق ٍ كثيرِ الغدرِ ليسَ لهُ رعاءُ
ذهبَ الوفاءُ ذهابَ أمسِ الذّاهبِ فالنّاسُ بين مخاتل وموارب
يفشون بينهم المودَّةَ والصّفا وقلـوبُهم محشوَّةٌ بعقـارب".

وفي نظري، الوفاء بحورٌ من المعاني العميقة، لا يستطيع أيّ قلم، مهما كانت تجربته، أن يعبِّر عنه ويفيه حقَّه؛ كونه إحساسًا يتدفَّق من قلب محبّ رحيم كبير، يتدفّق عزيمة وانتماء، وهو بمثابة دَيْن على كلِّ مخلص، وصاحب ضمير وواجب. إنّها صفة رائعة علينا التّحلّي بها وتطبيقها على أرض الواقع، لا لنتظاهر بمساندة ومشاطرة بعضنا بعضًا في الأفراح والأتراح!
واسمحوا لي أن أشبّهه بالعملة النّادرة الوجود في المصارف والقلوب! وأنا أتساءل: أين هذه المصارف الّتي تتعامل بهذا النّوع من العملات الّتي كادت تنعدم في هذا الزّمن الغدّار والعصيب؟ زمن تسيطر عليه لغة الخيانة والمظاهر، والعطاء المزيّف النّابع من قلوب ملّونة خدّاعة، تزرع بذور الشِّقاق والفتنة؟!
الوفاء قيمٌ ومُثُلٌ وشكرٌ وعرفان، تاج الأحرار والكرماء، إنّه الالتزام بكلّ شيء عادل وصادق، وهو من أروع الصِّفات الّتي منحها لنا الباري عزَّ وجلَّ، فالمجتمع أو المؤسّسة الّتي تسودها وتتعامل بهذه العملة يتغيّر حالها، وحال مجتمعها إلى الأفضل، وتسودها لغة التّسامح والاحترام المتبادل، فيزول الحزن والكراهيّة من الصّدور، فحياة الإنسان تُقيَّمُ بما قدّمه بوفاء وإخلاص لمجتمعه، وهذا سرّ النّجاح والثّبات، والأسس والقواعد الكفيلة للاستمراريّة؛ لأنّنا لا نعيش فقط لأنفسنا!!! فإن كنت تطلب رتبة الأشراف فعليك بالإحسان والإنصاف. فلا خير في وعد إذا كان كاذبا، ولا خير في قول إذا لم يكن فعلا. واعلم أيّها الإنسان أنّك ميِّت لا محالة، فاجتهد وفِ بوعدك، لتبقى حيًّا بعد مماتك.
إلى عديمي الوفاء، رماح تقول: إنّ الله يحبّ الأوفياء، وتهديهم قوله تعالى:

"الّذين ينقضُون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمَرَ الله به أن يُوصل، ويُفسدون في الأرض أولئك هُمُ الخاسرونَ" (البقرة، 27).

وأخيرا أنهي بما قاله البحتري في هذا السّياق:

" قد فقدنا الوفاء فقد الحميم وبكينا العلا بكاء الرّسوم
لا أملُّ الزّمانَ ذمّا وحسبي شغلا أنْ ذممت كلّ ذميم". 

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك

 


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]