في البداية دعونا نتفق أننا جميعاً نحترم الديمقراطية ونسعى إليها , لأن الديمقراطية فيها الغالب وفيها المغلوب , وفيها الرأي والرأي الأخر , على أن يكون القانون ودستور الدولة هو الحكم وهو المرجعية للديمقراطية لكي يكون لها وجه جميل ووجه حضاري .

مما لا شك فيه أن الإخوان المسلمين قد نجحوا في الانتخابات المصرية بصناديق انتخاب نزيهة, كما لا شك أن حركة حماس نجحت في الانتخابات الفلسطينية بصناديق انتخاب نزيهة شهد العالم أجمع لها, ولكن...

من المفروض على جميع المتنافسين في الانتخابات مهما كان شكلها ولونها أن تكون كافة برامجهم الانتخابية ترتكز على خدمة أي وطن وأي مواطن , وبالتالي سيكون التنافس على الانتخابات شكل من أشكال التنافس على خدمة الوطن والمواطن وليس على شكل تنافس على سرقة الوطن وتجويع المواطن .

ودعونا في البداية نتحدث عن التجربة الفلسطينية التي قادت حركة حماس للسلطة ومن ثم سنتحدث عن الانتخابات المصرية لأنني أعتبر أن غزة ومصر باتا شكل واحد من أشكال الحكم.

ما قبل فوز حركة حماس عام 2006 وإبان حكم السلطة الوطنية الفلسطينية كان لحركة حماس مجال واسع من الحرية للتحرك حزبياً وميدانياً , فقد كانت تمارس المقاومة مثلها مثل كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح , وما كان ينطبق على كتائب شهداء الأقصى وبقية الفصائل الفلسطينية كان ينطبق على كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس , لكن للأسف الشديد كانت حركة حماس تضرب بعرض الحائط كل قرارات السلطة الوطنية وكانت دوماً تغرد خارج الصف الوطني , وحين كانت السلطة تبرم اتفاقيات أياً كان شكلها كانت حركة حماس تكون في موقف الضد وتحاول عرقلة أي جهود تقوم بها السلطة من أجل تسهيل حياة المواطنين .

وحين كانت السلطة الوطنية تحاول أن تفرض القانون كانت تخرج جحافل حماس الإعلامية لتتهم السلطة الوطنية بالخيانة ومنع المقاومة والارتماء بالحضن الصهيوني.. الخ , وبقي الحال على ما هو عليه من تمرد متكرر لحركة حماس حتى فازت في الانتخابات التشريعية عام 2006 فماذا حدث ؟.

اعتلت حركة حماس عرش السلطة وباتت تمثل الأغلبية في المجلس التشريعي والذي أتاح لها تمرير كافة القرارات التي تناسب توجهات الحركة الفكرية والسياسية , وباتت حركة فتح مع بعض الفصائل في موقع المعارضة عملاً في التكوين الديمقراطي لأي دولة , فانفردت حماس بالقرارات جميعها وكانت ترفض مشاركة الآخرين في كافة قراراتها مما أوجد مزيداً من المعارضة لهذه الحركة التي اعتلت العرش بشكل ديمقراطي وهدف ديكتاتوري .

حملت حركة حماس شعارات وطنية جعل من أبناء حركة فتح يميلون لهذه الشعارات حتى حصلت حماس على أصوات غالبية أبناء حركة فتح والأمن الوطني , هذه الشعارات التي دغدغت عقول الشعب الفلسطيني كانت تتمثل في مكافحة الفساد الذي بالفعل كان ملف يحتاج لوقفة جدية من قبل السلطة الوطنية , وشعارات أخرى كانت تنادي بوقف التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني ووقف كافة الاتصالات المباشرة والغير مباشرة لأنها شكل من أشكال الخيانة , وحماية المقاومة من خلال إعطائها المجال للعمل بحرية على الأرض , كما أن أهم شعار اهتم به الشعب الفلسطيني هو شعار "الزيت والزعتر" . هذه كانت أبرز شعارات حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية فماذا حققت هذه الحركة من هذه الشعارات ؟.

بعد أن رفضت كافة الفصائل الفلسطينية المشاركة في أي حكومة تترأسها حماس نتيجة إنفراد حماس بكافة القرارات وعدم إعطاء الفرصة لبقية الفصائل حق المشاورة في صنع القرار , قررت حركة حماس الانقلاب على نفسها "كونها هي السلطة الحاكمة" والسيطرة على قطاع غزة بالقوة العسكرية التي أدت الى استشهاد المئات من أبناء شعبنا الفلسطيني من أطفال ونساء وشيوخ ومناضلين مطلوبين للعدو الصهيوني , بالإضافة الى تدمير المقرات الأمنية وأجهزة الدولة والكثير من المساجد والبيوت المدنية مما كلف الشعب الفلسطيني خسائر لا تعد ولا تحصى بالمال والأرواح , وفرضت على أهالي القطاع قانونها بقوة السلاح وبالهراوات التي كسرت الكثير الكثير من عظام الشعب الفلسطيني .

حكمت حماس قطاع غزة بالقوة وباتت الآمر الناهي في القطاع , وأصبح لديها الإمكانية المطلقة لتحقيق برامجها الانتخابية دون اي اعتراض من أية فصيل فلسطيني بعدما أصبحوا مطلوبين للحركة وملأت بهم سجونها , لكنها وبعد مضي أكثر من ستة سنوات من التمرد والانقلاب العسكري لم تحقق حماس أي شعار من الشعارات التي رفعتها بل على العكس كانت نتائج حكمها كالتالي :-

1- نعم توقف فساد بعض اركان السلطة الوطنية لكنها أوجدت لنفسها مساحة كبرى للفساد من خلال نهب أموال السلطة ومن خلال تهريب المخدرات التي باتت مهنة للكثيرين من أبناء القطاع التابعين للحركة , كما أتاحت لأنصارها إقامة أنفاق تدر عليها ارباح بالملايين بغض النظر عن طبيعة استخدام هذه الأنفاق , حتى بات "الترمال " وهو نوع من أنواع الحبوب المخدرة منتشر في القطاع أكثر من رغيف الخبز .

