يبدو أن إسرائيل ما زالت تترنح تحت وقع الهزائم المتوالية التي انهالت على رأسها , فعلى المستوى العسكري استطاعت المقاومة الفلسطينية تكبيدها هزيمة عسكرية نالت من أسطورة الجيش الذي لا يقهر مرة أخرى , فإسرائيل دائما وأبدا تتباهى بقدراتها العسكرية وبمقدراتها على اختيار زمان ومكان المعارك وتحقيق أهدافها , ولو عدنا إلى الوراء لوجدنا أن إسرائيل تتبع سياسة الضربة الاستباقية الصاعقة كما حدث على حرب الخامس من حزيران / يونيو 1967 , وهي بهذه الطريقة تفرض شروط وقواعد اللعبة على أعدائها وتحقق مبتغاها , ولكن في حرب غزة الأخيرة حاولت اتباع هذه السياسة بالإقدام على اغتيال قائد كتائب القسام / أحمد الجعبري , وكانت حساباتها بأن فصائل المقاومة الفلسطينية سترد ليومين وضمن حدود جغرافية معينة وبعد ذلك ستتدخل أطراف إقليمية وتقر صيغة تهدئة وتعود الأمور على ما هو عليه , ولكن الحسابات هذه المرة كانت خاطئة وكانت الردود خارج التوقعات الأمنية الإسرائيلية , وقواعد اللعبة تغيرت ودخل العمق الإسرائيلي – الذي كان خارج اللعبة – في المعادلة , لينقلب السحر على الساحر وتكون الصعقة والمفاجأة هذه المرة من نصيب إسرائيل , لتكون الخيارات كلها قاتلة فإما الاستمرار في الحماقة وتوسيع دائرة المعارك مما يعني تعريض الجبهة الداخلية إلى أخطار أكثر ستؤدي إلى انهيارها , علاوة على الخسائر المؤكدة في صفوف القوات العسكرية الإسرائيلية إن اقدمت على حرب برية , علاوة على أن جغرافية قطاع غزة المكتظ بالسكان سيؤدي إلى مقتل وإصابة الأعداد الكبيرة من المدنيين مما يعني ضغوط دولية كبيرة على إسرائيل واهتزاز صورتها – المهتزة أصلا – مما يفقدها الكثير من الدعم والتأييد الدولي .
أما الخيار الثاني فكان الخضوع لشروط المقاومة وقبول تهدئة في شروطها تحقق انتصار للشعب الفلسطيني ومقاومته , وهو ما انتهجته إسرائيل , وما تنحي وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك واعتزاله الحياة السياسية لخير دليل على الفشل والهزيمة الإسرائيلية , إذن هي هزيمة عسكرية اسرائيلية بكل ما تحمله الكلمة من معاني .
هزيمة أخرى تكبدتها إسرائيل بعد أيام قليلة من هزيمتها العسكرية في غزة ولكن هذه المرة على المستوى السياسي والدبلوماسي , حيث استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية إيقاع هزيمة مدوية بإسرائيل وبدبلوماسيتها , استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية أن تنتزع اعتراف 138 دولة بدولة فلسطين لتصبح دولة غير عضو في الأمم المتحدة , الدبلوماسية الفلسطينية استطاعت حشد دعم 138 دولة على مستوى العالم من ضمنها ثلاث دول من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ( فرنسا وروسيا والصين ) , في حين عارضت القرار دولة واحد من الأعضاء الدائمة وهي أمريكا والتي بحكم حلفها الاستراتيجي مع إسرائيل كان مؤكدا اتخاذها هذه الموقف , أما بريطانيا العضو الدائم الخامس في مجلس الأمن فامتنعت عن التصويت وهذا ديدن السياسة البريطانية الموالية للولايات المتحدة وحين تختلف معها فإن سياستها تكون سلبية , الانتصار الدبلوماسي الفلسطيني , قابله هزيمة إسرائيلية دبلوماسية نكراء , فالدبلوماسية الإسرائيلية لم تنجح إلا في اكتساب دعم 9 اعضاء من الأمم المتحدة من ضمنهم كندا وأمريكا وإسرائيل نفسها أما الست دول الباقية فهي لا تكاد تبين على خارطة العالم إلا بميكروسكوب , هو انتصار كامل الدبلوماسية الفلسطينية استطاعت من خلاله انتزاع اعتراف دولي شرعي بالدولة الفلسطينية وإيقاع هزيمة نكراء بالدبلوماسية الإسرائيلية بكل ما تملكه من امكانيات وإعلام ودعم وخلافه .
نتيجة لهذه الهزائم فقدت إسرائيل الكثير ليصيبها الهذيان والجنون , وعلى الفور قامت بتجميد أموال الضرائب الفلسطينية والتي هي حق أصيل للشعب الفلسطينية , وكانت الخطوة الأكثر خطورة إقرار الحكومة الإسرائيلية بناء حوالي 3600 وحدة سكنية في القدس والضفة الغربية في إشارة إلى معاقبة الفلسطينيين لحصولهم على شئ من حقهم , وفي انتهاك سافر لكافة الاتفاقيات مع الفلسطينيين , وتحدي جنوني للشرعية والقانون الدولي , مما دعا بعض الدول الأوروبية المركزية لاستدعاء السفير الإسرائيلي اعتراضا على هذه الخطوة علاوة على تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على إسرائيل , وفي غمرة جنونها وهذيانها تناست إسرائيل أن الوضع القانون الآن تغير , ولم تعد فلسطين أرض متنازع عليها , ولكنها دولة تقع تحت الاحتلال , وعليه فكل الإجراءات والممارسات الإسرائيلية باطلة ولا يعتد بها وقد تدعم الموقف الفلسطيني بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية ولمحكمة العدل الدولية في لاهاي لوضع الحد لممارسات إسرائيل الجنونية , ومعاقبة قادتها على كافة الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني واستعادة كافة حقوقه المشروعة .
 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]