احتضنت مدينة رام الله يومي 2 و3/10/2013، مؤتمر "القدس هوية وثقافة – دورة علي الخليلي"، والذي نظمته اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، برئاسة الأستاذ عثمان أبو غربية، في مقر المؤتمر الوطني الشعبي للقدس – منظمة التحرير الفلسطينية، بحضور رسمي وشعبي، ومشاركة حشد كبير من الأدباء والفنانين والأكاديميين والسياسيين من مختلف أنحاء فلسطين والشتات.

مداخلات أكاديمية تخصصية، وقراءات أدبية، وشهادات سياسية، قُدّمت حول القدس خلال المؤتمر الذي ترأس لجنته التحضيرية الأديب المقدسي محمود شقير، مؤكدة على حضورها الكبير في وجدان الفلسطينيين والعرب، ومركزيتها في الحضارة الإسلامية، قديمًا وحديثًا، وأنها تستحق لا أن تكون عاصمةً أبدية للثقافة العربية وحسب، إنما عاصمة للثقافة الكونية أيضًا، وفق ما جاء في البيان الختامي الذي ألقاه الأديب سلمان ناطور، والذي أكد أيضًا على ضرورة وضع خطط لمواجه مخططات الاستعمار الإسرائيلي التهويدية والاقتلاعية في القدس، وتحريرها لتكون عاصمةً للشعب الفلسطيني.

واشتمل المؤتمر كذلك على معرض أعمال فنية موضوعها مدينة القدس، للفنان المقدسي طالب دويك، ومعرض صور يحاكي تاريخ المدينة وواقعها للمصور المقدسي عوض عوض، بالإضافة إلى معرض كتب لكل من "دار الشروق" و"دار الجندي"، ومنشورات لمركز دراسات المرأة.

وقد قرر المشاركون في المؤتمر، بالإجماع، إطلاق اسم الشاعر المرحوم علي الخليلي على دورته الحالية عام 2013، وذلك تكريمًا له على ما قدمه من إسهامات ثقافية ومعرفية وأدبية لفلسطين عمومًا، والقدس خصوصًا، علمًا أنه توفي يوم انعقاد المؤتمر نفسه، وكان من المقرر أن يشارك فيه.

مداخلات أكاديمية

قدم المداخلات الأكاديمية كل من الدكتور نظمي الجعبة، والذي تحدث عن العمران الإسلامي في مدينة القدس، وتحديدًا قبة الصخرة المشرفة والقصور الأموية، وإسهامات الخليفة عبد الملك بن مروان في هذا المضمار؛ وتناولت الأستاذة نورا كارمي مدرسة راهبات صهيون في القدس، والتي افتتحت عام 1872، متحدثة عن تجربتها التعليمية فيها، وما كانت تتلقاه الطالبات فيها من علوم وفنون، والظواهر الاجتماعية والسياسية فيها، بإيجابياتها وسلبياتها، وكذلك دورها في إنشاء أجيال قيادية ومبدعة من النساء المقدسيات، من مختلف الديانات.

وتحدث أيضًا الدكتور جمال عمرو عن الأحياء العربية في القدس، متخذًا من حي النبي صمويل نموذجًا، فتناول تاريخه وواقع ما يواجهه أهله من سياسات احتلالية وتهويدية يمارسها الاستعمار الإسرائيلي.

أما الدكتور إيهاب بسيسو، فقد تحدث عن الموسيقي المقدسي واصف جوهرية، متناولًا القدس من خلال مذكراته المطبوعة في جزأين: "القدس العثمانية في المذكرات الجوهرية"، معتبرًا أنها إطلالة مهمة جدا على طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في القدس في مطلع القرن العشرين، إذ أنها لم تترك شاردة أو واردة في حياة القدس وعائلاتها؛ مبينًا أنها مذكرات تقول إن القدس مدينة الموسيقى، والمثقفين، والأدباء، لا مدينة حجاج وطقوس دينية فقط.

