انشغل الاعلام الاسرائيلي خلال اليومين الاخيرين بزيارة مشعل و مهرجان حماس المهيب و خطابه الذي اصاب المجتمع الاسرائيلي بصدمة كبيرة و احرج نتنياهو و معسكر اليمين في اسرائيل حيث عكس المشهد القادم من غزة صورة تختلف تماما عن تلك التي ارادت الحكومة الاسرائيلية تثبيتها في ذهن المجتمع الاسرائيلي بأن "عامود السحاب" عزز من قدرة الردع الاسرائيلية. ما نُقل عبر شاشات التلفاز هو احتفال بالنصر عزز من اهميتة مشاركة السيد خالد مشعل الذي احتضنتة غزة بما تعرفة من شهامة و حسن الاستقبال .
زيارة مشعل لغزة، و خطابة المتشدد من وجهة النظر الاسرائيلية فرض نفسه على المعركة الانتخابية التي انطلقت عمليا قبل يومين حيث كل السياسيين تقريبا و من مختلف التيارات ادلو بدلوهم حول الزيارة، و لكن الاهم بالنسبة لهم هو خطابه في المهرجان. ردود الفعل يمكن تلخيصها على النحو التالي:
اولا: لم يكن هناك تفسير اسرائيلي او حتى مجرد تعليق سواء بالتأكيد او النفي على ان اسرائيل سمحت لخالد مشعل بزيارة غزة و في نفس الوقت لم تسمح للدكتور رمضان شلح. كل ما صدر حول هذا الموضوع هو من جهات فلسطينية. التقدير انه كان هناك اتصالات مصرية اسرائيلية على المستوى الامني لتجنب حدوث سوء فهم قد يؤدي الى انفجار الاوضاع من جديد. على ما يبدوا التقديرات المصرية هي التي لعبت دور في اقناع الدكتور رمضان شلح و نائبة بعدم زيارة غزة في هذه المرحلة. هناك من يعتقد ان العامل المصري لعب دورا اساسيا في هذا الموضوع. التفسيرات كثيرة، تطول وتقصر، و منها ما يذهب بعيدا دون ان يكون هناك اثبات على مدى مصداقيتها، لكن الحقيقة التي لا جدال حولها ان خالد مشعل حقق حلمه في زيارة غزة اما شلح فلم يحققه بعد.
ثانيا: في كل الظروف و الاحوال، لولا المواجهة الاخيرة و الشعور بالنصر لدى حماس بشكل خاص و فصائل المقاومة بشكل عام لما تمكن خالد مشعل من زيارة غزة في هذه المرحلة. اسرائيل ستفكر عشرات المرات قبل المساس به في هذه المرحلة. هناك اعتقاد ايضا وهو حتى لو دخل رمضان شلح، هناك شكوك ان تُقدم اسرائيل على المساس به هو الاخر ، لسبب رئيسي لان المصلحة الاسرائيلية هي الحفاظ على التهدئة بأي ثمن خلال فترة ما قبل الانتخابات التي ستجرى في الثاني و العشرين من الشهر القادم.
ثالثا: ردود فعل اليمين الاسرائيلي على خطاب مشعل كانت متنوعه. اسرائيل كاتس الوزير في حكومة نتنياهو قال ان الفلسطينيين يستطيعون ان يدعوا انهم انتصروا و يستطيعون ان يحتفلوا كما يشاؤون، اما نحن سنواصل بناء دولتنا و تعزيز استيطاننا، و اضاف ساخرا لقد تمنى مشعل ان ينال الشهادة في غزة و على الارجح ان تلبي له اسرائيل هذه الامنية. نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي الذي يمثل المستوطنين عَبر عن استغرابة و سخطة لماذا لم تُقدم اسرائيل على اغتيال مشعل و رفاقة. اما نتنياهو و بوجي يعلون فقد اختاروا شن هجوم عنيف على ابو مازن لانه لم يستنكر قصف تل ابيب بالصواريخ و لم يعبر عن استنكارة لخطاب مشعل المتطرف الذي يدعوا فيه الى ازالة اسرائيل، و انه ليس هناك فرق بين مشعل و ابو مازن سوى في طريقة الكلام.
