لكل زمان قصة، ولكل مكان سيرة، وقصة هذه الأيام في بلداتنا العربية وخصوصا في منطقة الناصرة ومرج إبن عامر هي ما حصل في دبورية، المجزرة العنيفة التي راح خلالها خمسة أشخاص آخرهم كانت المرحومة أماني يوسف التي وافتها المنية ليلة أمس بعد صراع دام يومين مع الإصابة الخطيرة التي تسبب بها والدها، القاتل المنتحر بشير نجار بعد أن أطلق النار عليها وعلى أختها مادلين وهما في طريقهما إلى المدرسة، وقتل إبنته الاخرى لمى من طليقته الثانية زهيرة ججيني، التي قتلها أيضاً قبل أن يقتل عبد السلام عزايزة موظف بيت الآباء ويضع حداً لحياته في النهاية.

في اليومين الماضيين، كنا إذا تحدثنا لأحد أقارب المرحومتين مادلين وأماني عن حالة أماني، نسمع مدى الحزن وبنفس الوقت التيقّن بمدى خطورة الحالة، فالأطباء بعد عملية جراحية دامت ثمانية ساعات أعلنوا أنهم لن يستطيعوا إخراج الرصاصة من الرأس وأن الحالة ميئوس منها والأمر كلّه بيد رب العالمين، الذي برحمته وعظمته قرر ليلة الأمس أن يريحها ويأخذ روحها إلى السماء، إلى جنات الخلد .

خلال جولتنا يوم أمس في القرية وفي المدرسة الثانوية تحديداً رأينا حزن الطلاب ولكن لم نستطع التحدث إليهم، فحالتهم لم تسمح بذلك ، وبعد مرور بضع ساعات إستطعنا أن نسمع لبعضهم وهم أصدقاء المرحومتين وزملائهما ..

ما الذنب الذي أقترفه الضحايا ؟!

وقد قال الطالب ميراز جوفي وهو رئيس مجلس الطلاب في القرية " حقيقةً لا أعلم من أين سأبدأُ الحديث عن هذا الموضوع ، فالجميع هنا في القرية بحالة حزن شديدة ، والرهبة الصامتة مع اللون الأسود يحكمان القرية ويحتلانها، ما حدث في دبورية لم يتوقع حدوثه احد فالجميع هنا لا يصدق هذا الحدث البشع الكل يتساءل ما ذنب هؤلاء الأبرياء ؟ يقتلون من غير سبب، بأي زمان نحن؟ وقد أصبح سفك الدم كالماء؟ أي قلب يملك هذا القاتل؟ ما ذنب لمى الطفلة التي لم ترى شيئًا من حياتها بعد لتموت بدم بارد، ما ذنب السيدة التي تسير وراء لقمة عيشها لتقتل؟ ما ذنب رب المنزل الطيب الذي يسعى لإعالة عائلته ليقتل؟ ونأسف على زميلتينا مادلين وأماني شهيدتي العلم رحمهما الله، قمة الوحشية، من اي عقاب سوف يفر قاتلهم ؟ أيظن أن الله غافل عن ما حدث ، نسأل الله تعالى أن يسكن جميع الضحايا فسيح جناته ويخفف عن أهلهم ، إنا الله وان إليه راجعون.

