منذ أزيَد من 15 عامًا، و(أ.م.) – الاسم الكامل محفوظ في ملفّ التّحرير – من سكّان الضِّفّة الغربيّة، تقطن وحيدةً في مدينة حيفا، بشكل غير قانونيّ(!)، تكدّ ليل نهار وتخدم ساعات طويلة في البيوت لتعيل نفسها.. إلّا أنّها في الآونة الأخيرة بدأت تعاني آلامًا حادّة في عمودها الفِقْريّ، ما دعاها – بمساعدة النّساء اللّواتي تعمل لديهنّ، وعدد من المعارف والصّديقات – إلى التّوجّه لإجراء فحوصات شاملة، وقصد مستشفى "رمبام" الحكوميّ، ليتّضح وجود ورم ما في مِنطقة العمود الفِقْريّ!

فكّرَت أن تُقدم على الانتحار!

أ.م. (47 عامًا) تحتاج إلى علاج فوريّ لهدف إنقاذ حياتها (في حال كان الورم سرطانيّـًا)، لكنّها غير مؤمّنة صحّيّـًا ولا تملك بطاقة هُويّة إسرائيليّة. وحسَب ادّعائها، فهي زوجة متعاون (عميل) قُتل منذ سنوات، ووالدة لأربعة أولاد يسكنون الضِّفّة، ورغم ذلك فإنّ الدّولة "أهملتها"، ولم تؤمّن لها الاحتياجات الأساسيّة!

تعاني (أ.م.) – منذ أشهر عديدة – آلامًا حادّة وقاتلة في عمودها الفِقْريّ، وضعها المادّيّ مُزرٍ، لا يوجد مَن يعاونها أو يخفّف من آلامها، حتّى إنّها فكّرت، مؤخّرًا، ومن جرّاء الآلام الحادّة والمُبرحة، وفقدان الأمل، أن تُقدِم على الانتحار.

وحدّثتني (أ.م.) طريحة الفراش، وبالكاد تقوى على الحركة، قائلةً: أعاني آلامًا قاتلة، ولا أعلم لمَن ألجأ. لا عنوان لديّ، ولا أملك ثمن العلاج أو شراء الدّواء، ولا حتّى الأموال لشراء الشّراب أو الطّعام أيضًا، حيث لا أقوى على الحركة أو العمل!!

الطّبيب الإنسان..

هذا وحدّثتني (ف.) إحدى معارفها (الاسم الكامل محفوظ في ملفّ التّحرير)، بحرقة قائلةً: لقد انعدمت الإنسانيّة من قلوب عدد من الأطبّاء، وخصوصًا أطبّاء مستشفى "رمبام" الّذين رفضوا علاج (أ.م.)، رغم تردّي حالتها الصحّيّة. وأضافت: إلّا أنّ الطّبيب الإنسان عيسى نقولا كان يعالج (أ.م.) مجّانًا ويعمل دائمًا على التّخفيف من عذابها وآلامها، ويتابع حالتها. ولكنّ الحالة، حاليّـًا، تتطلّب دخول المستشفى وإجراء الفحوصات الشّاملة للحصول على العلاج المناسب، ولكنّ ذلك مُكلف جدًّا.

وأكّدت (أ.م.) أنّها وصلت برفقة صديقاتها إلى غرفة الطّوارئ في مستشفى "رمبام"، لإجراء الفحوصات اللّازمة والحصول على العلاج المناسب، لأنّ الآلام لم تعد تُحتمل بعد، ووضعها الصّحّيّ كان مُقلقًا جدًّا، فتمّ إجراء فحوصات الدّم الضّروريّة وصور الأشعّة، وإعطاؤها موادّ مُسكّنة فقط، وتمّ تحريرها لأنّها غير مؤمّنة صحّيّـًا، وهي تعاني آلامًا حادّة، وتأزّمًا في حالتها الصّحّيّة – حسَب ادّعائها.

الطّبيب: سنرميك على الحدود

رفضت إدارة مستشفى "رمبام" علاج (أ.م.) وطلبت منها التّوجّه إلى السّلطة الفِلَسطينيّة لاستكمال العلاج.. وحسَب ادّعائها، هدّدها أحد الأطبّاء برميها على الحدود لأنّها تقيم في البلاد بشكل غير قانونيّ(!).. فأين رسالة الطّبّ الإنسانيّة، وكيف يمكن الاستهتار بحياة المرضى؟! فمثل هذا التّصرّف غير مقبول في مستشفيات إسرائيل المتحضّرة..! لا يمكن تحرير مريض أو مريضة وهي تعاني آلامًا حادّة والخطر يَدْهم حياتها، فيجب ألّا تلعب المادّة دورًا في هذه الحالة؛ لأنّ حياة الإنسان أسمى وأرقى.

