لقد شهدنا، في الأسبوعين الماضيين، تصاعداً كبيراً وازدياداً ملحوظاً وخطيراً لعمليات الإعتداء المباشر والجسدي على المواطنين العرب من قِبَل مواطنين يهود. فقد تمً الاعتداء ليلة عيد المساخر "اﻠﭙوريم" على الشاب اليافيّ حسن أصرف، خلال عمله في مدينة تل أبيب، كما تمّ الإعتداء من قِبَل مجموعة فتيات يهوديات، على سيدة عربية كانت تقف في محطة القطار الخفيف في القدس. وقد قامت تلك الفتيات بضربها ضرباً مبرحاً ونزع حجابها. كما حاول شاب يهودي الإعتداء على شاب من عارة، خلال مزاولته لعمله في مدينة نتانيا، مهدداً إياه بالطعن بالسكين، ومن ثم قام تحطيم سيارة الشاب العربي. كما وتعرض محامٍ عربي، داخل المحكمة المركزية في بئر السبع، لإعتداء جسدي، حيث أصيب بجروح نُقِل على إثرها إلى مستشفى سوروكا لتلقّي العلاج والمكوث في المستشفى لمدة أربعة أيام. والجدير بالذكر أن المحامي قد تعرض للضرب من قِبَل "مدير النيابة والشرطة وحراس المحكمة". هذا بالإضافة إلى الإعتداء بالضرب على مواطن عربي آخر كان برفقة زوجته في مدينة طبرية.

إن التأمل في هذه الحالات من الإعتداء والعنصرية يشير إلى أن ظاهرة العنصرية قد انتقلت من مرحلة التصريحات والتفوّهات إلى مرحلة الممارسة العملية على أرض الواقع وبوتيرة عالية، كما أن العنصرية ليست محصورة في منطقة جغرافية، أو طبقة أو شريحة معينة بل أنها منتشرة في كل مناطق البلاد، وتمارَس من قِبل النساء والرجال، الشباب والبالغين، المواطنين العاديين والذين يعملون في القطاع العام ويتبوأون مناصب ومواقع رسمية. كما أن الإعتداءات تتخذ أشكالاً متنوعة: اعتداءً كلامياً وجسدياً واعتداءً على الممتلكات والاستفراد بالمواطنين العرب العزّل والتحريض ضدهم وحشد الجمهور من أجل تعنيفهم. ومما يزيد الأمر قتامة وسوءاً أن الجمهور اليهودي الذي يتواجد في هذه الأمكنة ويشهد وقوع هذه الاعتداءات يقف متفرجاً ومكتوف الأيدي، مما يشير إلى التعاطف أو حتى الموافقة على هذه الأعمال، في ظل الصمت العارم لرئيس الحكومة ووزرائه.

لقد كتبنا الكثير في الماضي، وكتب غيرنا، حول ظاهرة العنصرية والمستفيدين منها، وساهمنا في تفسير وتأويل وتحليل أسباب ودوافع هذه الظاهرة وتصاعدها وأبعادها، كما وحاولنا الإجابة عن السؤال: "كيف يترتب علينا، نحن كعرب، مواجهة هذه الظواهر الخطيرة والمقلقة جداً ثم مقاومتها والتصدي لها؟!"

يجب التأكيد، مرة أخرى، على أن ظاهرة العنصرية والفاشية قد توطنت في المجتمع الإسرائيلي على مجمل مشاربه في: السياسة والثقافة والفكر والدين والإعلام، كما أن اليمين الإسرائيلي، والذي أصبح التيار المركزي داخل المجتمع الأسرائيلي، يؤمن، وبشكل عميق - كما كتب كل من رئيس حركة "إم ترتسو" والكاتبة اليمينية كارني إلداد في مقالين منفصلين في نهاية الأسبوع المنصرم- "أنه في محيطنا يجب إظهار القوة وتفعيلها من أجل العيش".