مادلين، يا توبة أعقبت ساعة خطيئة 

بدورها الطالبة رنان يوسف قالت "يقولون أننا نحن أبناء الجيل الشاب نعيش أجمل مراحل الحياة ، نستيقظ والابتسامة تعلو وجوهنا فنحن ما زلنا زهور نستنشق عطر الحياة لكننا في هذا اليوم وللأسف استيقظنا ولم نستنشق عطر الحياة فاجأتنا رائحة لا علاقة لها بذلك العطر الطيب ، رائحة الموت، رائحة الدم، حتى أننا لم نستطع تحديد تلك الرائحة فنحن لم نتعود على مثلها، وقد أخبرونا لاحقا أنا رائحة الموت وقالوا لنا أننا لا بد أن نستنشقها في يوم من الأيام، في هذه اللحظة اجلس مع نفسي لا اعرف ماذا أقول وأفعل، كيف أفسر مشاعري بكلمات فصديقتي مادلين اعتادت أن تقرأ كلماتي وها أنا ألان أرسل لها هذه الكلمات، مادلين يا زهره تفتحت على أكمام الوجود أنت روح طاهرة، أنت توبة أعقبت ساعة خطيئة، أنت لفظه استغفار رددها لسان عثر فتقبل الله وغفر، أنت دمعه ملئها حرارة وفيضها طهارة، والى كل إنسان على وجه الأرض أخبرك أننا ها قد زففنا عروستنا إلى جنات الخلد والنعيم زفت مع أحلامها ، أمالها، صوتها، حركاتها وكل شيء، وسنزف أماني كما زففنا مادلين ولمى والبقية ، فقد حان موعد الرحيل، إلى اللقاء يوم اللقاء".

جريمة حركتها الشذوذ

وقد قال الطالب محمد وهيب داوود " لقد كان هذا الحادث البشع بمثابة مجزرة هزت ارض قريتنا التي لطالما تغنينا بها وبصيتها الحسن, لقد سقط هذا الحدث المؤلم كالصاعقة على قلوبنا فلم يبق أي شخص في هذه البلدة إلا وقد لجمه الصمت واحترق قلبه على ضحايا هذه الفاجعة المؤلمة. يصعب على القلب تصديق ما حدث حيث أن هذا الحادث البشع تخلل آفة غريبة من نوعها ألا وهي الشذوذ, فكيف يقدم أب على قتل بناته بكل سهولة, إنه والله لإثم عظيم ، إن حادثة مشينة كهذه من شأنها أن تؤثر على جميع الفئات العمرية في البلدة وخاصة الصغار الذين لا يزالون على عتبة انطلاقهم في الحياة, لذلك يجب تكريس فعاليات اجتماعية منهجية كانت او غير منهجية تعمل على توطيد العلاقة بين الآباء والأبناء وذلك من اجل الحفاظ على الثقة المتبادلة بينهم. فضلا على ذلك يجب على الشرطة والسلطة القضائية وغيرها من الهيئات العليا إعطاء القضايا العائلية حقها, حيث أن أحد الأسباب التي أدت إلى هذه الفاجعة كان التقصير وعدم الاهتمام اللذان مورسا على يد الشرطة والمحكمة. كما وان ظاهرة السلاح المنتشرة في قرانا ومدننا العربية باتت تمزق العلاقات بين الناس وتحول العائلات إلى ميليشيات مسلحة وهذا أمر خطير وغير مقبول تماما ويجب العمل بأقصى سرعة ممكنة لاستئصال هذه الظاهرة الشنيعة التي راح ضحاياها أشخاص كثر منهم ضحايا بلدتنا الأبرياء. نتوجه إلى الناس عامة للتكاتف والبدء في العمل على اقتلاع الآفات والظواهر الخطيرة التي اجتاحت بلدتنا وغيرها من القرى والمدن العربية. نسأل الله تعالى أن يعيننا في محنتنا ويوفقنا لكل ما هو خير لنا ولبلدتنا , والحمد لله على كل حال".

