"الفجر لا يطلع من ليله إلا بعد أن يكتمل ليله.
والزنبقة لا تبرعم إلا بعد أن تنضج بصلتها.
دع الزمن يزمن يا ولاء"


اميل حبيبي- المتشائل

شهدت الناصرة معركة انتخابية شرسة سبقتها حملات انتخابية مثيرة وضارية في آن معاً. وقد يكون من الصعب تحليل نتائجها واسقاطاتها على سكان المدينة في هذه المرحلة، حيث ما زلنا في خضمها، ولكني أرغب في طرح بعض الملاحظات من خلال قراءة أولية علّها تساهم في فهم
دوافع المصوتين، طرق تفكيرهم ونهجهم في اتخاذ قراراتهم.

أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة أن عملية التصويت في الناصرة كانت تعبيراً عن صراع بقاء وصراع وجود. مصوتو الجبهة بغالبيتهم المسيحية التزموا التصويت للجبهة وللسيد رامز جرايسي بدافع البقاء، بقاء الجبهة في السلطة مما يضمن لهم بقاء الوضع على ما هو عليه مظهرين بذلك تخوفا واضحا من تدهوره، اذا ما تولت جهة أخرى ادارة البلدية. ساهم في تكريس هذا الالتزام من جهة هؤلاء المصوتين خطاب تخويفي من قبل الجبهة "للآخر" ولاسيّما التخويف من المرشحة حنين زعبي والقائمة الأهلية ومن السيد علي سلّام رغم أنه كان قائدا في "البيت الجبهوي" لسنين طويلة، وعمل يداً بيد مع جرايسي متبعين نهجاً واحداً.

التصويت أيضاً كان تعبيراً عن صراع وجود من قبل كافة الفئات الأخرى ، الفئات التي شعرت بالاقصاء والتهميش لسنين طويلة وعوملت بعنجهية وتحملت تكبُر الجبهة عليها في العقدين الأخيرين. هَدَفَ الكثير من هؤلاء الناس في تصويتهم أساساً الى انزال الجبهة وتهميشها كما فعلت هي بهم. فكان علي سلّام بنظرهم مَن عانى نفس معاناتهم مِن تهميش لكنه بنظرهم "الضحية القوية" الوحيدة . تماثل معه هؤلاء الناس وأعطوه ثقتهم في صندوق الاقتراع تعويضاً عن "الأذى" الذي لحق به كما بهم وايماناً أنه الأقوى والأقدر على دحرهم.

مقابل التصويت المسيحي بغالبيته للجبهة وهذه الطائفية المبطنة منذ سنين، تلاشت الأحزاب الاسلامية والتي زاد وجودها من أجواء الطائفية في المدينة في الخمس عشرة عاماً الأخيرة. هذا التحول عند المسلمين في نهج التصويت يُحسب لهم حتى وان كان تصويتهم بغالبيته لعلي سلام وقائمة ناصرتي الا أن هذه القائمة ليست دينية أو طائفية لا بتركيبتها ولا بخطابها. فخطابها بسيط ويتوجه لجميع المستائين من الجبهة.

عندما يكون الصراع على البقاء والوجود، عندها لا مكان لخطاب العقل والمنطق. تُحرك الناس مشاعر أقوى من أي منطق، مشاعر الغضب والاستياء التي أفرزها تعامل الجبهة مع كل من هو غير مقرب منها . هذه المشاعر كانت الدافع الأقوى الذي حرّك الناس نحو صناديق الاقتراع بأجواء محاسبة وحتى "تصفية حساب" مع هذا الجسم الذي لم يصغِ لنبض الشارع وتعالى على الناس ولم يفكر للحظة في محاسبة نفسه مع أن الناس منحته ثقتها على مرالسنين.
في هذا النهج من التصويت يحمل أهل الناصرة مقولة واضحة لكل رئيس أياً كان: "احذر! نحن نحاسب، ربما نكون طويلي أناة لكن حذار من غضبنا اذا ما تفجر".

في ظل هذا التقطب الواضح بين ناصرتي والجبهة، بين علي سلام ورامز جرايسي واللذين كانا شريكين في نفس الحزب ونفس الادارة، هذين المختلفين الشبيهين، وقفت القائمة الأهلية وشباب التغيير، قائمتان حصلتا معاً على ما يقارب الستة آلاف صوت، وكذلك وقفت حنين زعبي والتي حصلت على ما يقارب الأربعة آلاف صوت، وقف هؤلاء في وجه الاستقطاب الكامل لأهالي المدينة ليقولوا مقولتهم، ليطلبوا التغيير الجذري لكل الوجوه القديمة ، ليطلبوا البديل. مصوتون لم تخاطبهم لغة التخويف والترهيب ولم يتماهوا الّا مع خطاب العقل والمنطق كضامن لمستقبل أفضل لجميع أهل المدينة.

دَرَجَ الحديث عن التغيير في خطابات جميع الأحزاب والقوائم قبل الانتخابات، ويظهر جلياً الآن أن التغيير أصبح أمراً واقعاً اذ غيّرت الناس نهج تصويتها، الناس تريد الحياة، تريد التغيير. ومع أن الأقليات تميل عادةً الى الاستقرار وعدم احداث تغييرات أو الدخول في مغامرات مجهولة النهاية الا أننا شهدنا شعباً يعيد مفاتيح اللعبة الى يديه وان تبع مشاعره. فالتغيير ليس فعلا واحدا انما مسيرة مستمرة نحو الأفضل. مسيرة حرّكتها المشاعر لكنها سترتقي الى العقل والمنطق، حينما يحين موعدها!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]