2- أما بخصوص المقاومة فحدث ولا حرج , فلم نشهد منذ وصول حركة حماس أي شكل من أشكال العمل المقاوم المتواصل الذي كانت تنادي به , بل اقتصر عمل كتائب القسام على حراسة حدود غزة مع العدو الصهيوني ومنع بقية الفصائل من استخدام حق المقاومة , مما أدى لتوقف شبه كامل لكافة أشكال المقاومة , بعدما قامت حماس بضرب الكثيرين من أبناء سرايا القدس وكتائب الأقصى وبقية الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية , وباتت التهدئة التي كانت تسمى في عهد السلطة خيانة باتت اليوم مطلب رئيسي لحركة حماس للحفاظ على عرشها الذي تمت حمايته من قبل العدو الصهيوني بكثير من الأشكال . وبينما كانت الهدن مع العدو الصهيوني بثمن , باتت في عهد حماس مجانية إلا من تعهد العدو الصهيوني بحماية العرش الحمساوي .

3- أما بخصوص الزيت والزعتر , وهو دلالة على التقشف من أجل الارتقاء بالمواطن الفلسطيني لتلبية احتياجاته الأساسية لحياة كريمة بات في مهب الريح , وتحول الزيت والزعتر الى مواكب ليس لها أول أو أخر , وبات الزيت والزعتر عبارة عن عمارات تقام لقيادات حركة حماس في كل مكان , وبات الزيت والزعتر عبارة عن أرصدة مالية ضخمة في حسابات قيادات حماس , وبات الزيت والزعتر عبارة عن سرقة المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني وتوزيعها على حركة حماس وأتباعها , حتى بات الزيت والزعتر الوجبة اليومية لسكان القطاع بعد حالة الفقر والجوع التي فرضت عليهم بينما من يحكمون يشعرون بالتخمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى , وباتت البدلات الرسمية من أغلى الماركات والأحذية وربطات العنق وحتى الأصلع منهم أصبح يستخدم "الجل" ليظهر بمظهر يناسب عدسات المصورين .

هذه هي الحقيقة وهذا هو الوجه الحقيقة لحكم الاخوان المسلمين الذين اثبتوا في غزة أن الدم الفلسطيني مباح في المساء والصباح , وأن التكفير من أسهل التهم التي تسهل عليهم إعدام من يشاءون وبمباركة أنصارهم الذين بالفعل تحولوا إلى وحوش دموية لا يردهم عن القتل والذبح والتكفير حتى الآيات القرآنية . وإن أردت أن تختبر طبيعة الأخلاق التي تتحلى بها هذه الكائنات , فما عليك سوى أن تعترض عليهم بأبسط الأشكال , ليتحول بلمح البصر من ملاك ينقط من لسانه الشهد والعسل والآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلى شيطان يكشر عن أنيابه التي تقطر دماً ولسان هو من أوسخ الألسنة على وجه الأرض , من خلال المصطلحات البذيئة التي يستخدمونها ضدك والتي لا تخرج إلا من ألسنة أرباب السوابق وزملاء "الغرزة" وغيرهم من المنحطين في أي مجتمع .

إن ما نراه الآن في مصر هو صورة طبق الأصل عن تسلسل الحكم في قطاع غزة , وإننا نرى أن مصر ستتحول إلى بركة من الدم في حال تم تهديد العرش الإخواني , فهم مدربون على الذبح وقطع الأعناق والتكفير وإخراج حفظة القرآن من الملة ومدربون أكثر على قصف المساجد , ومدربون لتحويل بيوت الله لثكنات عسكرية , كل هذا كي لا يمس العرش الذي طالما حلموا به من أجل تحقيق أهداف أسيادهم القابعون في البيت الأبيض وفي تل أبيب وفي لندن وفي طهران , فهم في حقيقة الأمر مجرد عبيد لكل المانحين ولا يخجلون من حقيقتهم التي سرعان ما تظهر وعند أول منعطف .

وفي النهاية نحن لا نعترض على الحكم الإسلامي ولا على أي فصيل إسلامي إذا حكمنا بشرع الله لا بشرع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني , ونحن مع الديمقراطية بكافة أشكالها ومع حرية التعبير ومع حرية الفكر والديانة ومع حرية المواطن المسكين .

نحن مع الجميع على أن يتحلوا بأخلاق الإسلام والمسلمين , نحن معهم حين يرتقون بالإسلام فكراً ومنهجاً , ويعكسون الصورة المشرفة للإسلام وسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام , نحن معهم حين تكون أخلاقهم تعكس الصورة الحقيقية للمسلمين لا أن تعكس صورة أرباب السوابق وتجار المخدرات واللوطيين ورواد "الغرز" . نحن مع كل من يطل علينا بشعارات وطنية يسعى لتحقيقها ويعمل لتحقيقها دون أن تكون هذه الشعارات مجرد سلم للصعود إلى العرش .

ونحن سنبقى ضدهم طالما أساؤوا للإسلام والمسلمين , وطالما إستغبوا عقولنا , وطالما يحاولون التفرد بالحكم وكأننا مجرة أغنام , ونحن سنبقى ضدهم إلى أن نطهر الإسلام من هذا السرطان الذي زرعه الاستعمار في عقول أبناءنا فباتوا مجرد عبيد بيد الطغاة , ونحن سنبقى ضدهم طالما هنالك ولاءٌ وبراء .
 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]