بعد الكشف عن وجود أكثر من ألف طفل حامل لڤيروس شلل الأطفال (الـ"پوليو")، في المِنطقة الوسطى والجنوبيّة من بلادنا، أعلنت وزارة الصّحّة، أمس الأوّل، الاثنين، حملة تطعيم ضدّ شلل الأطفال. وقد تقرّر تطعيم قُرابة 150 ألف طفل. هذا وتنتظر وزارة الصّحّة نتائج فحوصات أجرتها على أطفال في مِنطقة الشِّمال وحيفا، لكي تقرّر ما إذا كانت هناك ضرورة، أيضًا، إلى تطعيم الأطفال في سائر أنحاء البلاد أم لا؟! ويتمّ التّطعيم بوساطة تلقيم نقطتين من المَصْل الخاصّ على لسان الطّفل، وليس بوخز الحُقن، وذلك في مراكز رعاية الأمّ والطفل.

وتهدف الوزارة إلى الحدّ من انتشار هذا المرض في أوساط جمهور الأطفال، والّذي يتسبّب نتيجة انتقال ڤيروس من المياه العادمة إلى مياه الشّرب.

وللاستفسار حول هذا الموضوع، وخصوصًا مدى التّخوّف من خطورة انتشار مرض شلل الأطفال في البلاد، ليتحوّل بذلك إلى وباء، كان لي هذا الحوار مع الطّبيب المختصّ بطبّ الأطفال، د. إيهاب خطيب.

- ما هو مرض شلل الأطفال (الـ"پوليو")، وما هي أعراضه؟

د. خطيب: الـ"پوليو" – Poliomyelitis – مرض مُعدٍ يسبّبه ڤيروس الـ"پوليو"، وهو من مجموعة ڤيروسات الأمعاء؛ ينتقل عن طريق الجهاز الهضميّ، الفمّ، ويُفرَز عن طريق الغائط. 90% ممّن يتعرّضون للإصابة بڤيروس الـ«پوليو» لا يطوّرون أيّ أعراض جانبيّة للمرض، بينما 10% منهم يشعرون بآلام في الرّأس أو البطن أو الحلق مصحوبة بتقيّؤات وارتفاع لحرارة الجسم؛ أعراض مُشابهة لغالبيّة الأمراض الڤيروسيّة الموسميّة.

وفي حالات نادرة (1 من بين 1,000 مُصاب بالعدوى)، تؤدّي الإصابة بالڤيروس إلى الشّلل؛ حيث يؤذي الڤيروس بعض الخلايا الدّماغيّة، مُسبّبًا بذلك ألمًا شديدًا في العضلات. خطورة هذه الإصابة منوطة بكمّيّة الخلايا الدّماغيّة المُصابة بالڤيروس ومدى تضرّرها.

إنّ التّطعيم ضدّ ڤيروس الـ"پوليو" هو الوسيلة الأنجع لدرء المرض ومنع انتشاره. فمنذ عام 1988 لم يتمّ الكشف عن أيّ حالة في البلاد مُصابة بڤيروس الـ"پوليو"؛ وحتّى عام 2004 تمّ تطعيم الأطفال بوساطة الڤيروس الحيّ المُضَعّف (تمّ إضعافه)، ما أدّى إلى درء المرض واختفائه. إلّا أنّه ولسبب بعض الأعراض الجانبيّة لهذا النّوع من التّطعيم تمّ استبدال التّطعيم بڤيروس "مُمات"؛ وفي كلتا الحالتين التّطعيم ناجع وقادر على الوقاية من شلل الأطفال، رغم أنّ التّطعيم بوساطة الڤيروس الحيّ المُضعّف أثبت كفاءَة أكبر.

- ما هي الفئة العمريّة المعرّضة للإصابة بشلل الأطفال؟

د. خطيب: مبدئيّـًا، جميع الفئات العمريّة معرّضة للإصابة بڤيروس الـ"پوليو"، لذا يحبّذ، أساسًا، التّطعّم ضدّ هذا المرض. ولكن كلّ مَن تطعّم، سابقًا، ضدّ هذا الڤيروس محميّ، ومن غير المتوقّع أن يُصاب بالمرض.

ورغم ذلك، تمّ اكتشاف نحو 1,000 حالة لأطفال يحملون الڤيروس – أشدّد على أنّهم يحملون الڤيروس، فقط – ولم يتمّ تشخيص أيّ حالة مرضيّة. لذلك بعد استشارة خبراء من منظّمة الصّحّة العالميّة وخبراء وزارة الصّحّة الإسرائيليّة، تقرّر استكمال تطعيم الأطفال الّذين وُلدوا بعد تاريخ (2004/1/1)؛ أي أولئك الّذين لم يتلقّوا التّطعيم الحيّ المُضَعَّف، والّذي أثبت أنّه أكثر كفاءَة.