ومن الجدير بالذكر بأن هنالك جذوراً عميقة للعنصرية، تنمو من خلال الكتب الدراسية الإسرائيلية في المراحل الإبتدائية والثانوية. فكما تقول الكاتبة والباحثة نوريت بيلد إلحنان، في كتابها الجديد والهام، "فلسطين في الكتب الدراسية في إسرائيل"، بأنه "يجري تأليف الكتب المدرسية المتداولة في إسرائيل للشباب اليافعين الذين سيجري تجنيدهم للخدمة العسكرية الإلزامية بعدما يتمّون سنّ الثامنة عشر، كي ينفذوا السياسة التي تنتهجها إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية والتي بموجبها العربي هو عدو. ويكشف الكتاب كيف تؤثر الايديولوجيا الصهيونية ولو بشكل غير مباشر على الشباب وتصوغ أفكارهم ومسلكياتهم وكيف أن الكتب تحمل سطوة السلطة والأهمية. وتؤكد الكاتبة "أن الشباب يفقدون القدرة على التواصل الاجتماعي والحقيقي مع جيرانهم، بل يواجهونهم مدجّجين بالسلاح والأفكار المسبقة".
وتأكيداً للخلاصات التي تصل إليها الكاتبة، نستطيع أن نشاهد التجسيد الحقيقي لهذه الأفكار إما من خلال الإعتداءات على العرب في الأيام الاخيرة أو من خلال سياسة الأبرتهايد التي تفصل العرب واليهود من السفر في نفس الباصات، كما حدث في بداية الأسبوع، فالفلسطيني أينما تواجد فهو عدوّ يجب إخافته والإستعلاء عليه.

يجب التأكيد، مرة أخرى، أنه لا يمكننا أن نقف أمام هذا السيل الجارف من العنصرية، وأن نردع العنصريين إلا إذا توحدنا وعملنا سوياً، نمّينا وبيّنّا عوامل قوّتنا. علينا أن نحسم في أي الميادين نريد أن ننشط: المجتمع العربي، المجتمع اليهودي، المستوى الدولي؟! ويجب أن نميز بين المواجهة العينيّة للخطوات العنصرية وبين المواجهة الشاملة، وما بين "العنصرية المؤسساتية" وما بين "العنصرية الجماهيرية الشعبية" بالرغم من العلاقة الوطيدة بينهما.

باعتقادي، يجب العمل على تطوير مركز سياسي للمجتمع العربي، يشكل مركز حراك وفاعلية، تتواجد به القيادات السياسية لتعمق تواصلها مع المجتمع العربي، وتبادر لنشاطات وفعاليات بحجم تحديات المرحلة، ولن يتأتى هذا الأمر إلا إذا أعدنا النظر في مبنى لجنة المتابعة بأدائها ورؤيتها.

ومن أجل وضع إستراتيجية شاملة لمواجهة العنصرية، يترتب قبل ذلك عقد مؤتمر جماهيري شعبي، تدعو له لجنة المتابعة الحالية، وتشارك فيه جميع القيادات السياسية والمختصون ورؤساء المجالس والصحفيون والجمهور العام، من أجل التداول والتفكير في وضع خطة تحظى بإجماع وبتأييد شعبي، تشمل كل إستراتيجيات الاحتجاج والإعلام والمرافعة الدولية، تنظم المجتمع وتعبئه، وكذلك إجراء الأبحاث والدراسات والتوجه للمحاكم، والنشاط داخل البرلمان، ووضع مناهج تربوية بديلة لتقوية الذات وتعزيز الانتماء للقيم والأخلاقيات الوطنية والإنسانية. ويجب على المتضررين التوجه إلى المحاكم لمقاضاة المعتدين عليهم ومعاقبتهم والمطالبة بإقامة لجنة تحقيق بمشاركة مختصين دوليين لفحص ظاهرة العنصرية في إسرائيل من أجل الحدّ منها، وأيضاً العمل على فضح الترابط بين سياسة الحكومة وتفوهات وزرائها ورئيس حكومتها وغضّ الطرْف عن مثل هذه الإعتداءات، التي تشارك في التحريض عليها شخصيات قيادية من داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي.


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]