توفي مساء الخميس الموافق 16 كانون ثانٍ 2014 المناضل الفلسطينيّ زيد وهبة (أبو أسامة) عن عمر يناهز التّاسعة والسّبعين عاما بعد صراع مرير مع مرض العضال لم يمهله طويلا.

اللجوء إلى لبنان

الفقيد من مواليد قرية سعسع في الجليل الأعلى في 15 من أيّار عام 1935. لجأ إلى لبنان عام 1948 حيث عاش في مخيمات اللجوء. عمل مدرسا للفنون الجميلة في ليبيا من عام 1961 إلى عام 1968، انتمى إلى حركة فتح عام 1965 في ليبيا. في عام 1967 التحق بجمال عرفات (أبو رؤوف) الشّقيق الأكبر لياسر عرفات وبأبي يوسف النّجار وهايل عبد الحميد (أبو الهول) وصلاح خلف (أبو إياد)، حيث عُيّن مسؤولا عن العمل التّنظيميّ الفتحاويّ في منطقة حلوان حيث يعمل مئات العمال الفلسطينيين في مصانع الصلب والحديد في حلوان القريبة من القاهرة. وكانت الحركة العمالية والنقابية في عهد الزّعيم الراحل جمال عبد الناصر من أنشط الحركات النقابية في المنطقة العربية وكان على رأس الحركة النقابية العمالية آنذاك الأخ عبد اللطيف بلطية وكان وزيرا للقوى العمالية في جمهورية مصر العربية.

بقي زيد وهبه في القاهرة ستّة أشهر ومن ثمّ طلب منه هايل عبد الحميد السّفر إلى لبنان وذلك لأهميّة العمل التنظيميّ في السّاحة اللبنانيّة. وكان توجّه القيادة المركزيّة لحركة فتح تكثيف النّشاط التنظيميّ في لبنان ومخيماتها وبما أن زيد وهبه من هذه المخيمات وخاصة نهر البارد في شمال لبنان، كان هذا القرار يلبّي طموحاته الشّخصية حيث كان يرغب في العمل الميداني. وعُيّن أمين سر حركة فتح في شمال لبنان (طرابلس) ومخيماتها نهر البارد والبداوي منذ بداية عام 1968 وحتى 1970.

أقامة أول مكتب لحركة فتح

وقد قام المرحوم قام ببناء أول مكتب لحركة فتح في مخيم نهر البارد وتحرير مخيّمات الشمال من سلطة الدّرك والمكتب الثّاني والصّدام المسلح مع الجيش اللبنانيّ على مدخل مخيم نهر البارد. انتقل من مسؤوليّة منطقة الشّمال إلى مسؤوليّة العمل النّقابيّ العماليّ في جميع مخيمات وتجمّعات الفلسطينيّة على امتداد السّاحة اللبنانيّة من عام 1971 وحتى عام 1985 . من انجازاته النّقابيّة وفتح مكاتب للعمل النّقابي في جميع المخيمات ومكتب رئيسيّ للاتّحاد في بيروت منطقة الجامعة العربيّة وإجراء انتخابات للعمال في لبنان والتي كانت الأولى من نوعها وفوز فتح على كافّة الفصائل وأخذت طابع الاستفتاء الشّعبي وحجم الانتساب للاتّحاد كان كبيرا وغالبيّة الفلسطينيّين في المخيمات من العمال والعاملات.

تشكيل النقابات المهنية

قد قام المرحوم بتشكيل النّقابات المهنيّة للعمال والبحث الميداني عن ظروف عملهم ومعاناتهم خاصة وأنّ أكثرهم كان يعمل في الإعمال الشّاقة وكان هذا المجال مجالهم الوحيد نظرا للتشريعات الرسميّة اللبنانية التي كانت تحرمهم من العمل في جميع مؤسّسات الدولة، وكافّة المِهن الحرّة. قام بإنشاء التّعاونيات الاستهلاكية في مخيمات لبنان نهر البارد والبداوي في الشّمال ويفل في البقاع وشاتيلا في بيروت وأخرى مركزية في صبرا، وأخرى في مخيم برج البراجنة وكان على وشك بناء تعاونيّات أخرى في مخيمات صيدا وصور لكنّ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 حال دون ذلك.

مجزرة صبرا وشاتيلا

بقي في بيروت بعد خروج قيادة ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ولكنّ مجازر صبرا وشاتيلا دفتعه للخروج من بيروت عن طريق الجبل إلى البقاع ومنها إلى طرابلس بواسطة صديقه النائب ناظم القادري وزير داخلية حكومة الوزان. كان إلى جانب أبي عمار في طرابلس عام 1983 خلال المعارك التي واجهتهم ضدّ المنشقين حتّى خروج أبو عمار من طرابلس إلى تونس على متن بارجة حربية فرنسيّة.

عاد زيد وهبه إلى بيروت مجددا حيث عيّنه الرئيس ياسر عرفات قيادة إقليم فتح في لبنان وقيادة العمل الوطني الفلسطينيّ إلى جانب لاح صلاح من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. قام بتنظيم التّواجد الفتحاويّ في منطقة صيدا ومخيماتها وتعزيز العمل العسكريّ والتنظيميّ وكانت بداية مجيء بعض الكوادر العسكريّة لحركة فتح إلى لبنان عبر ميناء جونية. ولعب المرحوم كذلك دورا مهما في إبعاد خطر الميليشيات التي كانت تهدد مخيم عين الحلوة ومخيم المية ومية وذلك في معركة مغدوشة. عيّنه الرئيس ياسر عرفات رئيساً لوفد تفاوضيّ في شرق بيروت لمحاولة وقف التّقاتل بين الجيش اللبناني بقيادة الجنرال ميشيل عون والقوّات اللبنانيّة بقيادة سمير جعجع.

محاولة إغتيال

تعرّض لمحاولة اغتيال في مدينة صيدا في عام 1993 وذلك قبل استشهاد الأخ معين شبايطة بين مخيم عين الحلوة والغازيّة، حيث قام صديقه السّيد جورج غالوي عضو البرلمان البريطانيّ بدعوته إلى لندن لاستكمال علاجه والاستعداد للعودة إلى غزّة بناءً على طلب الرئيس أبو عمار. رفضت السّلطات الإسرائيلية السماح بدخوله، وعاش في لندن على نفقة الحكومة البريطانية.

عاصر المرحوم زيد وهبه حقبة مهمة من تاريخ الشّعب الفلسطينيّ على السّاحة اللبنانية ومخيماتها بكلّ أبعادها السّياسية والتّنظيمية والنقابيّة والأمنيّة منذ بداية العام 1968 وحتى العام 1993، عاد قبل شهر إلبى لبنان للإقامة بين أفراد عائلته الصغرى والكبرى، ولكنّ المرض لم يمهله طويلا، ففاضت روحه الطاهرة إلى باريها مساء يوم الخميس الموافق 16 كانون ثان 2014، وسيوارى حثمانه الطّاهر إلى مثواه الأخير، يوم السّبت في مدينة طرابلس، أمّا في الوطن فتقبل التّعازي في بيت شقيقه علي وهبة الكائن في قرية الجشّ في الجليل الأعلى، وذلك يومَي الجُمعة والسّبت، وتُقرأ خِتمة القرآن عن روح الفقيد يوم السّبت بعد صلاة العصر.

موقع "بكرا" يتقدم لعائلة الفقيد ومحبيه وللحركة الوطنية بأحر التعازي سائلين المولى عز وجل تغمد الفقيد برحمته والهام ذويه الصبر والسلوان. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]