وتناول الدكتور إبراهيم نمر موسى القدس في شعر الشاعر المرحوم علي الخليلي، الذي توفي في يوم انعقاد المؤتمر نفسه، مبينا الحضور القوي والمفصل للقدس، مكانًا وإنسانًا وتاريخًا، في شعره، ومشيرا إلى توظيف العرفانية الصوفية كثيرًا في قصائده المتحدثة عن القدس.

بدوره، تحدث الدكتور طاهر النمري، عن حي "البقعة"، في الجزء الجنوبي من غرب القدس، متناولًا تاريخه الحديث منذ إنشاء أول مساكن فيه لعائلة النمري، ثم بناء الكولونية الألمانية عام 1873، واليونانية عام 1892، مبينا أنه تطور عمرانيا مع خروج بعض العائلات المقدسية من داخل القدس القديمة والتوسع خارجها، لأغراض اقتصادية واجتماعية، متطرقًا إلى مساحة أراضي الحي، وطبيعة أرضه، والسياسات التهويدية والاستيطانية التي تستهدفه.

وكانت مداخلة للأستاذ خالد عوض حول الأرشيفات المصورة لمدينة القدس، والتي استعرض من خلالها بالصور التي التقطها فلسطينيون، ومستشرقون، ومؤسسات الانتداب البريطاني، تاريخ القدس، ومساحاتها، وطبيعة حياتها وعمرانها، منذ بدايات القرن العشرين، مبينًا أهمية هذه المواد المصورة في وضع أي برنامج وخطة لتحرير القدس وحفظها من التهويد.

وتحدث الدكتور مشهور الحبازي عن الكلية العربية في القدس، وتحديدًا في زمن إدارة سامح أحمد الخالدي لها، قائلًا إن الكلية خرجت قرابة الـ 1000 طالب منذ افتتاحها عام 1918 وحتى إغلاقها بعد احتلال فلسطين عام 1948، بتحصيل علمي رفيع المستوى، أهلهم ليكون قسم كبير جدا منهم من العلماء والباحثين على مستوى الوطن العربي والعالم في مختلف المجالات والتخصصات.

أما الدكتور حسين حمزة فقد تحدث عن القدس في شعر محمود درويش، مبينًا أنها شكلت محورًا هامًّا في أشعاره على مدى مسيرته الشعرية الطويلة؛ وتحدثت الدكتورة فيحاء عبد الهادي عن نساء مقدسيات في الذاكرة الشعبية الجماعية، منوهة إلى أن كتب التاريخ قلما تؤرخ لمشاركة نساء القدس في العمل السياسي الفلسطيني بشكل عام، وفي العمل النسوي بشكل خاص، معتبرةً أن العام 1929 شهد محطة مفصلية في تاريخ العمل النسوي عمومًا، والمقدسي خصوصًا، بعقد مؤتمر نسائي في القدس إثر هبة البراق، والذي عكس حنكة وإبداع المرأة الفلسطينية في حينه، وقوة حضورها.

أما الأستاذ بهاء الجعبة، فقد تحدث عن سيرة الأنثروبولوجي المقدسي توفيق كنعان، الذي يعد رائد الدراسات الفولكلورية الفلسطينية، واستعرض أهم مؤلفاته وإسهاماته الثقافية والوطنية التي كان لها الأثر الكبير في فهم القضية الفلسطينية والحفاظ على هوية المدينة المقدسة.

شعر وكلمات في القدس

وقيلت في القدس وعنها خلال المؤتمر قصائد عدة، أنشدها كل من الشعراء أحمد دحبور، وإبراهيم نصر الله، وسامي مهنا، ومراد السوداني، وحسين مهنا، وروز شوملي، وعثمان أبو غربية، ومفلح طبعوني، وعبد الناصر صالح، وماجد الدجاني، وكوثر الزير، وزينب حبش، وسوسن غطاس، وسميح محسن، وسونيا خضر.

