ظاهرة الصحافيين الذين انتقلوا إلى السياسة هي ظاهرة شائعة جداً في إسرائيل، وحتى أن الظاهرة قد استفحلت مؤخراً. وفي حين أن الانتخابات للكنيست التاسعة عشرة على الأبواب، نجد صحافيين سابقين من كافة الطيف السياسي، وهناك العديد ممن يتساءلون: ما الذي يدفع برجال صحافة رفيعي المستوى بأن يتركوا عملهم ويدخلوا إلى حلبة السياسة؟ هل هذا التحول أخلاقي من حيث الجوهر؟ ألا يعبر عن تناقض في المصالح؟ وما هي القدرات التي يتمتع بها هؤلاء الصحفيون التي تمكنهم من تغيير الأجندات الاجتماعية والسياسية في إسرائيل؟

يائير لبيد، وشيلي يحيموفيتش، وأوري أوربخ، وميراف ميخائيلي، وعوفر شيلح ونيتسان هوروفيتس هم جزء من قائمة طويلة من رجال الصحافة الذين تركوا مهنتهم مؤخراً، وتخلوا عن القلم والكاميرا وقرروا الانتقال إلى السياسة.

 الأبرز من بينهم هي رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش

الأبرز من بينهم هي رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، التي قررت التخلي عن تقديم برنامج الأحداث العامة في الراديو وتقديم برنامج سياسي وزاوية شخصية في موضوع المجتمع والاقتصاد في القناة التجارية الأكبر في إسرائيل، القناة الثانية. لقد قررت يحيموفيتش ترك الصحافة والانضمام إلى السياسة، وفي عام 2005 انضمت إلى حزب العمل برئاسة عمير بيرتس، الذي ترك الحزب مؤخراً وانضم إلى حزب "الحركة" (هتنوعا) برئاسة تسيبي لفني. وبعد قضاء ولاية ونصف في منصب عضو كنيست، برزت يحيموفيتش كإحدى أكثر المشرعات نشاطاً في الكنيست، ونجحت في رئاسة حزب العمل وقيادته في النضال على صورة المجتمع والاقتصاد في إسرائيل لانتخابات 2013، من خلال تركها تماماً راية النضال السياسي، الذي كان يمتاز به حزب العمل على مدار سنين طويلة.

يائير لبيد، رئيس ومؤسس حزب "هناك مستقبل"

شخصية أخرى بارزة انضمت إلى صفوف السياسة الإسرائيلية، وهو يائير لبيد، رئيس ومؤسس حزب "هناك مستقبل" (يش عتيد). لقد حذا لبيد حذو والده، المرحوم يوسف لبيد، الذي كان أيضاً صحفياً ومن مؤسسي حزب "تغيير" (شينوي) ووزير القضاء في حكومة أريئيل شارون.

كما حصل مع يحيموفيتش، تعرض لبيد لانتقادات عندما أعلن عن تخليه عن الصحافة في يناير (كانون الثاني) 2012 وإقامة حزب "هناك مستقبل". العديد من نقاده ادعوا بأنه استغل قلمه وزاويته في الصحافة لأجل تقديم وترويج سيرته السياسية على حساب الاستقلالية والموضوعية المطلوبة في وسائل الإعلام. وفي نفس الوقت قام معارضوه بتقديم "قانون تبريد للصحافيين" (فترة انتظار خلال ما بين الوظائف) الذي يهدف إلى منع انتقال رجال الصحافة إلى السياسة مباشرة كما هو متبع في جهاز الأمن والجيش عندما يرغب ضباط الجيش في الانتقال إلى الحياة السياسية.

الصحافية والناشطة الاجتماعية ميراف ميخائيلي

الصحافية والناشطة الاجتماعية ميراف ميخائيلي أعلنت هي أيضاً مؤخراً عن انضمامها إلى حزب العمل برئاسة يحيموفيتش وحصلت على المركز الخامس في قائمة الحزب. وقد كتبت على صفحة الفيسبوك الخاصة بها: "أمضيت طوال حياتي كراشدة وأنا ناشطة اجتماعية ومناصرة للمرأة بموازاة عملي في الصحافة... الآن أريد أن أقوم بهذا العمل في ميدان السياسة، حيث تُقرر الأمور وتوزع الميزانيات. هذا هو المكان الذي يتم فيه تصميم الديمقراطية في إسرائيل، وهذا هو المكان الذي يقررون فيه عن الحرب ويجب أن نحاول من أجل أن يقرروا فيه عن السلام أيضاً".

إدراكهم حقيقة أن تأثيرهم على مسارات اتخاذ القرارات من موقعهم كصحفيين هو تأثير بسيط

العديد من المثقفين في إسرائيل الذين كتبوا وناقشوا هذه الظاهرة، ادعوا بأن الدوافع من خلف أولائك الصحافيين الذين يجربون حظهم في السياسة، هو إدراكهم حقيقة أن تأثيرهم على مسارات اتخاذ القرارات من موقعهم كصحفيين هو تأثير بسيط. العديد من رجال الصحافة أدركوا بأن التأثير عن طريق وسائل الإعلام هو تأثير غير مباشر، وأنه يمكنهم طرح مواضيع للنقاش العام الجماهيري آملين بأن تصل إلى آذان أعضاء الكنيست. كأشخاص لديهم جدول عمل وأجندة، يقودون نضالات من أجل التغيير الاجتماعي، وهم يتحدثون عن التأثير والمشاركة بشكل مباشر وعن الرغبة في التغيير وترك أثر ملموس. في الواقع، غالبية أعضاء الكنيست من ذوي الخلفية الصحافية هم مشرعون مجتهدون ولهم أثرهم في الحكومات وجلسات الكنيست الأخيرة.

يتعلق بوضع وسائل الإعلام المتردي في إسرائيل

سبب آخر، بحسب تقديرات الخبراء، يتعلق بوضع وسائل الإعلام المتردي في إسرائيل. هناك تقليصات في القناة العاشرة وصحيفة "معاريف"، والصعوبات الاقتصادية في القناة الثانية تجعل الفرع برمته غير مجدٍ وغير مربح. معظم وسائل الإعلام تتأرجح وتعيش ضائقة مالية خانقة ومن ينجح في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي يتوقف عن منح ملاذ آمن من الناحية الاقتصادية أو ناحية العمل أو المكانة للعاملين فيه.

يبدو أنه على الرغم من الهرولة مؤخراً إلى السياسة، فإن ظاهرة انضمام أفراد وسائل الإعلام إلى السياسة ليست جديدة في إسرائيل، وبأن السياسة ووسائل الإعلام سوف يظلان مندمجيْن الواحد في الآخر إلى الأبد.

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]