هذا ويقف عدد كبير من الأصدقاء والمعارف والصّديقات إلى جانب (أ.م.) ويقومون بجمع التّبرّعات، وتأمين المشرب والمأكل، والعقاقير المسكّنة، لحين تأمين مبلغ كافٍ لبدء العلاج المناسب.

وبوساطة الطّبيب الإنسان عيسى نقولا، تمّ تحويل المريضة (أ.م.) إلى المستشفى الإيطاليّ في حيفا للمعاينة وإيجاد العلاج المناسب، فقام د. عصام زين الدّين باستقبال المريضة وعمل على التّخفيف من معاناتها. هذا وعملت إدارة المستشفى على استقبال المريضة للعلاج، مجّانًا، لهدف المساعدة.

تنتظر مساعدة أهل الخير

وها هي (أ.م.) الّتي كانت طريحة الفراش تنتظر الحلّ؛ دخلت المستشفى الإيطالي وباتت تنتظر التّبرعات الماليّة من أهل الخير لاستكمال العلاج، في حال احتاجت إلى فحوصات مُكلفة جدًّا أو فحوصات خارج المستشفى أو علاج كيماويّ ما أو عمليّة استئصال في حال تأكّد وجود ورم سرطانيّ؛ فالأمر يبقى مُكلفًا جدًّا..!

د. زين الدّين: «قد تتطلّب الحالة علاجًا مطوّلًا»!

وفي حديث لي مع الطّبيب عصام زين الدّين، الّذي قام بعيادة (أ.م.) في بيتها ومعاينتها، وقام باستقبالها، أيضًا، في المستشفى الإيطاليّ، قال: "نظرًا للسّريّة الطّبيّة، لا يمكنني الكشف عن كافّة التّفاصيل، لكنّي اؤكّد لك أنّها تخضع في المستشفى للتّحاليل والأشعّة والفحوصات اللّازمة، وتحتاج إلى معاينة شاملة لوضعها الصحّيّ. حاليّـًا لا يمكننا الجزم ممّا تعانيه طبّيّـًا طالما لم نُجرِ كافّة الفحوصات ولم نتلقَّ نتائج الفحوصات بعد. إلّا أنّ حالتها غالبًا قد تتطلّب علاجًا مطوّلًا نسبيّـًا. إدارة المستشفى الإيطاليّ في حيفا تكفّلت بتقديم المساعدة وإعطاء العلاج المناسب للمريضة.".

وأكّد د. زين الدّين إلى أنّه لا توجد خطورة فعليّة تهدّد حياتها في الوقت الرّاهن، ولكنّه أشار أيضًا إلى أنّ المريضة (أ.م.) - وفق تشخيصه الأوّليّ - قد تحتاج إلى عقاقير وأدوية ولربّما سلسلة من العلاجات ومتابعة طبيّة، وهذا الأمر سيكون مُكلفًا في طبيعة الحال.

أردت من خلال طرحي تسليط الضّوء على الجانب الإنسانيّ من القضيّة، فرسالة الطّبّ إنسانيّة بالدّرجة الأولى، ولا يمكن تعريض حياة الإنسان للخطر مهما كانت ظروفه وأوضاعه.. فقد تحتاج (أ.م.) إلى علاجات كيماويّة لإنقاذ حياتها، إلّا أنّ مصاريف هذه العلاجات مُكلفة جدًّا، وهنا تأتي رسالتنا الإنسانيّة أيضًا، إلى جانب رسالة الطّبيب. ولا بد من الإشادة هنا إلى وقفة أطبّائنا العرب الإنسانيّة ومساعدتهم في إيجاد إطار علاجيّ مناسب للمريضة.