وقُدّمَتْ كذلك شهادات ونصوص أدبية حول القدس، بينت حضور القدس في وجدان الإنسان الفلسطيني، وسيرته معها وارتباطه فيه، وألمه في غربته عنها، وقد برز لدى كثير من الأدباء، والمثقفين، والشخصيات الوطنية الفلسطينية التي قدمتها، موضوع مشاعرهم عند لقائهم الأول بها بعد طول غياب وانقطاع، وأثر ذلك في نفسيتهم. وقد كانت الكلمات والشهادات لكل من محمد علي طه، ومحمد أبو ميزر، وجميل السلحوت، مي الصايغ، ووليد أبو بكر، وسمير الجندي، وإبراهيم جوهر، وفاروق وادي الذي أرسل بكلمة ألقتها بالنيابة عنه رناد قبج. وتحدث الأسير المقدسي المحرر علي مسلماني، والذي أمضى ثلاثين عاما في سجون الاحتلال، عن دور الحركة الأسيرة في مسيرة النضال الفلسطيني، وألقى قصيدة إلى القدس كان قد كتبها في الأسر قبل عشرة أعوام.

وقد ألقى الدكتور نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، كلمة عبر فيها عن سعادته بلقاء الشعراء والمثقفين من الداخل المحتل، والأدباء الذين حضروا من الأردن للمشاركة في المؤتمر، الذي اعتبره عرسا وطنيا يجمع رموز الحركة الوطنية والثقافية الفلسطينية، وعبر عن الاستعداد التام لدعم المثقفين والأدباء الفلسطينيين من كافة أنحاء فلسطين.

جائزة "القدس للثقافة والإبداع"

وأعلن خلال المؤتمر عن أسماء الفائزين بجائزة "القدس للثقافة والإبداع" للعام الثاني على التوالي، بحضور رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، وعدد من الشخصيات الرسمية، والثقافية، والدينية.

وأكد الحمد الله على أن حكومته تركز عملها باتجاه مدينة القدس ومؤسساتها، داعيًا إلى أكبر حشد دولي وإقليمي لفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وتبيان الآثار القانونية للانتهاكات الإسرائيلية التي تخرق القانون الدولي.

من جانبه، أكد كل من السيد عثمان أبو غربية، رئيس اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، والشاعر أحمد دحبور على أهمية هذه الجائزة باعتبارها تأكيدا على التمسك والتجذر في قلب القدس النابض بالثقافة والإبداع المحلي والوطني، والعربي والإنساني، على مر التاريخ. ونوها إلى أن الفائزين بالجائزة شكلوا جسرا وملحمة إبداعية وأدبية وفكرية، ترمي بجذورها في أساسات ومعالم القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وتشكل دليلا على بقاء بوصلة الفكر والثقافة والإبداع مشيرة نحو الهوية الفلسطينية عامة، والقدس خاصة.

مي صايغ، ومحمد برادة، ومصطفى الكرد

وقد فاز بالجائزة في عامها الثاني (2013)، كل من الأديبة الغزيّة مي الصايغ، والأديب المغربي محمد برادة، والموسيقي المقدسي مصطفى الكرد.

واستعرضت عضو لجنة الجائزة، الدكتورة سونيا نمر، دور ميّ الصايغ الإبداعي والأدبي قائلة: "لنا أن نفرح اليوم، نفرح بمي الصايغ، نفرح بها إلى الجزء الحاضر من حاضرنا لنستطيع الاحتفال بكل ما كان لمي الصايغ من تجربة وترحال بين الأماكن والتحديات والإبداعات، كل ذلك نفعله لنجعل الحاضر يقر بعمق الماضي، ويجعل للمستقبل بابًا يتعدى حدود ممكن الحاضر إلى ممكن المتخيل من الكلمة والفعل."

ثم قدم الدكتور إبراهيم أبو هشهش، عضو لجنة الجائزة، نبذة عن الحائز على الجائزة من العالم

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]