في بداية هذا العام 2013، شهدت البلاد انتخابات برلمانية (الكنيست) وقد عانت الأحزاب العربية من مشكلة عدم خروج الناس للتصويت حيث كان التحفظ واضحاً، وفي ساعات ما بعد عصر يوم الانتخابات سمعنا القيادات تطلب من الناس بأن يخرجوا ويصوتوا لأي حزب عربي، المهم أن يصوتوا، واليوم ومع بداية شهر تشرين الأول بدأت الحركة الإنتخابية تسخن، فنحن على بعد أيام من أنتخابات السلطات المحلية ونرى الأهتمام الكبير بين الأهالي في البلدات العربية.

كيف تُفسر مشاركة الجمهور الفلسطيني في الداخل بالانتخابات المحلية بشكل كبير بينما هنالك تحفظ من انتخابات الكنيست؟ وهل يعول الفلسطيني على الحكم المحلي؟

هل هذا مؤشر لعدم فقدان الثقة فيه؟

طرحنا هذه الأسئلة على البروفيسور عزيز حيدر المحاضر في علم الاجتماع والباحث في معهد فان لير بالقدس، حيث أجاب : الحكم المحلي هو مجال للتعبير عن الذات ومجال الحيازة على قوة ومادة، وقد كتبتُ مقالا عن مكانة السلطات المحلية لدى العرب قبل فترة وجيزة، وحول كون البرلمان بشكل عام هو أيضا مجالا للتعبير عن الذات فهذا أمر لم يعد كذلك في اسرائيل منذ التسعينيات، حيث أنه ومنذ عام 1996 أصبح هنالك قطاع عربي شبه مغلق يصوت فيه العرب للعرب وأصبح التنافس داخلي ولا يعني التمثيل بقدر ما يعني علاقات الأحزاب العربية بالعائلات، التي هي علاقات مقايضة صوت في الانتخابات المحلية مقابل صوت في الكنيست وبسبب عدم تحقيق أيّه انجازات من خلال البرلمان وإقصاء العرب لأنفسهم لصالح الأحزاب العربية التي لا تنافسها الأحزاب اليهودية في القطاع العربي.

مقالة من المهم متابعتها 

وعن مكانة السلطات المحلية لدى العرب كتب الروفيسور حيدر في مقال خاص:  حددت مكانة العرب مواطني إسرائيل في المنظومة الاجتماعية الهرمية الإسرائيلية مركزية الحكم المحلي في نظر المواطنين العرب؛ فقد فُهمت السلطات المحلية والنشاط البلدي منذ السبعينيات عل أنهما مركز النشاط والتأثير في حياتهم. أحد أسباب هذا الفهم هو قلة مراكز التأثير المتوفرة للعرب: فعدد العرب في الوظائف والعمل الجماهيري قليل جداً؛ بما أن مؤسسات الدولة، المؤسسات والمنظمات الجماهيرية تحت هيمنة يهودية فإن السلطات المحلية هي الحلبة الرئيسية للتعبير السياسي.

وأضاف المقال: معظم العرب يعيشون في قرى وبلدات ومدن عربية ويشاركون في منظومة اجتماعية-ثقافية-سياسية تتمحور حول الحكم المحلي الذي يشكل بؤرة للإدارة الذاتية. أضف إلى ذلك أن للسلطات المحلية أهمية سياسية من الدرجة الأولى بسبب وظيفتها في التوسط بين العرب وبين الحكم المركزي. كل هذا جعل من الحكم المحلي حلبة رئيسية للتعبير السياسي، مصدر نشوء قيادة سياسية واجتماعية محلية وقطرية، إضافة إلى كونه مؤسسة عامة مسؤولة عن تقديم الخدمات في المستوى المحلي .

وقال بروفيسور حيدر في المقال: ترى الناس بالسلطات المحلية أنها مؤسسة حكم يمكن بواسطته الحصول على موارد، ووسيلة للحراك سياسياً والحصول على تأثير محلياً وقطرياً. فهي تمكن العرب من العمل لتحقيق مصالح محلية في مجالات التعليم، الصحة، المواصلات وما إلى ذلك، ومن هنا فهي تمنح من يهيمن عليها قوة سياسية ومكانة اجتماعية، وتضمن موارد ملموسة لمن يتحكم بها (حمولة، طائفة أو حزب). تعني هذه المكانة الخاصة للسلطة المحلية لدى العرب في إسرائيل أن هذه السلطة ليست مجرد سلطة محلية عادية في أي مكان وإنما هي مؤسسة ذات أهمية خاصة في المجتمع المحلي، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وتمثل مصالح مادية ومعنوية أكثر بكثير مما تتحمله سلطة محلية عادية حسب تعريف مهماتها ووظائفها.

وأختتم في مقاله: يترتب على هذا التحليل أن عملية التدخل من أجل التغيير هي عملية ذات معان كبيرة ومشحونة بكثير من الحساسيات بالنسبة للسكان، خاصة الفئات المستفيدة من الأوضاع القائمة والغالبية التي يصعب أن تستوعب وأن تتخيل استبدال هذه الأوضاع بأوضاع مغايرة ولذلك لا تثق بالمبادرات من أجل التغيير. هذه الأوضاع السائدة تعكس التفاعل بين المكانة الخاصة للحكم المحلي في القرى والبلدات والمدن العربية في إسرائيل وبين التركيبة الاجتماعية التي تشكل وتصيغ القوى الاجتماعية- السياسية الفاعلة وتنتج الرأسمال الاجتماعي الذي ينعكس في تعامل المجتمع مع السلطة المحلية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]