- هل هناك تخوّف جادّ من انتشار وباء شلل الأطفال في البلاد؟

د. خطيب: لا أعتقد. ومع ذلك فوزارة الصّحّة تتّخذ الحِيطة والحذر؛ فنسبة التّطعيم لدى سكّان البلاد ضدّ ڤيروس الـ"پوليو" تصل إلى نحو 98%. وحتّى عام 2004 كان التّطعيم بوساطة النّوّع الحيّ المُضَعّف من الڤيروس، فلا داعي إلى القلق أو الهلع.

نشهد ظهورًا لحاملي ڤيروس الـ"پوليو"، ذلك الڤيروس الّذي تمّت السّيطرة عليه من خلال التّطعيمات لسنوات عديدة، لذا لا داعيَ إلى الخوف، حيث تمكن السّيطرة على بعض الحالات ومنع انتشار الڤيروس في حال الاستجابة لتعليمات الوزارة والحصول على التّطعيم المكمّل.

تكمن خطورة ما لحاملي الڤيروس بنشره، لذا تقرّر البدء بعمليّة التّطعيم المكمّل، أمس الأوّل، الاثنين (2013/8/5) في جنوب البلاد، مع احتمال توسيع نطاق التّطعيم إلى مناطق أخرى من البلاد في حال اكتشاف إصابات فيها.. ولكنّي اؤكّد، مجدَّدًا، أنّه لا حاجة إلى الهلع.

- هل يتمّ التّطعيم، الآن، من خلال الفمّ؟

د. خطيب: صحيح. فحتّى عام 2004 تمّ التّطعيم ضدّ ڤيروس الـ«پوليو» عبر الفم؛ وعندما تمّ تحويل مَصْل التّطعيم إلى ڤيروس «مُمات» أصبح التّطعيم بوساطة الحَقن. وبما أنّ عمليّة التّطعيم الحاليّة تهدف إلى استكمال عمليّة التّطعيم الّتي تمّت بوساطة الحَقن، يتمّ التّطعيم عبر الفم، فقط.

ومن الضّروريّ التّأكيد على أنّ مَصْل (مركّب) التّطعيم عبر الفم، اليوم، يحوي نوعين من ڤيروسات الـ"پوليو" بدل الأنواع الثّلاثة الّتي كان يحويها، حيث تمّ استخراج النّوع الثّالث الّذي أدّى – في حينه – إلى أعراض جانبيّة صعبة، لذا يُعتبر هذا التّطعيم آمنًا أكثر من سابقه.

سيُعطى التّطعيم للأطفال من عمر 4 أشهر حتّى 9 سنوات في مِنطقة الجنوب حاليّـًا، شريطة أن يكون الطّفل قد تلقّى وجبة واحدة على الأقلّ من التّطعيم بوساطة الحَقن، وذلك لهدف الحدّ – مع كلّ ذلك – من الأعراض الجانبيّة.

لكن هناك أصوات في وزارة الصّحّة تطالب بتطعيم جميع أطفال البلاد، قبل العودة إلى مقاعد الدّراسة، وألّا يقتصر التّطعيم على مِنطقة معيّنة، رغم عدم اكتشاف أيّ حامل للڤيروس في مناطق أخرى من البلاد. لذا تنتظر وزارة الصّحّة وصول نحو مليون تطعيم ضدّ الڤيروس، وستتّخذ قرارًا نهائيّـًا بهذا الشّأن خلال الأسبوع المقبل.

- وما سبب انتشار ڤيروس الـ"پوليو" مجدّدًا؟

د. خطيب: ما زال البحث مستمرًّا من قِبل المسؤولين في وزارة الصّحّة لمعرفة سبب ظهور ڤيروس الـ"پوليو".

- ومع ذلك، مَن معرّض للإصابة بشلل الأطفال؟

د. خطيب: كما ذكرت لك آنفًا، خطورة الإصابة بشلل الأطفال هي بنسبة حالة واحدة من بين 1,000. ولم يتمّ الكشف حاليّـًا عن أيّ إصابة سوى حالات لحاملي الڤيروس.

إنّ أكثر المعرّضين للإصابة بڤيروس الـ"پوليو" هم أولئك الّذين لم يتلقّوا التّطعيم، أو بعض الأشخاص الّذين ضعُف تطعيمهم، أو أولئك الّذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة لأسباب عديدة.

- كلمة أخيرة لقرّاء موقع بكرا

د. خطيب: أشكر لكم توجّهكم وحرصكم على النّشر عن الموضوع وتوعية القرّاء، والتّهدئة من روع الأهل.

أرجو الصّحّة والعافية لجميع الأطفال وأهاليهم؛ وأنوّه بأهمّيّة التّطعيمات وقدرتها على منع الكثير من الأمراض المستعصية، رغم أعراضها الجانبيّة. فلسبب التّطعيمات تمّت السّيطرة على انتشار ڤيروس الـ"پوليو"، وظهوره، الآن، في مِنطقة معيّنة وبشكل محدود نسبيّـًا لا يدعو إلى الهلع؛ لأنّ إمكانيّة وقف انتشاره قائمة، وقد بدأ العمل عليها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]