ما أجمل أن تحب إنساناً لا لشيء إلا لما يمتلك من صفات وخلق ، وما أجمل أن تعيش مع شخص جلّ همه إسعاد من حوله ، وعمل كل ما يمكن أن يدخل السرور على نفوسهم ، متناسياً نفسه وحاله وهمّه إسعاد من حوله .

لا يمكن لهذا الرجل أن يرفض أي طلب يطلب منه وأن يتقاعس عن أي تكليف يكلف به ، ولا ينتظر في أغلب الأحيان أن يطلب منه بل يبادر ويسعى ويجتهد من أجل خدمة من حوله .

على صعيدي الخاص والشخصي أعترف أنني تعلمت من هذا الرجل صفات كثيرة وجميلة فقد جمعتني به فترة الجامعة فكان محيي الشاب الذي يشع عطاء ونشاطاً وتضحية ، يبحث عن السبيل والطريق لخدمة بلده.

بصدق وأنا أكتب عن محيي تخونني الذاكرة كثيراً لأنني لا أريد أن أغفل عن جانب من حياة هذا الرجل الذي يقبع في سجنه منذ عشر سنوات وفي ذات الوقت أجد نفسي عاجزاً عن الكتابة عنه فالتقصير ساعة يجتاح نفسي وخصاله الحميدة أكثر من أن توصف وتعد في مقال.

جمعتنا والرجل الأسير سكنات جامعة النجاح وفي هذا المكان كالسجن تكتشف معادن الرجال حيث لا مكان للتمثيل أو إخفاء الصفات كل شيء مع الأيام يظهر.

كان محيي الطالب الخدوم لإخوانه يسعى لتنظيف المكان لا ينتظر برنامجاً أو جدولاً محدداً ، وكان الأكرم على الإطلاق لا ينظر من دفع ما عليه ومن لم يدفع ، كان صوّاماً قواماً يحرص على صلاة الفجر وصلاة المسجد .

كان يحب محيي أن يسمع منّا لقصص السجون وحكايات الأسر وقصص الرجال ممن سبقوا وكان دائم السؤال عنهم ، وكان إذا ما سمع مكالمة معي من أحد الأسرى من المؤبدات يجلس ليستمع ويسمع أخبارهم كان مولعاً بقصص هؤلاء .

في انتفاضة الأقصى ووقت إغلاق المدن كان محيي يبحث عن الطريقة التي يعمل بها من أجل فلسطين فبعد أن استشهد عشرات من رفاقه من طلاب الجامعة واستشهد صديقه الاستشهادي محمد هزاع الغول رحمه الله والذي كان يسكن معه في ذات السكن قرر محيي أن يسلك درب من سبقوه وأن يلحق بالقافلة فانضم للكتائب وهناك بدأ العمل الذي لم يكتب له الاستمرار فاعتقل في 16/6/2003 وبعد تخرجه بأسبوع واحد فقط من كلية العلوم تخصص حاسوب من جامعة النجاح الوطنية فعذب في سجنه وضرب على رأسه الأمر الذي سبب له مشاكل في عينه أجريت له عملية ولم يقدم له العلاج المناسب كما يجب وصدر بحقه الحكم الجائر عشرون عاماً قبل أن يتم تخفيضه إلى عشرة أعوام .

في سجنه كبر اسم هذا الرجل واستلم خلال عمله أصعب المهام التنظيمية وعلى رأسها (الكنتين ) فكان بارعاً مسخراً كل وقته لخدمة إخوانه متناسياً نفسه في خضم العمل لدرجة أنه كان ينسى أن يأكل من كثرة انهماكه في العمل .

محي الدين عودة ابن بلدة كفر ثلث القريبة من قلقيلية والذي عاش اليتم منذ أن كان صغيراً يعد الأيام ليخرج بعد أن طحنت سنين السجن من عمره عقداً ليعود للحياة يبحث عن شريكة دربه ويجلس بجوار أمه التي آلمها فراقه كل هذه السنين .

لك يا حبيبي وصديقي محيي أكتب هذه الكلمات ولا أستطيع أن أنسى ما حييت كيف اجتزت الحواجز والعقبات من أجل القدوم لحضور حفل زفافي وأعتذر لك عن التقصير في الكتابة عنك فالمحب لا يقصر إلا مع من أحب .

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]