ارتفعت توقعات الأسرى عندما اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها برفع صفة التمثيل لفلسطين إلى عضو دولة مراقب، ليمتزج المنظور السياسي والقانوني أكثر بين حركة تحرر وطني ودولة محتلة، وتتضح العلاقة بين الضحية والقاتل أمام بابين لا ثالث لهما:واحد يقود إلى القيامة ، وآخر يقود إلى الحياة.

لقد انتظرنا ولادتنا التي تأخرت كثيرا، واعتبرنا الماضي ذكرى كي نشفى من الوقت الذي طال ونكون حاضرين غدا إن استيقظت الضمائر ، واعترفت أننا نملك العناصر كلها للوجود: الماء والتراب والهواء واللغة والأحلام والسماء.

أسئلة الأسرى صلبة كفولاذ الأبواب الموصدة، وقد زغردوا وابتهجوا واحتفلوا بالدولة الفلسطينية التي ستكون حارسا على خطوات من ساروا على درب الآلام والحرية.

وعندما فاض الأسرى بما فيهم من أوجاع وانتظار وحيرة وجروح وذكريات وليل وبطولات، واستمعوا إلى الأمم المتحدة التي أقرت أن يكون لنا بيت على الأرض نسكنه أحرارا آمنين من جوع وخوف واحتلال، انفجروا، وشدوا بداياتهم إلى نهاياتهم ، فأضاء دمهم سنوات الغياب.


لن تتسع الدولة الفلسطينية لعناقهم، لموتهم وحياتهم، للمستحيل الرمادي في أصواتهم ، لصرخاتهم ولما تأخر فيهم من شهوات، وارتفع في دمهم من رايات، ولن تكف شمس واحدة لتجفف عذاباتهم ، أو نهار واحد ليغسل أجنحتهم ويعيد إليهم شبق الطيران.

تحسس الأسرى قيودهم وصور أولادهم ورسائلهم المتراكمة، وهواجسهم العتيقة من سجن صرفند إلى المسكوبية إلى سجن عسقلان، ونظروا طويلا إلى الأسماء التي سقطت قتلا أو مرضا أو قهرا وصعدوا شهداء فوق الحصان، واطمئنوا أنه لا زالت تحت جلودهم قطرات ماء.

هم الأسرى اكبر من الدولة ... وأجمل ، أوسع مما في القواميس والقرارات والكتب والأناشيد، بشر صمدوا بالحب والحنين، تجاوزوا الحدود، حلقوا في البعيد، نافسوا الملائكة والرعود، وامتدوا في الأرض والسماء وفي حياة الآخرين، عطشوا وشربوا وماتوا وقاموا، واثبتوا أن الحق لا يقطعه سيف ولا يصدأ بالنسيان.

إن كافة قرارات الأمم المتحدة كانت تعرف الحقيقة، وأشارت أكثر من مرة إلى باب الخروج، وهي تؤكد على حق تقرير المصير للشعوب المحتلة، لكن الممرات بقيت مغلقة، والسماء مسيجة، ويد الفجر مبتورة لا يراها الحالمون في السجون.

لم يستطع أحد في الأمم أن يلزم الاحتلال على احترام مواثيق حقوق الإنسان، وان يردعه عن الاستمرار في العدوان وتجريد الأسرى من إنسانيتهم، والآن صار الأسرى أسرى دولة محتلة، أعضاء في المجتمع الدولي، لهم عنوان وكوشان وقضية، ولا يريدون سوى أن ينسحب الجلاد من الهواء، ويعود إلى أسطورته الضيقة.

ارتفعت صفة التمثيل بعد أن ارتفع منسوب الألم، طفحت اللغة بالدم بعد أن قررنا أن نبحث عن بيت لا عن قبر ، وبعد أن فاوضنا من قتلنا عشرين عاما، فاكتشفنا انه يتربص بنا إلى ما بعد الموت، يؤبدنا في المعسكرات ويراقبنا في غرف النوم.

نحمل الآن شخصيتنا القانونية حتى لا يهرب البحر من الصيادين في غزة المذبوحة، وكي لا نسير بلا فزع من الحواجز والمستوطنات وأبراج المراقبة، نقترب أكثر من طريق السلام الذي لا يحتاج منا أن نقلع ألغاما بين الخطوة والخطوة القادمة.

نحمل عضويتنا كشعب بعد أن وجدنا صعوبة في العثور على هويتنا داخل الاتفاقيات الملتبسة، نفتح باب الزنزانة، كي لا يبق الغامض والواضح سيد العلاقة بين الحارس والأسير عندما يجف الهواء وتنخفض الحرارة والكرامة، وهو يعتقد أن بقادر على إنتاج سكان خانعين.

هم الأسرى... أكبر من الدولة وأجمل، حياتهم معهم رغم النقصان، تراهم في كل بيت، وعلى وجه كل أم وطفل وأمنية، تراهم في الكتاب والأغنية والفصول الأربعة، عائدون بلا جسور، مرئيون كذاكرة في إيقاع آيات مقدسة أمام شقاء الأنبياء المصلوبين.
 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]