كنت أتمنى أن تخرجان من التابوت للقول لي أن موتهما، مزحة


صديقة المرحومة مادلين، الطالبة آلاء إيهاب عزايزة قال "إن ما حدث في قريتنا مأساة من الصعب أن ننساها ، وقد هزت مشاعر الصغير قبل الكبير، البعيد قبل القريب، هذه القريه الوادعة بحضن جبل الطور، من كان يصدق هكذا جريمة سوف تحصل في قريتنا الوادعة يوما ما ? لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، من يصدق؟ ولكن ومع الأسف لقد حصلت ونطلب من الله ان يرحم جميع شهداء المجزرة الأبرياء وأن يسكنهم فسيحَ جنّاتِهِ ، ندعو الله أن يرحم الأم الفاضلة زهيره ججيني وطفلتها لمى وان يصبر أهلها على مصابهم الأليم. ونطلب الغفران والرحمة للسيد عبد السلام عزايزه، ربَّ الأسرة الفاضل وأن يصبر الله زوجته وبناته على فراقه. اما صديقتاي مادلين وأماني ، فلا اعرف ما الكلمات المناسبة التي سوف ارثيهما بها، أتحدث والدموع تتغلب على لساني ، ودعتهما ورأيتهما وما زلت لا استطيع أن أصدق بانهما قد توفيا وما زلت أتخيلهما تضحكان وتتكلمان معنا، كنت متخيله أنهما سوف تقفان من ذلك النعش وتقولا لنا أنا لم ارحل فقط كنت أمزح أو أنكم كنتم تحلمون ، حلم ، اجل حلم ولا يريد الانتهاء حتى.. ولكن اطلب لهما الرحمة والى جنات الخلد بإذن الله ".

رحيل رسامة اتحفتنا برسوماتها الرائعة

أما الطالبة ديما عزايزة فقالت :"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا طالبه في الصف الثاني عشر من قرية دبوريه شهدت قريتي حادثاً مروعاً قبل ثلاثة أيام حيث رحل عن قريتنا 5 أشخاص في ريعان شبابهن غدراً بدمٍ بارد دون أي ذنب. هذا الشيء بالطبع اصدر بلبله وخوف عند جميع سكان ألقرية مما جعل الأطفال يذعرون والنساء وحتى الرجال ، لم أتخيل يوماً أن هنالك أب ممكن أن يقتل بناته .. لم اتخيل يوماً فراق مادلين ، مادلين هي احدى الزهرات الجميلة في المدرسه أتحفتنا برسوماتها الخيالية التي كانت تصدر منها رائحة الأمل، التفاؤل، البسمة والعلم، رسوماتها تنتظرها في كل زاوية في المدرسه مادلينٌ فتاةٌ مهذبه فتاة لا تعرف الكلل كانت ترسم في جميع أرجاء المدرسة دون شكوٍى أو ملل،.. لم تعادي أحداً يوماً ولم تفكر في المعاداة ابداً .. لم أنسى قلبها المفعم بالحنان الذي لم يفارق احد في المآسي رغم قسوة الحياة عليها ، ما باليد حيله عجز اللسان عن الوصف أكثر ، نسأل الله أن يتغمدهم في فسيح جنانه ، على أمل نلقاهم في الجنة ".

كسر جواحز التوتر 


وأخيرا قال الشاب أحمد مصالحة " لقد وقعت في بلدتنا مأساة لو عرضت على الجبال لخرّت هذه الجبال ، أدعو الله عز وجل أن ينزل على أهالي المرحومين الصبر والسلوان ، أما بعد يجب أن نعي كلنا أن ما حدث هو حالة شاذة ولن تتكرر إن شاء الله ولكن واجب علينا أن نتقي ونحارب كل عامل قد يؤدي لمثل هذه الأعمال البشعه وهذا واجب على كل فرد في البلدة وأيضا في البلدات العربية الأخرى ولذلك فان كل فرد لم يلتزم بواجبه يعد مساهماً في مثل تلك الأعمال . من وجهة نظري أرى ان على إنسان تأثر من هذا الحادث ويريد التغيير ان يبدأ بنفسه فنحن من نصنع المشكلة ونحن من نصنع الحل مثلاً يستطيع كل شخص منا ان كان على خلاف مع احد أن يعيد كيل الامور و يبادر الى الصلح ، من جهة اخرى ارى ان على جميع المؤسسات الموجودة في القرية ان تقوم بإقامة برامج لزيادة الوعي لدى كل من في القرية وان تقوم باحتواء جيل الشباب وتوجيههم إلى الصواب وإشغال أوقاتهم في الخير وبالتالي ان صلح حالهم صلح حال القريه وفي الختام أقول لابد لنا أن نهدم حواجز التوتر بيننا وان يحب بعضنا البعض ونرتقي بتفكيرنا ولا نعود لزمن العصبية القبلية والاخذ بالثأر ... فبهذا نتعاون على البر والتقوى لا على الاثم والعدوان ".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]