رابعا: رد فعل الوسط و اليسار في اسرائيل على زيارة مشعل وخطابة في مهرجان حماس ان اليمين الاسرائيلي يلعب لعبة خطيرة و هو معني بتعزيز حماس بشكل غير مباشر و اضعاف الرئيس عباس و السلطة. هؤلاء يعتقدون ان نتنياهو و على الرغم مما اصابه من حرج نتيجة خطاب مشعل و التصريحات النارية التي صدرت من هناك الا انه يريد ان يؤذي ابو مازن و اضعافة، و ان استراتيجية نتنياهو و اليمين الاسرائيلي هو الابقاء على الانقسام الفلسطيني و ادامته الى اطول وقت ممكن و تعزيز الانفصال بين غزة و الضفة، حتى و ان كان ثمن ذلك تعزيز قدرات حماس السياسية و العسكرية في غزة.
السلاح الفعال في يد نتنياهو هو انه لا يوجد ممثل و احد للفسطينيين و ان الرئيس عباس ليس له اي سلطة على غزة و ان حماس التي ترفض السلام و ترفض الاعتراف بأسرائيل، بل تدعوا لازالتها عن الوجود هي اليوم تشكل اغلبية في الشعب الفلسطيني، بالتالي لا تلوموا اسرائيل بل اللوم هو على الفلسطينيين.
على اية حال، الكرة الان هي في الملعب الفسطيني لافشال نوايا نتنياهو ، حيث و على الرغم من الحديث الكثير و المتكرر عن المصالحة، و على الرغم مما تضمنه خطاب السيد مشعل حول هذا الامر، الا ان هناك تخوف لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني التي لدغت اكثر من مرة، بأن ما حدث في غزة خلال اليومين الاخيرين قد يؤدي الى تعزيز الانقسام على اعتبار ان حماس لم تعد ترى احدا امامها. هذا ما لمسته ايضا حين اردت استمزاج الاراء من خلال صفحتي على الفيس بوك قبل كتابة هذا المقال.
التخوف موجود على الرغم انه كانت هناك مؤشرات تتناقض مع ذلك، اهمها مشاركة فتح لاول مرة منذ الانقسام في احتفالات حماس بغزة، حيث الجميع ينتظر ان تقيم فتح مهرجان انطلاقتها لاول مرة ايضا منذ الانقسام. هناك افراج عن معتقلين و عودة لمبعدين و هناك انزعاج اسرائيلي لان السلطة في الضفة لم تعد تلاحق نشطاء حماس حيث اصبحوا يتمتعوا بحرية اكثر منذ العدوان على غزة.
حماس بحاجة لان تُطمئن الناس بأن ما تم تحقيقة من انتصار عسكري سيصب في خانة المصالحة و انهاء الانقسام و ان كل الاحاديث عن مؤامرة و ترتيب اوراق هي مجرد تخيلات ليس لها اساس من الصحة. ما قاله السيد خالد مشعل بأن فلسطين اكبر من ان يحملها فصيل يجب ان يترجم و بأسرع وقت الى خطوات عملية و انه ليس مجرد كلام بل هو استراتيجية لحركة تطمح لان تلعب دور رئيسي في قيادة المشروع الوطني و ليس حشره في مربع صغير. وكذلك فتح يجب ان تدرك ان الزمن يتغير بسرعة، و التاريخ وحده مهما كان مُشرف لا يستطيع ان يضمن استمرار التربع على عرش القضية. الشعب الفلسطيني لا يكتفي بأقل من انهاء الانقسام على اساس اجراء الانتخابات الحرة و النزيهة والشراكة في تحمل الاعباء و قيادة المشروع الوطني.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]