تكثر – في الآونة الأخيرة – مجموعات التّواصل الاجتماعيّ (المجموعات الـ"فيسبوكيّة")، المسيحيّة منها والإسلاميّة، المختلفة، المتخلّفة، والمتطرّفة، الّتي تحاول أن تنسبني إليها، أو تضمّني إلى مجموعتها، بصورة أو بأخرى، لسبب ما.. فتشدّني الأولى للتّصويت إلى المسيح على أنّه الشّخصيّة الأفضل في التّاريخ، بينما تحثّني الثّانية على إضافة "بيچ لايك" للنّبيّ محمّد، والثّالثة تريدني أن اُؤكّد أنّ النّبيّ هو الشّخصيّة الأعظم، بينما الرّابعة تدفعني إلى تفضيل العذراء، أمّا الخامسة فتدعوني إلى التّديّن والتّصوّف، وهلمّ جرًّا.. وكأنّنا في "مسابقة" متطرّفة مقزّزة "مقرفة"، يحاول كلّ طرف فيها "إبراز عضلاته" وقدرات نبيّه، لإثبات أنّ النّبيّ أفضل من المسيح أو المسيح أهمّ من النّبيّ...

تخلّف.. تطرّف.. تعصّب.. حقد.. وغباء؛ هذا هو غيض من فيض الصّفات الّتي يمكنني أن أكيلها لكلّ مَن تُسوّل له نفسه التّفكير من خلال هذا المنظور الضّيّق، وبهذا المنطق الأعوَج.

من حقّ أيٍّ كان أن يعبّر عن حبّه وتقديسه وتقديره لنبيّه أو مسيحه، بأيّ أسلوب يراه، وضمن أيّ مجموعة يختارها، وأن يصوّت لشخص المسيح أو يدعم النّبيّ، شريطة عدم إرغام الآخرين على فعل ذلك..!

والأدهى من ذلك وأمرّ، أنّ هؤلاء "المتديّنين" يطلبون من اللّه ويدعونه أن يُحلّ كارثة أو مصيبة على كلّ مَن لا يشارك في "استطلاعات اللايك" على أنواعها، وأن يصيب كلّ مَن "لا يصلّي على النّبيّ" أو "لا يدعو للعذراء" بداء ليس منه شفاء، وغيرها من اللّعنات..!!

كعادتي، ولأنّني إنسان أمميّ حرّ، لا طائفيّ، يستفزّني جدًّا هذا "التّحريض" - نعم التّحريض – ويثيرني تصرّف بعض المهوَّسين المتطرّفين الحقودين، الّذين يُقحمون الدّين في كلّ صغيرة وكبيرة، وهم بعيدون عنه، فعليّـًا، بُعد الثّرى من الثّريّا.

ولكثرة محاولات إرغامي على الانضمام إلى مثل هذه المجموعات المتطرّفة، و"إغرائي" بالتّصويت؛ طالبت – عبر صفحتيَ الـ"فيسبوكيّة" الخاصّة، مؤخّرًا، و"بالمشبرح" – بعدم إضافتي إلى أيّ مجموعة دينيّة كانت، خاصّةً تلك الّتي تهدف إلى إجراء منافسة أو مسابقة بين الأنبياء!

اُتركوني وشأني، اُتركوا "إيماني" وعقيدتي وتفكيري، فلا يحقّ لأحد التّدخّل في ذلك.. لم أطلب من أحد ولا أريد من أحد أن يهديني إلى المسيحيّة أو يحثّني على اعتناق الإسلام، مثلًا. أنا حرّ بكلّ ما أختاره، فلا يحقّ لأيٍّ كان أن يسطّر لي حياتي، ويسيطر عليها. من حقّي أن أكون كافرًا أو مؤمنًا، فإن كان هناك حساب أو عقاب في الآخرة فسيحاسبني الخالق، وإن كان فأنا مَن يختار دخول الجنّة أو النّار؛ فمَن أنتم لتحكموا بين النّاس أو تحاسبوهم؟!! اِحترموا آراء الغير وتقبّلوها، ولا تفرضوا آراءَكم أو "مسابقاتكم" و/أو تفكيركم العقائديّ وتكيلوا لعناتكم على الآخرين!

دعونا نتكلّم في ما بيننا بالإنسانيّة، لا بالطّائفيّة العمياء، المبنيّة على حبّ وتفضيل نبيّ على نبيّ، أو إعلاء دين على حساب دين آخر، ما قد يؤدّي إلى زيادة الاستقطاب الآخذ في الاتّساع، أصلًا. فالتّطرّف الدّينيّ المَقيت – وللأسف الشّديد – في ازدياد مُقلق، وبشكل مقزّز ومُعيب، وبدأ يضرب الجميع وينتشر في كلّ مكان؛ يتفشّى كالسّرطان الخبيث القاتل بيننا.. أصبح التّطرّف ملموسًا، على أرض الواقع، رغم محاولات تجميل الصّورة هنا أو تحسينها هناك.

وتذكّروا أنّه ليس كلّ من يصلّي أو يدخل الجوامع أو الكنائس أو يصوّت عبر الـ"فيسبوك" للنّبيّ أو العذراء أو المسيح، مؤمنًا أو صادقًا مع خالقه.. فكم من النّاس يُقيم صلاته مع ربّه على أساس منفعة ومصلحة شخصيّة فقط، لهدف كسب الأموال أو الصّفقات، أو لطلب الشّفاء من مرض، فإن استُجيب طلبه كان سعيدًا، وإن لم يُستجَب تراجع عن صلاته ولعَن وكفَر.. بعيدًا عن التّعاليم الدّينيّة الحقيقيّة!

ما الهدف من وراء التّأكيد على أنّ النّبيّ أفضل من المسيح أو المسيح أفضل من النّبيّ، ما القصد من وراء إضافة الـ"لايكات"؟! إلامَ سنصل من وراء هذه «المسابقة»؟ فهل ينقصنا بعد اقتتال طائفيّ وتطرّف دينيّ واستقطاب اجتماعيّ؟!

وفي المحصّلة، فإنّ أفضل شخصيّة في التّاريخ، قد تختلف من شخص إلى آخر؛ فقد يختار البعض نبيّه أو مسيحه، والبعض الآخر يختار والدته أو والده أو حبيبته، بينما آخرون قد يفضّلون شخصيّة سياسيّة أو ثوريّة، أو أدبيّة أو فنّيّة!

على المؤمن الحقيقيّ أن يحترم الآخر ويتقبّله، ويعمل وفق التّعاليم الدّينيّة، لذا عليه أن يحترم جميع الأنبياء، ويحافظ على قدسيّتهم ومكانتهم الخاصّة، حيث من المفترض أن يكون قدرهم أكبر وأرقى وأسمى بكثير من بعض المسابقات السّخيفة عبر الـ"فيسبوك" أو أيّ "لايك" كان.

اِخلعوا عنّا وعنكم هذا التّطرّف البغيض، البعيد كلّ البعد، عن التّعاليم الدّينيّة، المسيحيّة والإسلاميّة.

(❊) الكاتب صحافيّ حيفاويّ، مدير تحرير صحيفة "حيفا"

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]