تعقيب مستشفى «رمبام»

وقد توّجهت إلى النّاطق الرّسميّ باسم مستشفى "رمبام" لسماع تعقيبه عمّا جاء في الخبر، فوصلني هذا التّعقيب، وأورده بأكمله: "وصلت السّيّدة (أ.م.) يوم الخميس (2013/4/4) إلى غرفة الطّوارئ في «رمبام» في أعقاب آلام في الظّهر؛ ونظرًا للسّرّيّة الطّبيّة، لا نستطيع الكشف عن التّفاصيل، لكن نتيجة الفحص الّذي أُجري للسّيّدة م. لم تُظهر أيّ ضرورة ملحّة للعلاج السّريع، سوى التّخفيف من آلامها.

السّيّدة م. مواطنة في السّلطة الفِلَسطينيّة (دولة فِلَسطين)، وتعيش من دون تصريح داخل إسرائيل. وعندما استقبلها المستشفى أفادت أنّ زوجها الّذي كان متعاونًا مع إسرائيل، قُتل قبل عامين، وإزاء ذلك فرّت مع أولادها إلى إسرائيل. ووفقًا للأنظمة المتّبعة في وزارة الصّحّة، توجّهنا إلى منسّقة العلاج في وزارة الصّحّة مقابل السّلطة الفِلَسطينيّة. وجاء التّوجيه من مكتب التّنسيق بنقل السّيّدة م. لمتابعة العلاج في السّلطة الفِلَسطينيّة؛ وذلك لأنّها تعيش بشكل غير قانونيّ، ومن دون تأمين أو تغطية طبّيّة في دولة إسرائيل.

ورغم ذلك، ونظرًا إلى قصّتها الشّخصيّة والمثيرة للشّفقة، ولهدف تلبية رغبتها، ورغبة الوجهاء الّذين تدخّلوا لصالحها، أمثال الدّكتور ران لين، عملنا لإيجاد حلّ في إطار القانون، لنتمكّن من استقبال السّيّدة م. للعلاج في «رمبام». وبالمقابل، توجّهت إدارة المستشفى إلى وزارة الصّحّة بطلب المساعدة في إيجاد حلّ لها.

وبعد ساعات طويلة من معالجة الأمر، وصلت رسالة أخرى من مكتب التّنسيق تتضمّن معطيات جديدة؛ حيث تبيّن أنّ السّيّدة م. أفادتنا معلومات «غير دقيقة»، بعبارة ملطّفة. ليتّضح أنّ زوجها توفي عام 1989، وأنّ أربعة أولادها من هذا الزّوج يعيشون في مِنطقة طولكرم (السّلطة الفِلَسطينيّة)؛ كما أنّها تزوّجت ثانيةً بمواطن إسرائيليّ، وطُلّقت منه أيضًا، قبل 12 عامًا. وهي تمكث، منذئذٍ، بشكل غير قانونيّ في دولة إسرائيل.

ووفقًا لقوانين دولة إسرائيل، فإنّ كلّ مريض في حال تشكيل خطر على حياته، يتلقّى العلاج في المستشفيات من دون اعتبار مصدر التّمويل.

حيث يتعالج في مستشفى «رمبام»، كلّ عام، عشرات المرضى بصورة مُستعجلة، بدون تغطية من التّأمين الصّحّيّ، وعلى حساب ميزانيّة المستشفى. وفي الحالات غير المستعجلة فإنّ المستشفى الحكوميّ مُلزم بالتّأكّد، مُسبّقًا، من وجود مصدر ماليّ لتغطية نفقات العلاج الطّبّيّ.

فبعد مُضيّ يوم كامل في غرفة الطّوارئ، حيث لم تتمكّن السّيّدة م. أو رفاقها من إيجاد حلّ، عُرض عليها الانتقال إلى السّلطة الفِلَسطينيّة، أو إلى مستشفى «المقاصد» في القدس؛ ولكنّ السّيّدة اختارت مغادرة المستشفى بمرافقة الأصدقاء، ولم تبلّغنا بوجهتها.

وخلافًا لما ذكرت، فإنّ معالجة السّيّدة أ.م. في «رمبام» كان مصحوبًا بمحاولة صادقة لمساعدتها.

تستحقّ الالتفات والمساعدة

إنّنا أمام حالة إنسانيّة تستحقّ منّا الالتفات والمساعدة، فإن عمدت الدّولة إلى إهمال حتّى «المخلصين» لها، فعلينا أن نعمل نحن على إنقاذ حياة (أ.م.)، والتّبرّع لها، لأنّنا إنسانيّون.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]